
وتمت خطة تصفية أنس الشريف بنجاح… ماذا عن مبادرة تطوير الإعلام المصري!

سليم عزوز
لخطأ تقني، فإن دخولي اليومي على موقع «القدس العربي» من «اللاب توب» الخاص بي، لا بد أن يبدأ بما كتبته في هذه الزاوية بعنوان «التهديد بتصفية أنس الشريف.. هذا هو الجاني»، والمنشور في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024!
وهي سطور كتبتها على خلفية تصريح المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي كان في حالة عصبية للغاية، وهو يخاطب الحاضر الغائب أنس الشريف بقوله: قد تحاول تقديم نفسك كصحافي يتألم لأوضاع أهل غزة، ولكن الجميع يعلم أنك حمساوي.. لقد انكشفت حقيقتك. على النحو الذي اعتبرته تهديدًا بالتصفية، وأن هذا التصريح الموتور يمهّد لهذه العملية التي تأخرت عشرة شهور، ثم كان استهداف الخيمة التي تضمّه بفريق عمل قناة «الجزيرة»، بواسطة جيش لا يميز بين شجر وحجر، وبين طفل وشيخ، وبين مستشفى ومنزل، وبين مقاوم بالسلاح وبين المواطنين العُزّل والصحافيين!
فعندما كان عاجل «الجزيرة»: استشهاد أنس الشريف وإخوانه، لم يكن الأمر يحتاج إلى تحقيق أممي لمعرفة الجاني، فقد أشرت مبكرًا بأصابع الاتهام إلى القاتل الحقيقي قبل إقدامه على هذه الخطوة، ولم ينكر جريمته، ولكنه برّرها في خطاب عائم عن أن جيشه لا يستهدف الصحافيين، فهم في مواقع قتال، وإن ترك المهمة لموتور لديهم يقول إن أنس الشريف من «حماس»!
وكلام المتحدث باسم جيش الاحتلال هو لنفي أن الجريمة ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد، ومنذ تهديده السابق، خاطب أنس الشريف بانكشاف حقيقته وأنه حمساوي، وإذا سلمنا بمقولة أن الصحافيين لا يتم استهدافهم، ولكن لأنهم وجدوا في مواقع قتال، فإن السؤال المنطقي هو: لماذا في كل مرة يكون الضحية من العاملين في قناة «الجزيرة»، والعداء لها معلن من جانب الحكومة الإسرائيلية وجيش القتل على الهوية؟!
أما القول إن أنس الشريف يقدم نفسه كصحافي يتألم لأوضاع أهل غزة، فهو كلام أرعن يتجاهل أن مراسل الجزيرة جزء من شعب يتعرض للتجويع والإبادة الجماعية، وهو يعيش وسط هذا الشعب، حيث يغدو خماصًا هنا وهناك، فضلًا عن أن أوضاع أهل غزة يتألم لها كل كائن حي، وكل من يحتفظ بذرة من الإنسانية، لم يفقدها وسط هذا الجنون!
قواعد الاشتباك في الحروب
إن الكيان الإسرائيلي وقد خرج على القيم والمعايير كافة، التي عرفتها الأمم المتحضرة، لا يُلام إذا خرج على قواعد التعامل مع الصحافيين، وكأنهم يخترعون قواعد الاشتباك، فالحروب الحديثة ارتبطت بوجود الصحافيين العسكريين الذين يغطونها عن كثب، من جانب جيوش بلادهم، ومع هذا الانتماء فإن القانون الدولي كفل حمايتهم، وهي كفالة مستمدة من القيم الإنسانية التي تهذّب من طبائع من يحملون السلاح فلا يتحولون من محاربين إلى وحوش في الغابة، اللهم إلا إذا كان مطلوبًا إعادة وضع قواعد جديدة للعمل الصحافي تساير الهمجية الجديدة!
وإذا كان استهداف أنس الشريف وإخوانه، لأنه ينتمي لحركة حماس، فلماذا قتلت الآلة العسكرية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة «الجزيرة» في الأرض المحتلة، إلا إذا كان الملأ في تل أبيب يعتمدون سياسات النظام المصري بتصنيف كل معارضيه أنهم إخوان، حتى الملحدين الذين يجاهرون بإلحادهم، أو المسيحيين، وهنا يكون لازمًا علينا وعليهم اعتماد آخر تجليات إعلام القاهرة أن نتنياهو هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهي الدعاية التي انطلقت من قناة «صدى البلد»، ثم تبنتها الآلة الإعلامية المصرية!
ليس عندي تأكيد أو نفي للانتماء السياسي لمراسل قناة الجزيرة أنس الشريف، لكن ما يعنيني هنا أنه صحافي صاحب قضية، ولا يحظر العمل في مهنتنا على الصحافي أن يكون منتميًا سياسيًا، فالفيصل هنا هو في قواعد ممارسة المهنة، فهل هو في غرفة عمليات المقاومة مخطّطًا ومقاتلاً وواضعًا لخطط الهجوم، أم مجرد صحافي يقوم بدوره المهني في التغطية؟! وهل من ضمن المحررين العسكريين الإسرائيليين من يرفضون قيام دولة إسرائيل؟!
إن غزة فضاء مفتوح للجانب الإسرائيلي، فلماذا عجزوا عن إثبات هذا الانتماء إلا بصورة له مع السنوار، فلم يُضبط حاملًا سوى الميكروفون، لنأتي إلى بيت القصيد، فماذا لدى من قتلوا أنس الشريف بدم بارد، وتبريرات ساذجة، ما يفيد أنه أذاع خبرًا كاذبًا، أو فبركا معلومة، أو نقل صورة غير حقيقية؟!
لو فعل لكفاهم مشقة البحث عن مسوغ لتبرير القتل، ولمكّن الإسرائيليين من أن ينظموا حفلة ساهرة عن تغطية قناة الجزيرة، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، فكان اللجوء للتأليف، فيصرخ المتحدث باسم جيش الاحتلال، الجيش الذي لا يقهر، ليجعل من صحافي شاب موضوعًا، غير مكترث بأنه يمكن أن يُطق له عرق بسبب صراخه: «لقد انكشفت حقيقتك يا أنس الشريف».
رحم الله كتيبة قناة «الجزيرة»، وألهم الأهالي الصبر الجميل.
متى تفعيل مبادرة الرئيس
انتظرنا تفعيل الجرس، عفوًا تفعيل مبادرة الرئيس المصري التي تمثلت في توجيهاته العاجلة لتطوير الإعلام المصري والانفتاح على مختلف الآراء، فلا شيء تحقق مع أن التوجيهات عاجلة، والذي حدث أننا طالعنا اجتماعًا مع وزير الاتصالات ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام ومستشار الرئيس للإعلام، في ما يخص تحويل المادة الإذاعية، لا سيما لإذاعة القرآن الكريم، والبرامج التلفزيونية إلى برامج رقمية بهدف الحفاظ عليها، بجانب إعداد الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم!
الحقيقة أن الأمر بسيط ولا يحتاج إلى توجيه رئاسي أو اجتماع يرأسه رئيس الجمهورية، وفي مؤسسات إعلامية أخرى فإن أمرًا كهذا لا يحتاج إلى تدخل رأس السلطة، وكان يكفي لإنجازه رئيس إذاعة القرآن الكريم، أو رئيس الهيئة الوطنية للإعلام على أكثر تقدير، وأن يكون التفرغ لتفعيل مبادرة تطوير الإعلام واعتماد صيغة «الرأي والرأي الآخر» في الإعلام المصري؟
لقد فوجئنا باجتماع يرأسه رئيس الدولة المصرية ويحضره رؤساء المؤسسات الإعلامية الثلاث: الأعلى للإعلام، والوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام، الى جانب شخصين آخرين لم أتوصل لهما حتى الآن، بهدف الانتقال لمرحلة جديدة، وعودة الطيور المهاجرة، والسماح بالنقد والرأي الآخر!
وقيل إن الاجتماع استمر لثلاث ساعات، لكنه كان على عكس طريقة الجنرال، فهو من يتكلم، وهو من يقدم رؤيته، وهذا كله يتم على الهواء مباشرة، لكن الاجتماع كان مغلقًا وما رشح عنه من معلومات جاء على لسان أحمد المسلماني في مقابلة على القناة الأولى المصرية، وبطريقة ضبابية، رغم الطريقة المدرسية التي يتحدث بها أحمد!
أبو هميلة والحناوي هل تشملهما المبادرة؟
فليس واضحًا إذا كان الانفتاح سيشمل الجميع، وكافة الإعلاميين المبعدين من الشاشة ومن الصحف ومن البلد، أم العودة فقط خاصة بمن وصفهم المسلماني بنسيج 30 يونيو/حزيران 2013، ناقلاً عن الرئيس عدم جواز التنكيل بأحد لأن له رؤية مختلفة. ولا نعرف إن كان نسيج 30 يونيو/حزيران يشمل الجميع، من أول ريم ماجد، وحافظ المرازي، ويسري فودة، ودينا عبد الرحمن، وباسم يوسف، أم ستكون العودة قاصرة على إبراهيم عيسى، وتوفيق عكاشة، ومجدي الجلاد؟!
قديمًا قالوا: الجمل صعد النخلة. فكان الرد عليهم: هذا هو الجمل وهذه هي النخلة. فتوجّه كهذا لا بد أن يبدأ في أجواء عامة تسمح بعودة المخرج التلفزيوني علي أبو هميلة، المحروم من تجديد جواز سفره إلى الآن، والذي يعيش في تركيا بعد فصله من العمل في التلفزيون المصري، وأيضًا أن نسمع عن عودة مذيعة التلفزيون المصري عزة الحناوي، اللاجئة في كوريا الجنوبية، بعد فصلها أيضًا من العمل، وهما من أبناء ماسبيرو، ومن نسيج 30 يونيو/حزيران.. أنا لست من نسيج 30 يونيو/حزيران الباسلة!
وهذا التوجه لا معنى له إن لم يسبقه الإفراج عن صحافيين معتقلين منذ سنوات بتهمة حيازة كاميرا، أو كتابة منشور، أو بغير كتابة كما الصحافي أحمد سبيع!
لقد راعني عدم مشاركة المسؤول عن الشركة المتحدة التي تملك كثيرًا من القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية والصحف، وإن صنّف على أنه إعلام خاص، إلا أنه تابع للأجهزة الأمنية، فهل لأنه اجتماع رسمي، أم اعتراف بفشله، ومن ثم اللجوء للإعلام الرسمي من حيث التصنيف القانوني، وهو الإعلام الذي تجاهله النظام الحالي تمامًا منذ البداية، وتعامل معه على أنه من سقط المتاع، فهل هو القول المأثور: القديمة تحلى ولو كانت وحلة؟!
عمومًا، فقد بدا أن الأمر ارتجالي، وأن الاتجاه الجديد بدون خطة تنفيذية أو عملية، ولهذا تم القفز إلى توجيه جديد هو إعداد الموقع العالمي لإذاعة القرآن الكريم.
يبدو أنهم يتحدّون الملل!
٭ صحافي من مصر