مقالات

بذرة و جذرة لا تزول

بذرة و جذرة لا تزول

قرار مسعود

         مهما تكلمت الأحداث التاريخية،  فهي لا تستطيع معالجة الجروح و لا وصفها في صورتها الحقيقية و لا إعطاء المشهد حقه كما وقع فعلا. إن في الجزائر بذرة و جذرة لا تزول و لا تمحى من ذاكرة التاريخ  فما حدث في هذا البلد من بداية 1840، هي صورة لا يستطيع العقل البشري تقبلها. فأن تقتلني و تأخذ كل ما أملك بالقوة مني، هذا مقبول نوعا ما و مشروع في مصطلح الهيمنة.  و لكن ما لا يهضمه الواقع أن تحولني و تنزعني من أهلي و أرضي و من مسقط رأسي إلى آلاف الكيلومترات في أرض و بيئة خالية لا أعرفها، لا من اللغة ولا من نمط المعيشة ولا من العقيدة و تجعلني محتوم علي أن أقبر فيها حين أموت، بعيدة عن أصلي و مسقط رأسي. لو يطلب مني الاختيار حينها فسأختار الموت في أرضي و توفير مصاريف النقل المكلفة لجلادي.

         من أصعب ما يكون على الإنسان في حياته أن  تنزعه من جذوره تماما على ما قضاه من حياته في المكان الذي ولد فيه  و ترعرع فيه مدة طويلة. ما كان يحدث في تلك الحقبة في الجزائر من طرف المستدمر، من نقل الآلاف المؤلفة من البشر و العائلات المتشددة و الرافضة لوجوده من أرضها إلى ما يقارب أكثر من 27000 كيلومتر في جزيرة خالية آنذاك (كاليدونية الجديدة) على متن البواخر،  لهؤلاء الذين تم نزعهم و نفيهم نهائيا بدون رجوع لحد الآن أضر كثيرا في النفوس و بقيت بصمة أمام ذويهم الذين ماتوا في صمت بعد ستة أشهر من السفر و دفنوا بعيدين عن وكرهم الأصلي. هذا ما يصعب على العقل البشري هضمه و من مَنْ تعصب من بني شقران و صعد للجبال في ضواحي مدينة معسكر أُخِذَ رجالهم إلى سجن الكايان في جزيرة الغويانة في أمريكا اللاتينية ليموتوا جوعا أو يأكلهم الحوت بعد غرقهم إذا أرادوا الفرار. كم أنتِ غريبة يا جزائر و كم أنتِ عجيبة بأحداثكِ ماضيا و حاضرا.

إنّ الجزائر في أحوالها عجب         ولا يدوم بها للناس مكروه

ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع      إلا ويُسر من الرحمن يتلوه

 يقول عبد الرحمن الثعالبي الرجل الصالح. 

 

         من خلال إصلاح الذاكرة، هناك رجال أرادوا أن يبلغوا رسالة الوقائع  و يوضحوا كل لبس،  منهم السعيد علمي هذا الإعلامي  و المخرج السينمائي الجزائري و الصحافي الحقيقي أو بمفهومنا هو صاحب أمن الرسالة الإخبارية   يقول: “علينا أن نجلس أمام آلام الأخرين بأدب” واصفا الإعلامي الجدير و خاصة في البرامج  الاجتماعية  هو العين الثالثة التي ترا ما لا يراه الآخرون  و تعطي للوقت وقته. فالبحث في أعماق الجروح الأليمة يحتم ذكر مَنْ سبقونا حديثا إبان الثورة التحرير، فمنهم مَنْ يستجيب له الدعاء و منهم مَنْ توجه الى غرب الوطن إبان إندلاع شرارة ليلة أول نوفمبر 1954 كمسؤول المنطقة بمسدس و رصاصة واحدة وهو مِنْ بين الخمسة الذين كتب لهم القدر تحررنا من عبودية المستدمر بمقولته “أرموا الثورة للشعب يحتضنها “و منهم مَنْ بدل إسمه مرارا من أجل الوطن حتى سمي الطيب الوطني.  هذه الثمار التي نراها و نعيشها في البلاد اليوم من تلك الأصول، من الذين منذ وضع المستدمر قدمه يوم خميس جويلية  1830 لم يهدأ له بال من خلال المقاومة الباسلة حتى أعلن عن إستقلال الوطن. هناك جروح أليمة في المجتمعات و الأمم أصبحتْ مرجع تذكر في كل مناسبة من أجل ايقاظ القلوب التي نامت في المجتمع.

         إن ما يقوم به  الإنسان القوي المستعمر المدمر الفاسد في الأرض التي منحها الخالق  لكل عباده،  من أجل المادة و التمتع على حساب نظيره الضعيف، لا يتخيله العقل الذي منحه الله له و في الأخير سيجد نفسه لا يستطيع أن يمد في عمره و لو لحظة حتى يتمتع و يُضطَرُ أن يسلم ما يريد فعله ببشاعة لغيره الذي رباه على حب المادة مثله و إبادة الإنسانية و لا يدري أو يتناسى ولا يفهم أن محاربة الطبيعة و الإنسان الذي خلق مثله أن عاقبتها وخيمة و إذا ثار أحدهما يوما لا يستطيع ردهما أو مقاومتهما مهما كانت القدرة التي وظفتها  لحمايته و المعدة  لمحاربة القدر إذا حل و ينتهي كأن لم يكن، و ينسى و يتناسى من جديد و يجد المبررات و أوجه النظر المتعددة التي تصب في خانة الشهوات و حب الإطلاع بالسيطرة على الضعيف و نهب خيراته بدون مبرر مقبول و مصطنع لإستلاء عليه.

.

           فليعتبر مَنْ يريد الحقيقة و خاصة النشئ من أبناء الجلدة و من مَنْ يريد صون الوديعة و أيضا من الذين يصرون على تقديم الرسالة الإعلامية كما هي من المؤرخين و الدعاة و أهل الضميرالخالي من الشبهات و التدليس في داخل الوطن و خارجه و أن يبادروا قبل أن يفوت الآوان.         

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب