ثقافة وفنون

تميم بن المعز /مصطفى معروفي

تميم بن المعز
مصطفى معروفي
ـــــــــــــــ
أمــا والذي لا يملِك الأمرَ غيره
ومــن هــو بــالسر الــمكتّم أعلمُ
لئِن كان كِتمان المصائبِ مؤلمِاً
لإعــلانُــها عِــنــدي أشــدّ وآلــم
صبرت عن الشكوى حياء وعفّة
وهــل يــشتكى لدغَ الأراقم أرقم
وبــي كــلّ ما يبكي العيون أقلّه
وإن كــنــت مــنه دائــماً أتــبسم
تميم بن المعز
شاعرنا تميم عاش حياتين ،عاش حياته الأولى مظلوما مغموطا حقه فيها ،وعاش الحياة الثانية متربعا على عرش الأدب ،فقد حرٍم من الخلافة بعد أن حرمه أبوه منها وأعطاها لأخيه،ربما لأنه رأى فيه أنه لا يصلح للحكم نظرا لسيرته وأسلوب عيشه،لكن وفر له كل الأسباب ليعيش الحياة التي يرتضيها ويراها مناسبة لشخصه.
ولد الشاعر بالمهدية في سنة 337 هجرية عهد جده المنصور الفاطمي حاكم إفريقة(تونس)،وقضى شبابه بين المهدية والمنصورة قرب مدينة القيروان بتونس،وانتقل إلى مصر مع أبيه بعد أن فتحها جوهر الصقلي وأسس القاهرة وتحول إليها الخليفة المعز لدين الله .
وتوفي شاعرنا في مصر سنة 374 هجرية.ودفن بجوار أبيه المعز .
والمطلع على قصائد ديوان تميم لابد له أن يلاحظ مدى حبه لوالده رغم حرمانه له من تولية الخلافة من بعده،كما يلاحظ في هذه القصائد صفاء نواياه،يقول تميم متوجها بالخطاب إلى أبيه:
قـــل لــلإمام مــعزّ ديــن مــحمدٍ
بــالــسَمْهريَّة والــحــسام الــباتر
إن كان قد عظُمتْ ذنوبي وانتهت
بــي فوق مِقدار الذنوب جرائري
فــأقلُّ مــا تــحويه عــفوك واسِع
ســعةً يــحيط صــغيرها بكبائري
وكان الشاعر تميم في أهل البيت من العبيديين شاعرا غير مدَافع،وهو فيهم أشبه مكانة بمكانة ابن المعتز عند العباسيين،وقد حامت الشبهات حوله في شعره ،فالبعض ذهب إلى أنه متاثر بأبي نواس وخاصة في خمرياته وربما هو متأثر بابن الرومي في وصف الثمار وأنه يجاري ابن المعتز في غرض من الأغراض،مع أن ديوانه يشهد بأن الرجل نسيج وحده ،وأن عبارته سهلة فخمة متينة في آن واحد،وهو كما يقول عنه بن الأبّار(مات ابن الأبّار مقتولا سنة 658هجرية قتلة شنعاء):
(كان كابن المعتز غزارةَعلم ومكانةَ أدب وحُسنَ تشبيه وإبداعَ تخييل،وكان يقتفي آثاره ويصوغ على مناحيه في شعره أشعاره) انتهى كلام ابن الأبّار.
وللإشارة فقط فابن الأبّار هذا هو الذي خاطب سلطان تونس أبا زكرياء الحفصي يطلب نجدته في استنقاذ بلنسية من أيدي الفرنجةبقصيدة يقول فيها:
أَدْرِكْ بِــخَــيْلِكَ خَــيْــلِ الــلَّــهِ أنــدلُــسَاً
إنَّ الــسَّــبِيلَ إلَـــى مَــنْــجاتِــها دَرَسَــا
وَهَبْ لــــهَا مِنْ عَزيزِ النَّصْرِ مَا الْتَمَسَتْ
فَــلَمْ يَــزَلْ مِــنْكَ عــزُّ النَّـــصْر مُلْتَمَسا
ولتميم غزل رقيق يحس القارئ حين يقرأه بصدق عاطفته يقول:
إنــي أحــبُّك حــبَّ مجتهد
بــلغ النهاية وهــو لا يدري
لا حــبَّ مــضطـر يــكابِده
طلبُ الجزاءِ عليه والأجرِ
وكان تميم يفخر بنفسه ويعلي من قدرها شأن أي شاعر يشعر أنه أهل للافتخار بنفسه:
ومــــا خــذَلْــتْني هــمّــتي فــألــومها
وما ضاق بي مذ كنتُ في محفِلٍ عِلمي
وأنَــفذُ مــن رمــح الــشّجاع ســياستي
وأبــصَرُ مــن عين البصيرِ ضِيا فهمي
فــلِــمْ أخــتفي تــحت الــتراب مــضيَّعاً
وقــد نــوّهت في الخافِقين العُلا باسمي؟
ومــا لــيَ أخــطو في الحضيض تخلُّــــفاً
وقــد عُــقِدتْ كــفّــــي عــلى كاهِل النجم
ويقول في مكان آخر من الديوان :
فــاشربْ فــقد لَؤُمَ الزمانُ وقُطِّعَتْ
عُــقَدُ الــوفاءِ بــه وقــلّ الــمنصفُ
ولــقد نــهضتُ بــعزمةٍ مــا تَــنثَني
عــمّــا أريــد وفَــتْكةٍ مــا تَــضْعفُ
فإذا الخطوبُ إذا مضت لا تَرْعَوي
وإذا قَــضَــتْ بــقَــضِيةٍ لا تُــخلفُ
وقبل الختام لا بد أن نذكر بعض الشعراء المعاصرين لتميم وهم:
ابن المعتز ،وابن هانئ وأبو فراس والشريف الرضي ومهيار الديلمي والمعري وابن زيدون.
رحم الله الشاعر تميم فقد عاش الحياة بحلوها ومرها،وعاش شاعرا بغير زيف ولا ادعاء.
ونسأل الله السداد وحسن التدبير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب