فلسطين

عدّاد الضحايا مفتوح: من لم يمُت بالنار… مات بالجوع

عدّاد الضحايا مفتوح: من لم يمُت بالنار… مات بالجوع

تحوّلت المساعدات في غزة إلى مصائد موت يومية، فيما يفتك الجوع وسوء التغذية بسكان محاصَرين تُستكمَل معاناتهم برصاص الاحتلال وأسعاره المرتفعة.

يوسف فارس

غزة | أُضيفت، إلى جانب العشرات من طرائق الموت التي تحصد أرواح الغزيين، خانة جديدة هي خانة «شهداء المساعدات»؛ إذ يقضي يوميّاً ما معدّله خمسون شهيداً من طالبي هذه المساعدات، إمّا في منفذ «زيكيم» الحدودي أقصى شمال القطاع، أو في محورَي «موراج» و«نتساريم». من هذه المناطق الثلاث، تدخل، بشكل شبه يومي، أعداد محدودة من الشاحنات المحمّلة بكميات محسوبة من الطحين والمواد الغذائية، فيندفع مئات الآلاف من الشبان وكبار السن وحتى الصغار والنساء للحصول على الزاد، ليتحوّل هؤلاء جميعاً إلى ما يشبه البط في ميدان الرماية، حيث يطلق جنود الاحتلال النار على المجوّعين بلا سبب منطقي.

يقول أحمد المصري، الذي التقته «الأخبار» في طريق العودة من منفذ زيكيم: «ينصب الجنود لنا مصائد، نتقدّم للحصول على الكمية المحدودة من المساعدات، فيبدأون بإطلاق الرصاص وقذائف المدفعية تجاهنا، فيُقتل ويُصاب العشرات من الشبان يوميّاً، من دون أي سبب». وهكذا، لم تُحدث آلية توزيع المساعدات العشوائية فارقاً ملموساً في واقع التجويع، بل أحدثت معادلاً موضوعيّاً لنسبة القتل اليومية.

وفيما يدّعي الاحتلال أنه يلتزم بوقفٍ لإطلاق النار «إنساني» من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثامنة مساءً في مسارات عبور الشاحنات، انخفضت نسبيّاً وتيرة الغارات في المناطق المكتظّة غربي مدينة غزة، غير أنّ جيش العدو يعوّض الفارق بأعداد القتلى اليومي عبر مصائد الموت. ويوم أمس، مثلاً، سجّلت وزارة الصحة في غزة استشهاد 81 مواطناً، بينهم 57 من منتظري المساعدات في مختلف مناطق القطاع.

أما أسواق القطاع، فقد سجّلت خلال الأسبوع الماضي انخفاضاً طفيفاً جداً في أسعار الطحين، مع المحافظة على تجاوزه السعر الطبيعي بـ100 ضعف، حيث يباع كيلو الطحين بنحو 20 دولاراً، وكيلو الأرز بـ25 دولاراً، فيما تجاوز سعر كيلو الخُضر، مثل الطماطم والخيار والبصل، حاجز الـ30 دولاراً. وبالنسبة إلى المواد التموينية، مثل ربّ الطماطم المعلبة وزيت القلي والخميرة والطحينية، فتُوزن بالغرام لتباع كما الذهب. ويعني ذلك أن توفير وجبة واحدة لعائلة مكوّنة من خمسة أفراد يتطلب 100 دولار.

ويترافق كل ما تقدّم مع أزمة حادّة في السيولة النقدية؛ ويقول أحمد محيسن في حديثه إلى «الأخبار»: «ندفع نصف راتبنا الشهري كي نحصل على العملة النقدية، أي أدفع من راتبي الشهري، وهو 600 دولار، 300 دولار منها للصراف المرابي، وأعود بـ300 دولار فقط، وهذا المبلغ في ظل الأسعار المجنونة، لا يكفي طعاماً لثلاثة أيام».

وبالنظر إلى هذا الواقع، يتضح أن السياسة الإسرائيلية الحالية، تهدف إلى تقديم صورة مضلّلة عن واقع الحال في غزة؛ إذ فيما يحتاج القطاع إلى ما يزيد عن 600 شاحنة من المساعدات يومياً تُوزّع بشكل منظّم على فئات المجتمع كافة، تدخل 40 شاحنة فقط، ثم تتعرّض للسرقة والنهب العشوائي. أما الإنزالات الجوية للمساعدات، فتُعدّ الخديعة الكبرى؛ إذ قُدّرت عمليات الإنزال في يوم زيارة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، إلى مصائد الموت في رفح، وهو اليوم الأكبر من حيث أعداد رزم المساعدات التي أُلقيت، بنحو 90 عملية إنزال جوي، لكنّ حمولتها من المساعدات تعادل حمولة 7 شاحنات فقط.

وإذ تتزايد بشكل يومي حصيلة شهداء التجويع، فقد سجّلت وزارة الصحة في خلال 24 ساعة استشهاد خمسة مواطنين جوعاً، ما يرفع عدد هؤلاء الشهداء إلى 180 من بينهم 24 طفلاً. وبحسب بيانات الوزارة، فإن الشهداء الذين يقضون نتيجة سوء التغذية الحادّ، لم يعودوا مقتصرين على أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال، بل باتوا يشملون البالغين وكبار السن.

وفي السياق ذاته، حذّرت وزارة الصحة من انتشار مرض «غيلان باريه» المرتبط بحالة التجويع وسوء التغذية. وحذّر منير البرش، وهو المدير العام لوزارة الصحة، من أن علاج هذا المرض غير متوفّر وهناك خشية من حالات موت جماعية بسببه. وقال في تصريحات صحافية، إن المياه الملوّثة هي المتسبب الرئيسي بانتشار المرض الذي يهاجم الجهاز العصبي ويصيب الأطفال بشكل خاص ويتسبّب بالشلل الكامل وربما الوفاة، علماً أن وزارة الصحة سجّلت 95 إصابة بالمرض، بينها 45 طفلاً و3 وفيات حتى صباح أمس. كما أشارت «الصحة» إلى أن سكان غزة محاصرون في مساحة 40% فقط من مساحة القطاع، حيث يعيش 40 ألف شخص في كل كيلومتر مربع، ما يسرّع من تفشي المرض وانتشاره، متحدّثة أيضاً عن إصابة 1116 شخصاً بالحمى الشوكية خلال العام الجاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب