مقالات

من تشرين الانتفاضة اللبناني ٢٠١٩ ، إلى تشرين الطوفان الفلسطيني ٢٠٢٣ : خواطرُّ على هامش واقعٍ متفجّر ! بقلم نبيل الزعبي -طليعةلبنان –

بقلم نبيل الزعبي -طليعةلبنان -

من تشرين الانتفاضة اللبناني ٢٠١٩ ، إلى تشرين الطوفان الفلسطيني ٢٠٢٣ :
خواطرُّ على هامش واقعٍ متفجّر !
بقلم نبيل الزعبي -طليعةلبنان –
في شهر أيار من العام ١٩٧٣ ، واجهتنا اثنتان من التحديات الكبرى ، احداهما مطلبية معيشية ، والاخرى وطنية قومية ،
الاولى ، عندما اقدم اصحاب الافران على رفع سعر الكيلوغرام من رغيف الخبز الى اربعين قرشاً ، اي بزيادة خمسة قروش فقط على السعر الرسمي المحدد بخمسة وثلاثين ،
والثانية ، عندما امتدت ايدي السلطة اللبنانية على حرية العمل الفدائي في لبنان بغية تكبيله والحد من مواجهته للعدو الصهيوني من على ارض الجنوب اللبناني .
في الاولى ،قررنا في اللجان الشعبية المنبثقة عن ارادة الشباب البعثيين واطراف شعبية
وعمالية في طرابلس ، مواجهة القرار بمباركة نائب طرابلس المنتخب حديثاً الدكتور عبدالمجيد الرافعي ، وبالتعاون مع اصحاب افران اعتبروا ان وراء قرار الزيادة ، بعض التجار الجشعين ووضعوا افرانهم بتصرّفنا على مدى اربعة ايام متتالية نخبز ونبيع الرغيف بسعره الاساسي , ما اجبر التجار على التراجع .
حينذاك كان النضال المطلبي في أَوجِهِ وكانت شعاراتنا مميّزة عن القائلين :
بدنا ناكل جوعانين
بدنا قمح بدنا طحين ،
لنطور الشعار هاتفين :
بدنا ناكل جوعانين مش رح نقول ،
نشحد منكم لقمتنا ، شرحاً يطول ،
بدنا ناكل بالقوة من هالدولة ،
ونوزع عالشعب الكادح القمح المخزون ،
وفي الثانية ، تآلفت الحركة الوطنية اللبنانية في موقف تضامني تاريخي موحد مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الفتية وتحصينها وعدم تكرار تجربة ما تعرضت له في ايلول الاسود بعمان عام ١٩٧٠ ، وكان لافتاً شعار الموقف آنذاك :
ايار خبِّر ايلول
الليل عنَّا ما يطول
فدائيي حاملين سلاح نرمي سلاحنا مش معقول .
تلك كانت عيّنات مما واجهته الحركة المطلبية اللبنانية وقواها الوطنية التي لم تترك قضيةً معيشية ، اجتماعية او وطنية ، الا وكانت الطليعة الكفؤة في تبنّيها لتشمل الاراضي اللبنانية من النهر الكبير الجنوبي الى الناقورة مروراً بالبقاع والجبل والعاصمة لتشكل بعبورها المناطقي والطائفي ، الضمانة الوطنية وجسر العبور الاساسي لوحدة هذا البلد ونضاله الديمقراطي الاجتماعي الوطني .
خمسون عاماً مرَّت ، كبر فيها حلمنا ليتحول كابوساً ثقيلاً يجعلنا نحلم بالعودة الى الحلم القديم وخوفنا ان كل ما مرَّ علينا لم يكن سوى اضغاث احلام ونحن من عاش عمليات ذبح المواطن اللبناني معيشياً على ايدي سلطةٍ غاشمة أوصلت اللبنانيين إلى حافة جهنّم بعد اجهاض ما حققته انتفاضة تشرين في العام ٢٠١٩ من تحرُّك لبناني عارم غير مسبوق في تجاوزه لكل حواجز المناطق والطوائف والمذاهب وميليشيات الفساد والإفساد التي تولّت ركوب مآسي اللبنانيين ما بعد سنوات الحروب الداخلية الصغيرة التي بدأت في العام ١٩٧٥ واعتقدنا مع مؤتمر الطائف في العام ١٩٨٩ انها انتهت الى غير رجعة ولم نكن لنتخيّل ان من اتى بهم الطائف سيرمون الشعب اللبناني برمته في آتون حروبٍ اقتصادية اشد مرارةً من قتال السلاح واوقعونا في صراعات مذهبية مقيته اساءت الى الدين والطوائف مجتمعةً معاً .
يأتي ذلك ، بالتزامن مع ذبح القضية الفلسطينية على ايدي انظمة التطبيع والتفريط بالحقوق ، لتتحول الخيانة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وجهة نظر لدى انظمة التطبيع التي تخطَّت خياناتها بترسيخ مفاهيم ثقافية جديدة تضلّل فيها الناشئة من الاجيال الجديدة بهدف فك اي أرتباط قومي مصيري وتاريخي مع الكيان الصهيوني الغاصب وكأن صراع الامة معه لا يتعدى صراع “الاخوة”داخل البيت الواحد .
هل ان كل ما جرى كان مصادفةً ، أو ان قوانا وَهِنَت ، ام ان المواجهة قست الى الدرجة التي كشفت ضعفنا وجعلتنا على هوامش الاحداث بعد ان أُخرِجَت القاهرة من الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني ، وأُحتِلَّ العراق للقضاء على جمجمة العرب واحتياطها الامني والعسكري وحارس البوابة الشرقية للامة على مدى القرون العديدة من السنين وليتحالف الفارسي مع “الشيطان الأكبر” الاميركي وربيبه “الشر المطلق” الصهيوني على ارض العراق وتُترَك الامة منزوعة المناعة الوطنية والقومية وتُستباح اهم عواصمها وحواضرها التاريخية في بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وتلجأ الأخرى إلى اتفاقات “أبراهام” فتدفع من كرامتها الوطنية اضعاف اضعاف ما قدمته من سخاء مادي غير مسبوق لسيد البيت الأبيض الاميركي .
هل يعتقد احد ، ان بمقدور ايّ طرفٍ او كيان وتنظيم الاجابة منفرداً على ما تقدم والحال ما عاد يعني جهةً محددةً بقيمتها وهويتها السياسية ، الفكرية والعقائدية ، بقدر ما يعنينا جميعاً دون استثناء ، والمركب الذي يمخر فينا في اعماق المجهول ، ليس فيه زاويةً يحتمي فيها طرفُ ليحسب انه بمنأىً عن الاهوال التي يمكن ان تصيب الآخر ، والكل في حدقات الخطر الداهم سواء .
نحن ، ونقولها دون ان نستثني احداً ، لسنا على يابسة الامان ايها السادة ، لنستمر في تراشق التنافس بيننا حول من لديه القدرة اكثر من الآخر على تجميل الهيكل الكبير الذي يضمنا جميعاً والمسمى وطناً ، فيما اعمدة هذا الهيكل في تصدُّع وسقوفه تتزعزع وعلى وشك الانهيار ، وان لم نتدارك ما هو قادم من ايام ، فلا تعود الحسرات على الماضي لتنفع ، ولا ايضاً البكاء على الاطلال ، وسنبقى عالةً على انفسنا ، قبل ان نكون على العالم ، ان لم نكن على هامش الدول ونعيش على فُتات ما يفيض عنهم ويرمون به علينا بكل فوقية واذلال .
لنعاود معاً تقييم ما سبق من مراحل ، ولنحدد ما لدينا من امكانيات جماعية لمواجهة ما ينتظرنا من تحديات ، فلو تفكّرنا بما نمتلك من طاقات مكنونة ، لانتفضنا على انفسنا كي نشحذ ارادةً جماعيةً تعطلت بسبب ايثار الذات على المجموع ، وترك المجموع يتخبّط في صراع الذوات المتعددة ، فعَمِيَت علينا الطريق وتُهْنَا في سراديب انانياتنا وعتمتها التي لم نجنِ منها سوى العَفَن وروائح المستنقعات.
هي دعوتنا الصادقة نتوجه بها الى كل القوى الحية في هذه الامة ، منطلقين من لبنان البلد الذي لم يُعرَف عنه سوى عراقة حركاته السياسية والمجتمعية في فهم الديموقراطية وممارستها ، ولنتصارح بمأزومية الجميع بعد غياب كل مواقع الارتكاز الوطني القومي والاممي بتياراته الدينية واللادينية ، ولم يبق لنا غير كرامتنا التي تأبى على ارادتنا الانكسار والانحناء وقد خُلِقنا للصعاب وتذلّلت امامنا كل اشكال الموت ازاء الموت بكرامة ، فالشعب الذي يمتلك هذا الرصيد من العطاء ، يستحيل عليه التعايش مع واقعٍ مأزوم لن يقودنا سوى الى ذيل الامم ، وصار من واجبنا الوطني اليوم ان نجتمع ونحدّد :
اين كنا واين اصبحنا ، وهل العلّة فينا ، ام ان الحدث جاوز ارادتنا وطَحَنَ عزيمتنا وما العمل ، لنختم بالقول : أَنَّ وحده بصيص الامل يشع علينا من جديد ، في لبنان المهيّأ للخروج من غرفة الإنعاش ليعاود الحياة بمباركة ابنائه في الداخل والمهاجر ، وغزة بكل معاني البطولة التي تقدمها في سبيل فلسطين التي تجتمع اليوم دول العالم قاطبةً لدعم قضيتها كآخر ما تشهده البشرية من تمييز عنصري في هذه البقعة المقدّسة من المعمورة ،
فهل نتلمّس الضوء في سبيل الخروج من النفق بعد كل هذه التضحيات ،
هل نتجاوز ما سوف يمكن ان يُزَج بمن عقدنا عليهم الامل في لبنان في اية”دعسة ناقصة”غير محسوبة تطيح بمرتكزات الامل والعودة إلى الوراء ،
وهل تكون المبادرة المفخخة للرئيس الاميركي حول انهاء الحرب على غزة ، انهاءً لقضية شعبٍ ووطن سالت في سبيلها الأرواح والدماء الطاهرة منذ قرّر الغرب الاستعماري زرع هذا الكيان المسخ على ارض فلسطين ،
ام انها فرصة الامة لتقرر بعد كل ما يجري : ان تكون او لا تكون .
من تمييز عنصري في هذه البقعة المقدّسة من المعمورة ،
فهل نتلمّس الضوء في سبيل الخروج من النفق بعد كل هذه التضحيات ،
هل نتجاوز ما سوف يمكن ان يُزَج بمن عقدنا عليهم الامل في لبنان في اية”دعسة ناقصة”غير محسوبة تطيح بمرتكزات الامل والعودة إلى الوراء ،
وهل تكون المبادرة المفخخة للرئيس الاميركي حول انهاء الحرب على غزة ، انهاءً لقضية شعبٍ ووطن سالت في سبيلها الأرواح والدماء الطاهرة منذ قرّر الغرب الاستعماري زرع هذا الكيان المسخ على ارض فلسطين ،
ام انها فرصة الامة لتقرر بعد كل ما يجري : ان تكون او لا تكون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب