عربي دولي

إسبانيا تعاقب إسرائيل: أوقفوا الإبادة في غزة

إسبانيا تعاقب إسرائيل: أوقفوا الإبادة في غزة

تقود مدريد تياراً أوروبياً لتحويل الضغوط على إسرائيل إلى إجراءات عقابية.

سعيد محمد

لندن | وصلت العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل إلى أدنى مستوياتها التاريخية على الإطلاق هذا الأسبوع، في تصعيد دراماتيكي أشعل فتيل أزمة ديبلوماسية غير مسبوقة بين الجانبين. وفي خطوة متقدّمة، أعلنت حكومة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عن حزمة من تسع إجراءات عقابية صارمة ضدّ تل أبيب، واصفةً الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، بأنها «مذبحة جماعية» و»إبادة لشعب أعزل». وأثارت هذه الإجراءات، التي شملت حظراً على الأسلحة وإغلاق الموانئ والمجال الجوي أمام الإمدادات العسكرية المتّجهة إلى إسرائيل، ردّ فعل غاضباً وفورياً من جانب تل أبيب، أعقبته سلسلة من الاتهامات والإجراءات الانتقامية.

وفي خطاب متلفز الإثنين الماضي، لم يدّخر سانشيز الكلمات في توجيه انتقادات لاذعة إلى الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي خاطبه بالقول: «حماية بلدك ومجتمعك شيء، وقصف المستشفيات وتجويع الأطفال الأبرياء حتى الموت شيء آخر تماماً». وأضاف أن ما بدأ كردّ فعل على هجوم السابع من أكتوبر 2023، «تحوّل إلى موجة جديدة من الاحتلال غير القانوني وهجوم غير مبرّر ضد السكان المدنيين الفلسطينيين».

واستشهد سانشيز بأرقام تشير إلى مقتل أكثر من 63 ألف فلسطيني، وإصابة 159 ألفاً، وتشريد ما يقرب من مليوني شخص، نصفهم من الأطفال، ليخلص إلى أن هذا «ليس دفاعاً عن النفس، بل هو إبادة لشعب أعزل. إنه خرق لجميع قواعد القانون الإنساني».
وتفصيلاً، شملت الإجراءات الإسبانية تحويل الحظر الفعلي المفروض على مبيعات الأسلحة لإسرائيل منذ أكتوبر 2023، إلى مرسوم ملكي يجعله «حظراً قانونياً ودائماً».

كما تضمّنت منع السفن التي تحمل وقوداً للجيش الإسرائيلي من الرسو في الموانئ الإسبانية، وحظر استخدام الطائرات الحكومية التي تنقل مواد دفاعية لإسرائيل للمجال الجوي الإسباني، بالإضافة إلى منع دخول «جميع الأشخاص المتورّطين بشكل مباشر في الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في غزة» إلى الأراضي الإسبانية.

وفي ما يتعلّق بالضفة الغربية، قرّرت الحكومة الإسبانية فرض حظر على استيراد البضائع من المستوطنات غير الشرعية، وتخفيض الخدمات القنصلية لمواطنيها المقيمين هناك إلى الحدّ الأدنى. وفي المقابل، أعلنت مدريد عن مشاريع تعاون جديدة مع السلطة الفلسطينية في مجالات الزراعة والأمن الغذائي والدعم الطبي وزيادة مساعداتها الإنسانية لتصل إلى 150 مليون يورو بحلول عام 2026، بالإضافة إلى 10 ملايين يورو إضافية لـ»وكالة غوث وتشغيل اللاجئين».

تجد تل أبيب نفسها في مواجهة جبهة ديبلوماسية متزايدة الصرامة

على أن الردّ الإسرائيلي جاء سريعاً وحاداً، إذ اتّهم وزير خارجية الاحتلال، جدعون ساعر، حكومة سانشيز بـ»قيادة خطّ عدائي ومناهض لإسرائيل، يتّسم بخطاب جامح ومليء بالكراهية»، وبشنّ «حملة معادية للسامية» لصرف الانتباه عن قضايا داخلية.
ولم تكتفِ إسرائيل بالتصريحات، بل أعلنت عن إجراءات انتقامية فورية، ففرضت حظراً على دخول وزيرتَين بارزتَين في الحكومة الإسبانية، هما نائبة رئيس الوزراء يولاندا دياز، ووزيرة الشباب والطفولة سيرا ريغو، المعروفتان بمواقفهما المنتقدة بشدّة لإسرائيل. ووصل الأمر بمكتب نتنياهو إلى اتهام سانشيز بإطلاق «تهديدات إبادة جماعية»، على خلفية تصريح للأخير قال فيه إن «إسبانيا، كما تعلمون، لا تمتلك قنابل نووية أو حاملات طائرات أو احتياطيات نفطية كبيرة.

لا يمكننا وحدنا وقف الهجوم الإسرائيلي. لكن هذا لا يعني أنّنا لن نتوقف عن المحاولة». ودفعت هذه التطوّرات وزارة الخارجية الإسبانية إلى استدعاء سفيرتها في تل أبيب «للتشاور»، فيما رفضت مدريد الاتهامات الإسرائيلية، ووصفتها بأنها «كذب وافتراء»، مؤكدة أنها «لن تخضع للترهيب في دفاعها عن السلام والقانون الدولي وحقوق الإنسان».

وألقت الأزمة بظلالها أيضاً على التعاون الاستراتيجي بين إسبانيا والولايات المتحدة؛ إذ تحوّل الانتباه إلى القواعد العسكرية الأميركية في روتا ومورون جنوب إسبانيا، والتي تُستخدم كمراكز عبور لوجستية حيوية للقوات والأسلحة الأميركية المتّجهة إلى الكيان. وبموجب اتفاقية التعاون العسكري لعام 1988، تُلزم واشنطن بالحصول على إذن من مدريد لنقل «الذخائر والمتفجرات» إلى دول ثالثة. لكن الاتفاقية تحتوي على ثغرة قانونية، متصلة بتنازل إسبانيا عن حقّها في معرفة وجهة الشحنات وتفتيش البضائع التي تحملها. ويعني هذا أنه من المرجّح أن يستمرّ تدفُّق المعدّات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل عبر هذه القواعد ما لم تقم إسبانيا بتعديل الاتفاقية، وهي خطوة يعتبرها المراقبون مستبعدة حالياً.

كما امتدت التوتّرات إلى الساحتَين الرياضية والثقافية؛ إذ دعت وزيرة الرياضة الإسبانية، بيلار أليجريا، إلى حظر الفرق الإسرائيلية من المنافسات الرياضية، مشيرة إلى «المعايير المزدوجة» مقارنة بالإجراءات التي اتُخذت ضدّ روسيا. وشهد سباق «فويلتا» للدراجات الهوائية في إسبانيا أيضاً احتجاجات شعبية واسعة ضدّ مشاركة فريق «إسرائيل – بريمير تك»، فيما أيّد وزير الثقافة الإسباني قرار جمهورية إيرلندا مقاطعة مسابقة «يوروفيجن» للأغاني العام المقبل، إذا شاركت فيها إسرائيل، وهو ما قرّرت هولندا بدوره تبنّيه.

على أيّ حال، ليست الإجراءات الإسبانية معزولة عن سياق أعرض ما لبث يتّسع من الضغط الأوروبي على إسرائيل، حيث أعلنت اسكتلندا تعليق التمويل العام الجديد لشركات الأسلحة التي تزوّد إسرائيل، بينما فرضت دول مثل سلوفينيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا قيوداً متفاوتة على صادرات الأسلحة، لتجد تل أبيب نفسها في مواجهة جبهة ديبلوماسية متزايدة الصرامة تحظى بتأييد شعبي واسع في غير ما بلد في القارة. على أن مدريد تبدو الأكثر إصراراً على تحويل تلك الضغوط إلى إجراءات عمليّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب