فلسطين… من منظمة تحرير إلى الدولة

فلسطين… من منظمة تحرير إلى الدولة
أشرف الهور
غزة – تتوج الجهود الدبلوماسية الفلسطينية، التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال موجة اعترافات جديدة من قبل دول غربية وازنة بالدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك في ظل جهود خطيرة جداً تبذلها كل من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والإدارة الأمريكية لتدمير حلم الفلسطينيين في تجسيد الدولة وجعلها واقعاً على الأرض.
تاريخياً، تعود أولى موجات الاعتراف بالكيان الفلسطيني إلى 28 أيار/مايو 1964، حين عقد أول اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في مدينة القدس، قبل احتلالها بثلاثة أعوام، حيث أعلن المجلس إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، لتبدأ، مع انتخاب أول لجنة تنفيذية برئاسة الراحل أحمد الشقيري، موجة الاعترافات العربية بالمنظمة وبحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
توالت بعد ذلك الاعترافات بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، حتى جاء عام 1974، حين اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير بصفة “مراقب غير عضو”، لتبدأ موجة جديدة من الاعترافات بالمنظمة وبحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة. وقد منح ذلك القرار المنظمة حق المشاركة في النقاشات وتقديم الاقتراحات للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن دون حق التصويت على القرارات.
وجاء ذلك بعد أن أقرت منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مجلسها الوطني برنامجا مرحليا عرف بالنقاط العشر، يدعو إلى إنشاء سلطة وطنية على أي قطعة محررة من أرض فلسطين، والعمل الفاعل لإنشاء دولة علمانية ديمقراطية ثنائية القومية في فلسطين يتمتع فيها كل المواطنين بالمساواة والحقوق بغض النظر عن العرق، الجنس أو الدين.
فتح هذا القرار المجال أمام منظمة التحرير الفلسطينية للحصول على اعترافات واسعة من دول الكتلة الشرقية في أوروبا، وافتتحت مكاتب تمثيل لها في عدة عواصم، بدءاً من مكتبها الأول في برلين الشرقية عام 1973، إضافة إلى اعترافات من دول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الوقت ذاته، جاء الدعم الكبير من الصين والاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، التي لم تكتفِ بالاعتراف السياسي، بل قدمت دعماً عسكرياً مباشراً للمنظمة، خاصة خلال فترة وجودها في لبنان قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
وعاشت القضية الفلسطينية واحدة من أسوأ مراحلها بعد خروج قوات منظمة التحرير من لبنان وانتقالها إلى تونس، حيث تراجعت مكانة العمل الفدائي المسلح كأساس للتحرير. وخلال تلك المرحلة، عملت إسرائيل بالشراكة مع الولايات المتحدة على محاولة إنهاء الملف الفلسطيني، إلى أن اندلعت “انتفاضة الحجارة” في أواخر عام 1987، التي سرعان ما انتشرت في مختلف المناطق الفلسطينية وأعادت إشعال جذوة المقاومة.
إعلان الاستقلال و”دولة فلسطين”
استثمرت قيادة منظمة التحرير برئاسة الراحل ياسر عرفات هذا الزخم الشعبي والتعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني، فأعلن خلال اجتماع المجلس الوطني في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 1988 “وثيقة الاستقلال”، وأعلن قيام “دولة فلسطين” على الأراضي المحتلة عام 1967، متماشياً مع قرارات الشرعية الدولية، متخلياً عن المطالبة بدولة على كامل أرض فلسطين التاريخية.
وجاء في الوثيقة التي تلاها عرفات: “استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، وممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه، فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف”.
رافق الإعلان برنامج سياسي جديد تضمن الاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338 مع التأكيد على الحقوق الفلسطينية، وإدانة الإرهاب، ومنح المجلس الوطني صلاحية تشكيل حكومة في المنفى حين يرى ذلك مناسباً، على أن تضطلع اللجنة التنفيذية بمهام حكومة المنفى مؤقتاً.
وأعقب إعلان الاستقلال اعتراف دول عدة بالدولة الفلسطينية، لا سيما في إفريقيا وآسيا والدول الشيوعية وغير المنحازة. كما أصدرت جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بيانات دعم وتأييد، وأعلنت منظمة التحرير أن 94 دولة اعترفت بفلسطين فوراً.
لكن الولايات المتحدة رفضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل منعت عرفات من دخول نيويورك لإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة، ما دفع الأمم المتحدة آنذاك إلى نقل الاجتماع إلى جنيف، حيث انعقد في 14 كانون الأول/ديسمبر 1988، وصوّتت 150 دولة لصالح قرار يرحب بقرارات المجلس الوطني ويدعو لمشاركة منظمة التحرير في مؤتمر دولي للسلام. كما صدر قرار آخر بتغيير اسم الوفد المراقب من “منظمة التحرير” إلى “وفد فلسطين”. وفي تلك الفترة، أعلنت 84 دولة اعترافاً فورياً بالدولة الفلسطينية، تلتها 20 دولة أخرى باعتراف مشروط.
عضو مراقب في الأمم المتحدة
ظل وضع فلسطين في الأمم المتحدة بصفة “عضو مراقب” حتى يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حين ألقى الرئيس محمود عباس كلمة أمام الجمعية العامة شرح فيها معاناة الشعب الفلسطيني تحت أطول احتلال في العصر الحديث، وطلب التصويت لمنح فلسطين صفة “دولة مراقب”. وصوّتت الجمعية بأغلبية 138 دولة مقابل 9 دول معارضة، وامتناع 41 عن التصويت، ليتم اعتماد القرار 67/19 الذي رفع مكانة فلسطين، وأتاح لها الانضمام إلى منظمات أممية مثل “اليونسكو” و”محكمة الجنايات الدولية”.
لاحقاً، أعلنت عدة دول اعترافها الكامل بفلسطين على حدود 1967، فيما استمرت موجات الاعتراف تتوالى، وصولاً إلى أيار/مايو من العام الماضي حين اعترفت ثلاث دول أوروبية وازنة هي إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين، ورفعت مستوى تمثيلها الدبلوماسي من بعثة إلى سفارة.
اليوم، تعترف بفلسطين 150 بلداً من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، أي ما يزيد عن 78% من الأعضاء. ومع تصاعد النقاشات في الجمعية العامة الحالية، يُتوقع أن تنضم دول أوروبية كبرى مثل فرنسا إلى موجة الاعترافات. وفي حال تم ذلك، فإن أربع دول من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ستكون قد اعترفت بدولة فلسطين، لتبقى الولايات المتحدة وحدها ترفض الاعتراف وتستخدم حق النقض (الفيتو) لإحباط أي قرار يرفع مكانة فلسطين إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وهو ما حدث مراراً لإفشال مشاريع قرارات تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
“القدس العربي”: