سورية: منع استيراد الخضار والدواجن هل يحمي المزارعين؟

سورية: منع استيراد الخضار والدواجن هل يحمي المزارعين؟
هل ينجح هذا التوجه في دعم المزارع والمستهلك معًا؟ أم أن السوق، في ظل ضعف الدخول وقوة التكاليف، لن تتحمل مزيدًا من القيود؟ الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه السياسات ستثمر.. أم ستضيف طبقة جديدة إلى معاناة السوريين اليومية.
أصدرت الحكومة السورية قرارًا يقضي بمنع استيراد عدد من المنتجات الزراعية والحيوانية، منها أنواع من الفواكه والخضار والدواجن اعتبارًا من يوم أمس، الجمعة، بدعوى “دعم الإنتاج الوطني”. ويأتي القرار في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية على السوق السورية، وتزايد الفجوة بين الإنتاج المحلي والطلب الاستهلاكي.
ويحظر القرار الصادر عن “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” بتاريخ 28 تموز/ يوليو دخول أصناف واسعة من الخضار والفواكه مثل البندورة، البطاطا، الخيار، الكوسا، العنب، الخوخ، الدراق، الكرز، التفاح، الرمان، الليمون، التين، البطيخ، بالإضافة إلى الفروج الحي أو المذبوح. وقد وُصف رسميًا بأنه جزء من “سلسلة إجراءات تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي واستقرار الأسعار”.
لكن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعًا، بين من يراها ضرورة لحماية الفلاح والصناعي، ومن يعتبرها عبئًا إضافيًا على المستهلك السوري، الذي يعيش أصلاً تحت وطأة الغلاء والندرة.
حماية السوق المحلية
وفي توضيحه لخلفيات القرار، قال ماهر خليل الحسن، نائب وزير الاقتصاد والصناعة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إنّ “المنع جاء بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية، وفق الروزنامة الزراعية السنوية، التي تعدها الوزارة بناءً على دراسات دقيقة لتقديرات الإنتاج وحاجة السوق”.
وأوضح الحسن أن الهدف الأساسي هو “حماية المزارع الذي يُجبر أحيانًا على بيع محصوله بأسعار لا تغطي التكلفة، عندما يُغرق السوق بمنتجات مستوردة في موسم الذروة”، مضيفًا أن “ترك السوق من دون تنظيم سيؤدي إلى عزوف الفلاح عن الزراعة، والصناعي عن التصنيع، ما يحوّل سورية من بلد منتج إلى مجرد مستورد”.
وأشار الحسن إلى أن المنع لا يشمل كل المنتجات بحكم عدم وجود اكتفاء ذاتي للكثير من المنتجات، مضيفًا “إنتاجنا من القمح هذا العام لم يتجاوز 400 ألف طن، في حين أن الحاجة تقارب 3 ملايين، أما السكر فإنتاجه صفر حاليًا، ما يعني ضرورة الاستيراد المنتظم لبعض المواد الأساسية”.
وأكد أن القرار “سيشجع على تحسين جودة الإنتاج المحلي، ويزيد من حجم الطلب عليه، ويحفّز المزارعين على توسيع استثماراتهم”، مشيرًا إلى أن هذه السياسات تُسهم في “تحقيق استقرار نسبي في أسعار الجملة، وضمان ربح مقبول للفلاح”.
من جهته، شدد حسن الشوا، مدير مديرية حماية المستهلك وسلامة الغذاء، في تصريح لـ”العربي الجديد”، على أن القرار “لا يستهدف المستهلك، بل يحميه من تقلبات السوق”، موضحًا أن “المنع يستند إلى دراسات دقيقة، تأخذ في الاعتبار مصلحة المنتج المحلي، واستمرار عمل المعامل، من دون الإضرار بالتاجر أو المواطن”.
وأضاف الشوا أن القرار “يهدف إلى تأمين السلع في السوق، وتخفيض سعرها عبر تعزيز الإنتاج المحلي، من دون الإضرار بأطراف سلسلة التوريد”، مشيرًا إلى أنه “يأتي ضمن خطة أوسع لتخفيف الضغط على القطع الأجنبي، وتوجيهه نحو استيراد المواد الأساسية، بما ينسجم مع دعم الاقتصاد الوطني في ظل التحديات الحالية”.
الواقع أكثر تعقيدًا
أما ما يخص الفلاحين، فلا يبدو القرار كافيًا وحده لحماية محاصيلهم. مصعب العبد الله “أبو لؤي”، مزارع من ريف دمشق، يقول: “المنع بيساعدنا بالصيف، وقت السوق بتغرق بالإنتاج المحلي، بس المشكلة ما بتوقف هون. الناس ما معا تشتري، والتصريف سيئ، والمزارع عم يخسر حتى من دون منافسة المستورد”.
من ناحية أخرى، يشعر المستهلكون بقلق إزاء آثار القرار على الأسعار. تقول وفاء الصالح، موظفة بالقطاع العام تقطن في دمشق: “الفواكه غالية أصلاً. كيلو الدراق بـ15 ألف ليرة. إذا أصبح كل شيء إنتاج محلي، والأسواق قليلة، والأسعار نار، شو استفدنا؟”. ويوافقها الرأي تاجر جملة في سوق الزبلطاني، يشير إلى أن “الاستيراد كان وسيلة لضبط الأسعار وسد الفجوات”، مضيفاً: “المنع لازم يكون مرن، مش مطلق، وإلا الأسعار رح تطلع أكتر”.
المنع لا يمثل سياسة اقتصادية متكاملة
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن قرارات المنع، رغم ضرورتها الظرفية، لا تمثل سياسة اقتصادية متكاملة. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عابد النجار، لـ”العربي الجديد”، إن “مثل هذه القرارات تعالج الأعراض لا الأسباب، وقد تكون مفيدة على المدى القصير، لكنها لا تُغني عن الحاجة إلى سياسات شاملة لدعم الإنتاج المحلي”.
ويضيف النجار: “السوق السورية تعاني ضعف البنية التحتية، وشح الدعم، وغياب التمويل الزراعي الفعّال. لذلك، فإن منع الاستيراد وحده لا يضمن توفر المواد بأسعار مناسبة، وقد يؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية”. ويؤكد أن “تحقيق الاكتفاء الذاتي يتطلب إدارة ذكية للسوق، وتوفير مستلزمات الإنتاج، واستقرار التشريعات، وليس فقط إغلاق الحدود أمام المنافسة الخارجية”.
في نهاية المطاف، يبقى القرار الأخير اختبارًا جديدًا لتوازن دقيق تحاول الحكومة السورية تحقيقه بين تشجيع الإنتاج المحلي وتوفير السلع بأسعار مقبولة، فهل ينجح هذا التوجه في دعم المزارع والمستهلك معًا؟ أم أن السوق، في ظل ضعف الدخول وقوة التكاليف، لن تتحمل مزيدًا من القيود؟ الأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه السياسات ستثمر.. أم ستضيف طبقة جديدة إلى معاناة السوريين اليومية.