رئيسيالافتتاحيه

دولة المستوطنين في الضفة الغربية: مشروع ضم بالقوة يقوّض السلام ويهدد الوجود الفلسطيني

دولة المستوطنين في الضفة الغربية: مشروع ضم بالقوة يقوّض السلام ويهدد الوجود الفلسطيني

بقلم رئيس التحرير

في مشهد يكشف خطورة ما يجري في الضفة الغربية، صعّد المستوطنون اليهود من خطابهم ودعواتهم العلنية لإقامة ما يسمونه “دولة يهوذا والسامرة”، في خطوة تتجاوز حدود التوسع الاستيطاني التقليدي إلى مشروع سياسي – ديني متكامل يقوم على الضم الكامل للأرض الفلسطينية وإنهاء أي وجود فلسطيني مستقل. ويستند هذا المشروع إلى فكر ديني متطرف تغذيه حركات مثل “أمناء جبل الهيكل” التي ترفع شعار السيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، و”شبيبة التلال” التي تقود اعتداءات دموية ضد القرى الفلسطينية، و”الاستيطان الرعوي” الذي يستخدم قطعان الماشية ذريعة للاستيلاء على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الفلسطينية.

هذا المشروع لا يقتصر على بناء مستوطنات جديدة أو توسيع القائم منها، بل يشمل ممارسة سياسة عدوانية ممنهجة تقوم على التضييق اليومي على القرى والبلدات الفلسطينية من خلال الحواجز والبوابات الحديدية والمداهمات، وشن اعتداءات متكررة على المزارعين وقطع الأشجار ومصادرة المياه، إلى جانب عمليات القتل التي باتت مشهدًا متكررًا بحماية مباشرة من جيش الاحتلال. الأخطر أن المستوطنين لا يخفون نيتهم حشر الفلسطينيين في كانتونات معزولة خلف الجدران والأسلاك، وتحويلهم إلى قوة عمل هامشية تخدم المشروع الاستيطاني.

كما يعمل المستوطنون على وضع اليد على الآثار الفلسطينية وتزويرها ضمن رواية توراتية مختلقة لتثبيت أحقية مزعومة بالأرض، في إطار حرب هوية وتاريخ لا تقل خطورة عن سرقة الأرض نفسها. هذه السياسة الممنهجة المدعومة من الحكومة اليمينية المتطرفة، تترافق مع حملات تحريض ديني تصف الفلسطينيين بـ “الأغيار” و”الغزاة”، ما يعمّق الصراع ويحوله إلى حرب دينية تهدد الأمن والسلم الإقليمي.

إن ما يجري اليوم في الضفة الغربية ليس حوادث متفرقة، بل خطة متكاملة للضم التدريجي والسيطرة الكاملة، بما يقوض فرص حل الدولتين ويدفع المنطقة نحو انفجار واسع. مشروع “دولة المستوطنين” إذا تُرك دون مواجهة، سيجعل من الضفة الغربية ساحة حرب دائمة، ويهدد الوجود الفلسطيني على أرضه، ويقوّض أي إمكانية لتحقيق سلام عادل، ويفتح الباب أمام تصعيد إقليمي يهدد استقرار الأردن ومصر ولبنان، ويضع الأمن الدولي برمته على المحك.

إن مسؤولية المجتمع الدولي والفلسطينيين اليوم مضاعفة في مواجهة هذه السياسات، عبر تفعيل الأدوات القانونية والضغط السياسي، وفضح الانتهاكات اليومية من قتل وتضييق وتهجير وسرقة آثار وأراضٍ، والعمل على كبح جماح الفكر الديني المتطرف الذي يحوّل الاستيطان إلى مشروع دولة عنصرية تقوم على الإقصاء والطرد. فالمسألة لم تعد مجرد توسع استيطاني، بل خطر وجودي يهدد الأرض والإنسان الفلسطيني ويهدد السلام والسلم الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب