«حق الدفاع مقدس».. تحرك حقوقي في اللاذقية

«حق الدفاع مقدس».. تحرك حقوقي في اللاذقية
ردود الأفعال لم تتوقف عند التصريحات الفردية، إذ قدّم المحاميان علاء قره فاقي عضو المجلس وفادي بيطار خازن الفرع، استقالتيهما بتاريخ 5 آب 2025 اعتراضاً على القرار.

أثار التعميم الصادر عن مجلس نقابة المحامين في اللاذقية، والذي يمنع أي محام من التوكل عن المتورطين في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، جدلاً واسعاً داخل الأوساط القانونية السورية. ورغم أن المجلس عاد وطوى القرار لاحقاً بعد ساعات من إصداره، إلا أن القضية فتحت نقاشاً حول حق الدفاع كمبدأ دستوري، وحدود العمل النقابي في ظل الظروف السياسية الراهنة.
محامية الدولة زينب طه، أستاذة منتسبة سابقاً إلى نقابة اللاذقية، من الأصوات الرافضة للتعميم. وكتبت على صفحتها في فيسبوك «لو كنت ما زلت في النقابة لأعلنت قبولي التوكل عن أي متهم، حتى لو كان قاتلاً، لأن حق الدفاع عن النفس حق مقدس تكفله القوانين والدساتير في العالم. العدالة لا تتحقق إلا بالاستماع إلى دفوع المتهمين والتحقق منها».
طه رأت في تصريح للأخبار أن القرار «يعارض بدهيات العمل القضائي التي تقول ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته. كما يعارض ما نص عليه الإعلان الدستوري خاصة المادة ١٧ التي تنص على أن حق التقاضي و الدفاع مصون بالقانون». ويمهد لـ «إعادة إنتاج الاستبداد»، محذّرة من أن غياب الدفاع يهدد مصداقية المحاكمة العادلة. واستشهدت بقضية المعارض السوري الراحل عادل نعيسة الذي قضى أكثر من 24 عاماً في السجن دون محاكمة كنموذج للظلم التاريخي الذي تسعى العدالة لتجاوزه. مشيرةً إلى أن التعميم صدر دون موافقة كامل مجلس فرع اللاذقية.
استقالات احتجاجية تطوي التعميم
ردود الأفعال لم تتوقف عند التصريحات الفردية، إذ قدّم المحاميان علاء قره فاقي عضو المجلس وفادي بيطار خازن الفرع، استقالتيهما بتاريخ 5 آب 2025 اعتراضاً على القرار. وجاء في كتاب استقالة المحامي قره فاقي «جوهر العمل النقابي هو السعي لتحقيق مصلحة الزملاء… ولأن القرار يتعارض مع قناعتي المهنية، أتقدم باستقالتي من عضوية المجلس.». أما بيطار فقال في كتاب استقالته «تشرفت بتمثيل زملائي في النقابة، إلا أن الظروف الحالية تحتم عليّ الاستقالة متمنياً لكم التوفيق».
هذان الموقفان عززا الانقسام داخل المجلس بين تيار يرى في القرار «إدانة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد». وآخر يعتبره خرقاً لحق الدفاع وضغطاً سياسياً على النقابة. لكن شعبياً نالت الاستقالتين تأييداً شعبياً ظهر في تداول صورة استقالتهما مع الإعراب عن الشكر لعدم قبولهما بتجاوز القوانين. خاصة مع وجود حملات اعتقال واسعة في مناطق ومدن سورية متعددة بذريعة التعامل مع النظام البائد دون وجود معايير واضحة لهذا التجريم، علماً أن أكتر غالبية الشعب السوري كانوا موجودين في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد ويعملون ضمن مؤسسات الدولة.
حتى العدو بيعمل محاكمة لحفظ وجه القانون
بقانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يتيح لأي متهم الاستعانة بمحامٍ في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. تجارب دولية مشابهة برزت خلال محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وفّر الحلفاء محامين حتى لقادة النازية المتهمين بجرائم ضد الإنسانية. وفي رواندا ويوغوسلافيا السابقة، كفلت المحاكم الدولية الخاصة حضور الدفاع رغم حساسية الجرائم، لتأكيد العدالة الإجرائية ولحماية الأحكام من الطعن الدولي. وفي الحوادث العربية المعاصرة حصل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على محاكمة، والتي يشكك البعض في مصداقيتها كونها تمت تحت إشراف قوات الاحتلال الأمريكي، ما يفتح النقاش حول مدى شفافية المحاكمة التي تتم من قبل أحد أطراف الصراع في إشارة إلى أن الدولة السورية الجديدة تمثل فصائل مسلحة كانت منخرطة في القتال، وأعلنت مسؤوليتها سابقاً عن جرائم في مناطق مختلة.
المحامي السوري نزار حسن علّق على التعميم عبر حسابه في فيسبوك قائلاً «إذا كسب المحامي دعواه عاداه خصمه، وإذا خسرها عاداه موكله… وإذا لم يفعل شيئاً عاداه الاثنان.» في إشارة إلى الضغط الاجتماعي الذي يواجهه المحامون حتى عند ممارسة دورهم المهني. وشارك حسن عبر صفحته في فيسبوك عدة قضايا محلية أظهرت أهمية الاستماع إلى دفوع المتهمين، مشيراً إلى أن النماذج التي شاركها تؤكد أن سماع الطرفين قد يغيّر مسار القضايا جذرياً، وأن أي مسعى لتقييد التوكيل في مثل هذه القضايا قد يؤدي إلى ظلم مضاعف.
ردود فعل صحفية وحقوقية
القرار أثار استياءً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. كتب أحد الصحفيين في تعليق على التعميم «ربّما يكون هذا هو القرار الأسوأ في سوريا، الذي يغطي على كل مهازل الإعلان الدستوري والمراسيم. الجرائم لا تُحلّ بجرائم أخرى، ولا باستغلال مقولات أخلاقوية والدعس على روح العدالة والقانون.» مشيراً إلى أن «طيّ القرار لا يعني أنه لم يصدر. علينا أن نسأل: كيف صدر أصلاً؟ وهل وافق عليه المجلس بالإجماع أم صدر عن النقيب وحده؟».
هذه المواقف عكست فقدان الثقة في استقلالية النقابة، والخوف من أن تتحول قراراتها إلى أداة سياسية تتجاوز مهمتها الأساسية في حماية المهنة وحقوق الدفاع. حيث كتب أحد المحامين «تعميم رئيس فرع نقابة المحامين في اللاذقية الذي يمنع الدفاع عن متهمين بجرائم حرب، لا يحمي العدالة بل يدمّرها. المحامي لا يحكم، بل يدافع، ومن يمنع الدفاع يقتل العدالة بيديه».فيما أشار آخر إلى خطورة التعميم عندما «حين تتحوّل نقابة المحامين إلى أداة انتقام، وتُمنع العدالة من دخول المحكمة، نكون أمام سلطة تخشى القانون أكثر مما تخشى الجريمة».
القضية تعكس مأزق العمل النقابي في سوريا بين الالتزام بالقانون والدستور وبين الضغوط السياسية والاجتماعية. ورغم طيّ التعميم، إلا أن الجدل فتح الباب أمام سؤال أوسع، هل يمكن الحديث عن محاكمة عادلة إذا حُرم أي متهم، مهما كانت فداحة الجرم المنسوب إليه، من حقه في الدفاع؟