“غزة والشرك الاستراتيجي”.. لن تحقق الحرب أهدافها ولو اجتمع الأب والابن “والروح القدس”

“غزة والشرك الاستراتيجي”.. لن تحقق الحرب أهدافها ولو اجتمع الأب والابن “والروح القدس”
عاموس هرئيل
بعد المشاورات الأمنية برئاسته بعد ظهر أمس، أصدر مكتب رئيس الحكومة بياناً قصيراً ومقتضباً. وحسب البيان، عرض رئيس الأركان أيال زامير على نتنياهو احتمالات مواصلة المعركة في قطاع غزة، ومدى استعداد الجيش الإسرائيلي “لتنفيذ أي قرار يتخذه الكابنت”. قد يستأنف النقاش لاحقاً. أضيف المزيد من التفاصيل في الإحاطات غير الرسمية: نتنياهو مصمم على توسيع العملية في القطاع، ربما من خلال احتلال مدينة غزة، رغم الخطر المتوقع على سلامة المخطوفين. بعد ذلك، نشر عن أجواء متوترة في هذه المشاورات، وعن تمسك نتنياهو بعودة زامير والضباط إلى طاولة الرسم المجازية، وعرض خطط أوسع، وحول تذمر رئيس الأركان من هجوم نجل رئيس الحكومة عليه.
بعد اندلاع الأزمة العلنية بينهما عقب منشورات عكست موقف رئيس الأركان، يبدو أن رئيس الحكومة هو الذي يملي الآن سير الأمور. لنتنياهو مصلحة في الحفاظ على نار المواجهة مع زامير لعدة أسباب: بهذا الشكل، سيظهر لشركائه في اليمين المتطرف بأنه لا يتجاهل طلبهم باحتلال القطاع؛ ويحاول تهديد حماس بعد أن علقت المفاوضات حول صفقة المخطوفين إزاء أزمة الجوع في قطاع غزة (الأزمة التي تنبع في معظمها من قرارات نتنياهو)؛ ويحاول حرف الانتباه عن إخفاقاته بوضع رئيس الأركان كبش فداء بعد عدم وفاء الائتلاف بوعده بالنصر المطلق.
هل بدا نتنياهو جدياً في نية المضي لهجوم شامل، في وقت تبدو فيه القوات في وضع ثابت بالقطاع منذ فترة طويلة؟ هناك اختبار بسيط نسبياً يفيد بأنه من أجل السيطرة على الربع المتبقي من أراضي القطاع والعمل على الأرض في مناطق دفعت إليها إسرائيل مليوني فلسطيني، فإنه يحتاج إلى تعزيزات، وإلى حجم قوات أكبر. ثمة شك بوجود عدد كاف من وحدات الجيش النظامي التي بدأ كثير من الجيش الإسرائيلي يخرج الكثير منه من القطاع في الفترة الأخيرة بتعليمات من زامير، المعني بإعطاء راحة للجنود. يبدو أنه لا مناص من تجنيد جديد للاحتياط، خلافاً لكل الخطط. إن إرسال قوات كهذه إلى القطاع سيستغرق أسبوعين؛ واحتلال مناطق القطاع المتبقية وتطهيرها من المسلحين ربما يستغرق -حسب الجيش- سنة أو سنتين. ما لم توجد حركة حقيقية للقوات، فلا تحرك جدياً في القطاع، وربما نبقى في حالة تشكك.
يعبر زامير عن معارضة خطة الاحتلال الكامل منذ شهر، إلى جانب خوفه على حياة المخطوفين والجنود، والتحذير من تورط جديد في الساحة الدولية، لذا يطرح رئيس الأركان حجة أخرى ملموسة ومهمة: الجيش الإسرائيلي يواجه مشكلة صعبة تتمثل في تآكل الوحدات القتالية. سيجد الجيش صعوبة في تخصيص قوات لهذه العملية في الوقت الذي يمر فيه بتدهور حاد جراء رفض الامتثال من قبل رجال الاحتياط، وجراء انخفاض دافعية الجنود في الخدمة النظامية.
صوت الرعد من ميامي
في نهاية تشرين الأول 2023، بعد بدء العملية البرية الأولى للجيش الإسرائيلي، غردت يد مجهولة في حساب تويتر لرئيس الحكومة. تلك التغريدة الليلية هاجمت رؤساء جهاز الأمن لأنهم لم يحذروا نتنياهو من هجوم حماس. ثارت عاصفة في وسائل الإعلام: في الوقت الذي يضحي فيه الجنود بحياتهم أمام العدو، يفضل نتنياهو القيام بتصفية الحساب مع قادتهم. تم حذف التغريدة، لكن بعد أن أثارت انطباعاً مخططاً له وحصلت على مليون مشاهدة. نتنياهو يحافظ على نفس الخط منذ ذلك الحين: إلقاء التهمة على الآخرين بدون أن يتحمل المسؤولية عن شيء. هكذا نجح في التخلص من كل القيادة الأمنية العليا السابقة والبقاء في منصبه بعد 22 شهراً من الحرب.
والمراسلون طرحوا في حينه تقديراً بأن المسؤول عن التغريدة هو يائير نتنياهو. مساء أول أمس، غرد نتنياهو الابن باسمه واتهم زامير بـ “قيادة تمرد يناسب جمهورية موز… جنائي تماماً”. عندما ذُكر له بأن أباه هو من عين زامير، ألقى التهمة على وزير الدفاع إسرائيل كاتس (عملياً، قال نتنياهو الأب في احتفال استبدال رؤساء الأركان في آذار الماضي، بأنه أراد لثلاث مرات أن يتولى زامير هذا المنصب).
عندما تذمر زامير أمس من الهجوم عليه، أوضح نتنياهو بأن ابنه شخص مستقل، لكن تجربة الماضي تدل على أنهما لا يتصرفان تماماً بشكل منفصل. أحياناً، يحاول الابن جر والده إلى قرار ما؛ وأحياناً، مثل ماكينة السم كلها، يخدم هدف الأب بحيث يترك له هامشاً للإنكار.
في ولايته الحالية، حطم نتنياهو كل التنبؤات المسبقة بخصوصه. فهو لم يعد يخشى تنفيذ أمور لم يصدق أحد بأنه سيفعلها – من إقالة وزير الدفاع (الآن محاولة إقالة المستشارة القانونية للحكومة) وحتى مهاجمة المنشآت النووية في إيران. مع ذلك، حتى نتنياهو يجب عليه أن يدرك التداعيات المحتملة لإقالة زامير. فترك رئيس الأركان بسبب عدم الموافقة على خطة الهجوم، سيحدث صدمة عميقة في الجيش. لم يكن لزامير دور مباشر في المسؤولية عن إخفاقات المذبحة. نتنياهو، على فرض أنه ما زال يهتم بهذه الأمور، ربما يحدث انهيار هنا – بدءاً بموجة رفض الجنود وحتى تحرك جديد من حركة “أربع أمهات”.
بالمجمل، هناك أمور لن تنجح في تغطيتها إقالة رئيس الأركان: الحكومة بسبب الأخطاء والإخفاقات جرّت إسرائيل إلى شرك استراتيجي خطير في القطاع. استراتيجياً، حدثت هنا أخطاء شديدة تقريباً مثلما في الفترة التي أدت إلى 7 أكتوبر. حتى لو كان الأب والابن والروح القدس، انقضوا جميعاً على زامير، فإنهم لم يحققوا بذلك الانتصار في الحرب أو صفقة المخطوفين.
هآرتس 6/8/2025