تشدّد أميركي متزايد في مفاوضات غزة: العدو يتمسّك بـ«المنطقة العازلة»

تشدّد أميركي متزايد في مفاوضات غزة: العدو يتمسّك بـ«المنطقة العازلة»
ترفض إسرائيل الانسحاب الكامل من قطاع غزة وتتمسّك بخطة «المنطقة العازلة»، فيما تتعثر المفاوضات مع «حماس» وتتزايد الخلافات داخل القيادة الإسرائيلية حول مسار الحرب وصفقة الأسرى.
خلصت إسرائيل، في ردّها الذي نقل إلى الوسطاء المصريين والقطريين، إلى التمسّك بموقفها الرافض للانسحاب الكامل من قطاع غزة، مؤكّدة أنها لن تتراجع عن إنشاء منطقة أمنية عازلة تمتدّ داخل القطاع لمسافة تتراوح بين 800 و1500 متر، ولا عن الاحتفاظ بالمواقع الحيوية، سواء على المحاور الرئيسة أو في بعض المناطق السكنية. ووفق مصادر مطّلعة على مسار الاتصالات، تضمّن الردّ الإسرائيلي رفضاً قاطعاً لاحتكار المنظمات الأممية أيضاً، وعلى رأسها وكالة «الأونروا»، مهمّة إدخال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، مقابل تثبيت دور «مؤسسة غزة الإنسانية» وتوسيعه على حساب الدور الأممي.
ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه القاهرة والدوحة تبذلان جهوداً مستمرة لإحياء المفاوضات المتعثّرة، رغم ضآلة المؤشرات الإيجابية. ونقل مسؤول مصري مشارك في الوساطة، لـ«الأخبار»، إنّ واشنطن باتت أقلّ انخراطاً في الضغط على تل أبيب من أجل وقف الحرب، معتبراً ذلك «تحوّلاً لافتاً في الموقف الأميركي»، مضيفاً أنّ لهجة المسؤولين الأميركيين تغيّرت بشكل لافت، إذ باتوا يركّزون على مطلب «استسلام حماس»، ويرفضون الدخول في مفاوضات تفضي إلى صفقة تبادل أو وقف مؤقّت لإطلاق النار.
مع ذلك، ذكرت «القناة 12» العبرية أنّ بعض المسؤولين الأميركيين يرون أنّ «إسرائيل أنجزت أهدافها العسكرية في غزة»، ويتّهمون نتنياهو «بإطالة أمد الحرب لتعزيز موقعه السياسي، وعرقلة أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار». وجاءت هذه التسريبات في وقت غادر فيه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، الأراضي المحتلة، بعد جولة شملت لقاءات مع نتنياهو وزيارة ميدانية إلى غزة، صباح أمس. وأعلن ويتكوف، بعد الزيارة، أنّ واشنطن ستعدّ «خطة لإدخال الغذاء والأدوية إلى القطاع»، فيما ادّعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مقابلة مع موقع «أكسيوس»، أنّ بلاده «تعمل على خطة لتوفير الغذاء للغزّيين».
أمّا بخصوص الصفقة السياسية، فقد أكّد مصدر سياسي إسرائيلي رفيع، في تصريحات إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه «لن تكون هناك صفقات جزئية مع حماس»، مشيراً إلى أنّ الطريق نحو الإفراج عن نحو خمسين أسيراً إسرائيلياً «لا تزال طويلة». ولفت المصدر إلى أنّ «حماس» ترفض نزع سلاحها أو مغادرة قطاع غزة، مضيفاً أنّ أي «صفقة مقبلة ستشمل على الأرجح إطلاق سراح جميع الأسرى من ذوي الأحكام المؤبّدة في السجون الإسرائيلية».
يركّز المسؤولون الأميركيون على مطلب «استسلام حماس»
وفي موازاة ذلك، تعمّقت الخلافات داخل المؤسسة الإسرائيلية، بين المستويَين السياسي والعسكري، في شأن مسار الحرب في غزة وإمكانية التوصل إلى صفقة تبادل. وكشف المحلّل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، عن تصاعد التوتر بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان إيال زامير، ملمّحاً إلى إمكانية تقديم الأخير استقالته خلال أيام «إن لم يُحرَز تقدّم ملموس في مسار الصفقة». وفي السياق نفسه، أفادت «القناة 12» العبرية بأنّ زامير هدّد فعليّاً بالاستقالة، وسط تعاظم التباين بين المؤسستَين السياسية والأمنية، الذي بلغ، بحسب القناة، «ذروته» خلال الأيام الماضية. وكان اجتماع «الكابينت» الأخير، قد شهد مشادّة كلامية بين وزير المالية بتسلئيل سموترتش ورئيس هيئة الأركان.
كذلك، أفادت قناة «كان» العبرية بأنّ «نتنياهو أجّل حسم مصير العمليات العسكرية في غزة إلى الأسبوع المقبل، في ظلّ استمرار النقاشات الحادّة داخل الكابينت». وبينما يضغط وزراء متشدّدون، على رأسهم سموتريتش، في اتجاه «شنّ عملية واسعة واحتلال مدينة غزة رغم وجود الأسرى فيها»، يعارض رئيس الأركان هذا الخيار، محذّراً من الوقوع في «فخّ إستراتيجي» يصعب الخروج منه. ونقلت مصادر مطّلعة على النقاشات إنّ «الجيش يخشى أن تنزلق إسرائيل إلى مواجهة مفتوحة بلا أفق، يتعيّن عبرها السيطرة على مليونَي فلسطيني في ظروف معقّدة، ما يجعل العملية برمّتها مخاطرة غير محسوبة».
في هذا الوقت، كشف مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ بالفعل تقليص وجوده في قطاع غزة، عبر سحب الفرقة 98 وعدد من الألوية النظامية إلى جبهات أخرى، وإعادة الاحتياط إلى منازلهم للتجديد وإعادة التنظيم. وأشار إلى أنّ «ثمانية ألوية فقط بقيت منتشرة حالياً في القطاع، وهو أدنى عدد منذ بداية الحرب». وأوضح يهوشع أنّ الجيش يدرس حالياً ثلاثة خيارات: مواصلة الاستنزاف، أو تنفيذ عملية برّية إضافية في المناطق التي لم يعمل فيها بعد، أو الذهاب إلى تسوية سياسية تُنهي الحرب مقابل تحرير الأسرى. وفي هذا الإطار، أعلن زامير أنّ الجيش أنشأ «منطقة أمنية» تمنحه هامشاً عملياً مريحاً، مؤكّداً أنّ القتال سيستمر «من دون هوادة» ما لم يتم التوصل إلى اتفاق. وأشار إلى أنّ الجيش يعمل على تقليل الاحتكاك مع عناصر «حماس» وتفادي الانجرار إلى كمائنها، معتبراً أنّ الأيام المقبلة ستكون حاسمة لتحديد مسار الملف التفاوضي. وأضاف إنّ الجيش بصدد «تكييف عملياته مع الواقع المتغيّر».