عربي دولي

تصعيد تركي يؤخّر لقاءات باريس | أنقرة ترفع نبرتها: لا تتجاوزونا

تصعيد تركي يؤخّر لقاءات باريس | أنقرة ترفع نبرتها: لا تتجاوزونا

يأتي تأجيل لقاء الشيباني وديرمر في باريس بعد توجهه إلى أنقرة لعقد اتفاقات عسكرية، بمثابة تصعيد تركي يوجّه رسائل ضغط لفرنسا وإسرائيل بشأن ملفات الشمال والجنوب السوري.

عامر علي

في وقت كان من المقرّر فيه أن يتوجّه وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى فرنسا للقاء وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، في إطار الوساطة الفرنسية – الأميركية، أُعلن تأجيل الاجتماع إلى الأسبوع المقبل، فيما غيّر الشيباني وجهته نحو أنقرة، حيث عقد اتفاقات عسكرية عاجلة. وحملت الزيارة التي رافقه فيها وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس جهاز الاستخبارات حسين سلامة، رسائل تركية مباشرة إلى كلّ من فرنسا وإسرائيل، وذلك في سياق الكباشَين: التركي – الفرنسي حول ملف «الإدارة الذاتية» في شمال شرق سوريا، والتركي – الإسرائيلي حول مساحات النفوذ عموماً وملف الجنوب السوري خصوصاً.

وظهر ما تقدّم بوضوح في أثناء المؤتمر الصحافي المشترك بين وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، ونظيره السوري، إذ اعتبر الأول أنّ سوريا تتعرّض إلى «مؤامرة إسرائيلية توسّعية»، مؤكّداً أنّ بلاده «تعمل مع دمشق على وضع حلول للمشكلات الراهنة بهدف القضاء على المؤامرات»، على حدّ تعبيره. كما شنّ فيدان هجوماً على «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، متّهماً إيّاها بعدم الالتزام باتّفاق العاشر من آذار الموقّع بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي، والذي يهدف إلى إدماج القوات الكردية ضمن هيكلية وزارة الدفاع.

وجاءت تصريحات فيدان، التي حملت نبرة تهديد لـ«قسد»، مقرونة بإشادة بالجهود الأميركية التي يقودها سفير الولايات المتحدة في أنقرة توماس برّاك، الذي يشغل منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا أيضاً. إذ قال فيدان إنّ واشنطن «تبذل جهوداً لإضعاف تهديدات «قسد»»، لافتاً إلى أنّ «مقاتلي حزب العمال الكردستاني القادمين من تركيا والعراق وإيران وأوروبا لم يغادروا سوريا (…) ولا توجد مؤشرات إيجابية حتى بعد العملية الجارية في تركيا (السلام مع حزب العمال)، تشير إلى أنّ المنظّمة قد أزالت خطر العمل المسلّح». وأضاف أنه على ««قسد» أن تتوقّف عن المماطلة في عملية الاندماج بالجيش السوري وأن تلتزم باتفاق التكامل مع الحكومة السورية»، مهدّداً بأنّ «عدم تلبية المطالب الأمنية لتركيا في سوريا، يجعل الحفاظ على الهدوء أمراً مستحيلاً»، وفق تعبيره.

سرّبت وسائل إعلام أنباءً عن لقاء مرتقب في باريس بين عبدي وماكرون

أمّا تصريحات الشيباني فلم تخرج عن السياق العام التركي؛ إذ حمّل إسرائيل مسؤولية أحداث السويداء، معتبراً أنّ ما يجري هناك «مفتعل من إسرائيل بهدف إثارة الانقسام الداخلي». وتابع أنّ «التهديدات الإسرائيلية المستمرة تمسّ السيادة السورية، وتشكّل خطراً على المواطنين»، محذّراً من «محاولات تقسيم البلاد على أسس طائفية وأيديولوجية»، على حدّ قوله.

غير أنّ تحميل إسرائيل كامل المسؤولية يثير تساؤلات حول دور السلطات الانتقالية نفسها في تأجيج الوضع في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، سواء عبر الهجمات العنيفة والمجازر التي ارتكبتها فصائل تابعة لها أو مرتبطة بها، أو عبر الحصار المطبق الذي تفرضه على السويداء، والذي أسهم في توحيد الموقف الدرزي ودفع شريحة واسعة نحو الانفتاح على تل أبيب التي استثمرت الأوضاع وقامت بتوسيع نفوذها تحت عباءة «حماية الدروز».

كذلك، جاء التصعيد التركي، الذي أعقب انعقاد مؤتمر «وحدة المكوّنات» في شمال شرق سوريا – بحضور شيخ العقل حكمت الهجري ممثّلاً عن السويداء، والشيخ غزال غزال ممثّلاً عن العلويين -، وما تضمّنه من تهديدات مبطّنة بعمل عسكري، مقروناً بالإعلان عن اتفاقية عسكرية بين سوريا وتركيا، وقّعها وزير دفاع الأولى مع نظيره التركي يشار غولر.

وتشمل تلك الاتفاقية جملة من البنود، أبرزها: المشاركة في دورات تدريبية متخصّصة، تهدف إلى رفع الجاهزية العملياتية وتعزيز القدرة على العمل المشترك، والتدريب على برامج في مجالات مكافحة الإرهاب وإزالة الألغام والدفاع السيبراني والهندسة العسكرية واللوجستيات وعمليات حفظ السلام وفقاً لأفضل الممارسات الدولية، وإرسال خبراء متخصّصين لدعم عملية تحديث الأنظمة العسكرية والهياكل التنظيمية وقدرات القيادة، بحسب ما تمّ الإعلان عنه.

ورغم أنّ الإعلان عن هذه الاتفاقية ليس مفاجئاً في ظلّ رغبة أنقرة الجامحة في التوسّع العسكري في سوريا عبر بوّابة تدريب الجيش السوري الناشئ وتأهيله، فإنّها تثير تساؤلات عديدة حول مصير المشروع الذي حاولت تركيا بناءه في سوريا لإيجاد بديل من «قسد»، والمتمثّل بتشكيل تحالف لدول جوار سوريا، مهمّته إعداد ذلك الجيش ومحاربة تنظيم «داعش».

وعلى أي حال، يبدو أنّ التدخّل التركي على خطّ الوساطة الفرنسية – الأميركية بين الحكومة الانتقالية وإسرائيل، وبينها وبين «قسد»، والمقترن بالتصعيد السياسي والتوتير الميداني، تسبّب بتأجيل اللقاءات التي كانت تستعدّ باريس لاحتضانها، من دون إلغائها. إذ إنّ اللقاء المزمع عقده بين الشيباني وديرمر يتّسق مع توجّهات الإدارة السورية الساعية للانفتاح على إسرئيل، في حين أكّدت باريس في بيان صادر عن خارجيّتها أنّ المفاوضات بين دمشق و«قسد» مستمرّة، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، ومع مختلف الأطراف المعنيّة، بهدف تقريب وجهات النظر ودفع النقاش قدماً.

إلى جانب ذلك، سرّبت وسائل إعلام أنباءً عن لقاء مرتقب في باريس بين عبدي والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. وبينما لم يتمّ تأكيد هذه الأنباء من قِبل مصادر رسمية كردية أو فرنسية، سيمثّل هذا اللقاء، إنْ تمّ فعلاً، ردّاً فرنسياً مباشراً على الموقف التركي المتصاعد، على ساحة الكباش السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب