ثقافة وفنون
ديك الجن الحمصي

ديك الجن الحمصي
بقلم مصطفى معروفي
ـــــــــــــ
ديك الجن الحمصي واسمه عبد السلام بن رغبان هو شاعر عربي عباسي، ولد سنة161 هـ في مدينة حمص، وتوفي في العام 236 هـ.ولقب ب”ديك الجن”نظرا لأن عينيه كانتا خضراوين،وهناك رواية تقول بأنه لقب بديك الجن على اسم دويبة صغيرة تعيش في البساتين،لقب بها لأنه كثير الترداد على بساتين حمص والعيش فيها،وهناك أيضا رواية أخرى عن لقبه تروى عن جيرانه. وينسب الشاعر إلى حمص كما ينسب إلى (سلمية)وهي إلى الشمال من حمص وتبعد عنها بحوالي 50 كلم.وينسب المؤرخون الشاعر إلى الأصل الفارسي ،إذ أن جده تميم كان أول من أسلم من أسلافه،كما ينسب كذلك إلى الروم ،وهو القائل في ذلك:
إني امرئ بــازلٌ،في ذروتي شرفٌ
لــقيصرٍَ ولــكسرى محتدي وأبي
وبما أن شهرة ديك الجن وصلت حتى إلى بغداد ،فهناك أبيات كان يرددها المثقفون والشعراء في بغداد لديك الجن وهي:
بــها غَــيْرَ مَــعْدُولٍ فَــداوِ خُمارَها
وصِــلْ بــعشيّاتِ الغَبوقِ ابتكارها
ونَــلْ من عظيمِ الوزر كلَّ عظيمةٍ
إذا ذُكِــرَتْ خــافَ الحفيظانِ نارَها
وَقُمْ أَنْتَ فاحْثُثْ كأْسَها غَيْرَ صاغِرٍ
ولا تــسقِ غــلاّ خــمرَها وعُقارَها
فــقــامَ تــكادُ الــكأسُ تــحرقُ كــفهُ
تَــنــاوَلها مـــن خَـــدِّهِ فــأْدارهــا
ظَــلِــلْنا بــأَيْــدينا نُــتَــعْتِعُ روُحَــها
وتــأَخُذُ مــن أَقْــدامِنا الــرَّاحُ ثارَها
والشاعر ديك الجن كان يحب التجديد في الشعر ويصف التمدن والحياة الحاضرة كما ظهرت في العصر العباسي،على ما فعل أبو نواس في شعره ،يقول ديك الجن:
قــالوا الــسّلامُ عليكِ يا أَطْلالُ
قُلْتُ السّلامُ على المُحِيلِ مُحَالُ
عــاج الشقيُّ مُرادُهُ دِمَنُ البِلَى
ومُــرادُ عــيني قُــلّةٌ وحِــجالُ
لأُغــادِيَنَّ الــرَّاحَ وهــيَ زُلالُ
وَلأَطْــرُقَنَّ الــبَيْتَ فــيهِ غَزَالُ
وَلأَتــرُكَــنَّ حَــلِــيلَها وبــقــلبِهِ
حُــرَقٌ وحَــشْوُ فْــؤَادِهِ بَــلْبالُ
إلى آخر الأبيات.
ومن الشعراء الذين التقى بهم ديك الجن عدا أبي نواس الشاعر دعبل الخزاعي وكان يخشاه ديك الجن مخافة أن يتعرض لقوارصه وهجائه،ودعبل هذا هو القائل:
ما أَكثَرَ الناسَ لا بَــــل ما أَقَلَّهُمُ
الــلَهُ يَــعلَمُ أَنّــي لَــم أَقُل فَنَدا
إِنّي لَأَفتَحُ عَيني حينَ أَفتَحُها
عَلى كَثيرٍ وَلَكِن لا أَرى أَحَـــدا
كما التقى دين الجن بالشاعر الكبير أبي تمام صاحب الشعر الرائع،ومنه قصيدته الشهيرة في فتح عمورية والتي مطلعها هو:
الــسَيفُ أَصــدَقُ أَنــبـــاءً مِــنَ الــكُتُبِ
فــي حَــدِّهِ الــحَدُّ بَــينَ الــجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِــفِ في
مُــتــونِهِــنَّ جَـــلاءُ الــشَكِّ وَالــرِيَبِ
إلى آخر القصيدة.
وتشاء الأقدار أن يموت أبو تمام قبل ديك الجن،فرثاه هذا الأخير بعاطفة طيبة ولوعة حارقة قائلا:
فُــجِعَ القَريضُ بخاتمِ الشُّعراءِ
وغَديرِ رَوْضَتِها حَبيبِ الطّائي
مــاتا مــعاً فَــتَجاورا في حُفْرَةٍ
وكَــذاكَ كــانا قَبْلُ في الأَحْياءِ
وديك الجن كان متعصبا لآل البيت من الطالبيين وينافح عنهم معتبرا إياهم أنهم أحق بالخلافة من غيرهم،كما قال في رثاء أحمد بن علي الهاشمي وهو يعزي أخاه جعفر فيه:
أنــت أبــا الــعبّاس عبّاسها
إذا استطار الحدَث المعضِلُ
و أنـــت يــنــبوع أفــانينها
إذا هــمو فــي ســنةٍ أمــحلوا
و أنــت عــلّام غيوب النّثا
يــوما إذا نَــسأل أو نُــسألُ
والشاعر كان ماجنا متهاونا بالذنوب،وقد ذكر ذلك في شعره ومن أراد فليرجع إلى ديوانه الذي حققه الأستاذان محيي الدين الدرويش وعبد المعين الملوحي بمراجعة الأستاذ أحمد الجندي.
ونحن نتحدث عن ديك الجن لا بد أن أن نشير إلى أنه اتهم بقتل صاحبته (ورد) وغلامه (بكر) ،وصنع من رمادهما كوزين يشرب فيهما الشراب.قال في ورد:
وَدَّعْتُها ولَهِيبُ الشّوْقِ في كَبِدي
والبَيْنُ يُبْعِدُ بينَ الرُّوحِ والجسَدِ
وَدَاعَ صَــبّيْنِ لَمْ يُمْكِنْ وَدَاعهما
إِلاَّ بــلَحْظَةِ عَــيْنٍ أَوْ بَــنانِ يَــدِ
وَدَّعْــتُها لِــفِراقٍ فاشْتَكَتْ كَبِدِي
إِذْ شَــبّكَتْ يَدَها مِنْ لَوْعَةٍ بِيَدِي
وفي غلامه بكر يقول:
دَعِ الْبَدْرَ فَلْيَغْرُبُ فأنتَ لَنَا بَدْرُ
إذا ما تَجَلّى مِنْ مَحاسِنِكَ الفَجْرُ
إن ديك الجن دلسوا على تاريخه لتشويه التاريخ العربي ،فصنعوا منه شاعرا ربما هو غير الشاعر الحقيقي الذي نعرفه من خلال شعره،وأما شعره فليس هو بالشعر عالي الجودة ولا هو بالشعر السخيف المرذول الذي يبلغ درجة الإسفاف،وأجود ما في شعره هذه الأبيات القليلة التي قالها في جاريته ورد وفي غلامه بكر ،أو التي مدح فيها صديقيه أحمد وجعفر ابني الهاشمي في قرية (سلمية) وهي في الشمال الشرقي من حمص.
بقي أن نقول أن ديك الجن عرف عنه بأنه كان (خِمِّيرا سكّيرا).
والله غالب على أمره وهو المستعان.