كتب
جرائم حزب الدعوة (الإسلامية)…حين كان الإرهاب يحكم العراق بالوكالة عن إيران

جرائم حزب الدعوة (الإسلامية)…حين كان الإرهاب يحكم العراق بالوكالة عن إيران
كي لا ننسى،
وحين يحاول البعض طمس الذاكرة الوطنية أو تبييض سجل الجماعات التي سفكت دماء العراقيين، لابد أن نعيد التذكير بالحقائق الموثقة.
فمنذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كان حزب الدعوة الإسلامية –الذي يتربع اليوم على رأس السلطة في العراق– أحد أبرز التنظيمات الإرهابية التي نفذت عمليات تفجير واغتيال ضد المدنيين والعسكريين العراقيين، خدمةً للمشروع الإيراني التوسعي، وتحت غطاء ديني مذهبي لم يجنِ منه العراقيون سوى الموت والخراب.
لقد تبنّى الحزب منذ تأسيسه نهجًا عنيفًا ضد الدولة العراقية، وارتبط ارتباطًا مباشرًا بالأجهزة الأمنية الإيرانية، خصوصًا الحرس الثوري، الذي وفر له المال والسلاح والتدريب.
ومع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980، تحول حزب الدعوة إلى ذراع إرهابية لإيران داخل العراق، ينفذ عمليات تفجير تستهدف الوزارات، والجامعات، والمستشفيات، والأسواق الشعبية، في وقت كان فيه الجيش العراقي يخوض معركة مصيرية على الحدود.
الجرائم الموثقة:
في نيسان 1980 نفذ المدعو ولي الدين القبانجي، شقيق رجل الدين صدر الدين القبانجي، عملية انتحارية بسيارة مفخخة استهدفت مبنى الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية وسط بغداد، وأدت إلى استشهاد وإصابة عشرات المدنيين، بينهم إعلاميون وصحفيون، ومنهم الملحن العراقي المعروف محمد عبد المحسن.
وفي الأول من نيسان 1980، فجّر الحزب سيارة مفخخة داخل الجامعة المستنصرية في بغداد، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الطلاب. وتبنى الحزب العملية رسميًا عبر أحد عناصره المدعو سمير مير غلام، وهو من التبعية الإيرانية، الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار بترحيل ذوي التبعية الإيرانية إلى موطنهم.
وخلال تشييع الضحايا، هاجم عناصر الحزب المشيعين وأطلقوا النار عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى إضافيين.
وفي 17 آب 1980، نفذ الحزب عملية تفجير أخرى استهدفت مديرية التجنيد في محافظة ميسان بسيارة مفخخة، وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والمصابين من المواطنين.
وتوالت بعد ذلك سلسلة من التفجيرات في مدن عدة مثل البصرة، ديالى، والكوت، استهدفت مؤسسات مدنية وأمنية على حد سواء.
أما في 1 آب 1982، فقد وقعت واحدة من أبشع العمليات الإرهابية في تاريخ العراق الحديث، حين فجّر انتحاري من الحزب يدعى أبو بلال البصري سيارة مفخخة داخل مبنى وزارة التخطيط العراقية ببغداد، ما أدى إلى مقتل أكثر من 120 شخصًا بين شهيد وجريح، بينهم خبير التصميم والتخطيط الحضري جمال الوائلي.
وكان من أبرز المشاركين في الإعداد لهذه العملية باقر صولاغ وعامر الحلو، وهما من القيادات المعروفة في الحزب.
وفي 2 تموز 1982، نفذ الحزب تفجيرًا آخر بسيارة مفخخة أمام سينما النصر في بغداد، وسقط إثره عدد كبير من الضحايا.
وفي أيلول 1983 استهدف الحزب مقر النقل في محافظة بابل بتفجير انتحاري، تسبب بمقتل عدد من الجنود العراقيين الذين كانوا في طريقهم إلى جبهات القتال مع إيران.
وفي آذار 1987، فجّر الحزب سيارة مفخخة قرب مستشفى ابن البيطار في منطقة الصالحية ببغداد، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين. وتشير تقارير أمنية عراقية آنذاك إلى تورط جواد المالكي (نوري المالكي) في التخطيط للعملية، وصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام.
وفي 12 أيار 1987، ألقى عناصر الحزب قنابل يدوية على نادٍ ترفيهي في شارع أبو نؤاس وسط بغداد، فقتل 11 مدنيًا وأصيب آخرون، وأعلن الحزب مسؤوليته المباشرة عن العملية.
ومع نهاية حرب الخليج الثانية في آذار 1991، نفذ حزب الدعوة سلسلة من عمليات الإعدام الميدانية بحق مئات الجنود والضباط العراقيين المنسحبين من الكويت في مناطق العشار وشط العرب والتنومة، وتم إلقاء جثثهم في مياه شط العرب. وتشير شهادات ميدانية إلى أن هادي العامري وعبد العزيز الحكيم وأبو مهدي المهندس كانوا من أبرز المسؤولين عن هذه الجرائم.
وفي حزيران 1994، فجر الحزب سيارة مفخخة في شارع السعدون قرب موقف حافلات للركاب، فقتل وأصاب عددًا من المدنيين، بينهم طلبة مدارس.
وفي عام 1996، نفذ الحزب بالتعاون مع فيلق بدر تفجيرًا مزدوجًا في محافظة ميسان، تلاه هجوم مسلح على مركز للشرطة، كما فُجر حقل نفطي في المنطقة نفسها مما ألحق خسائر اقتصادية جسيمة بالعراق.
وفي عام 1999، تبنى الحزب تفجير عبوتين ناسفتين قرب مقر الأمن العام في الناصرية، ما أدى إلى مقتل امرأة وجرح ثلاثة من الباعة الجائلين.
أما في آذار 2000، فقد فجر الحزب ملعب البلديات في بغداد أثناء مباراة لمنتخب الشباب، مما تسبب بسقوط ضحايا من العراقيين والفلسطينيين على حد سواء.
خلاصة وتوثيق:
تؤكد تقارير غربية (بريطانية، وأميركية، وفرنسية) أن مجمل العمليات الإرهابية التي نفذها حزب الدعوة خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 2002 أسفرت عن مقتل مئات المدنيين العراقيين وإصابة الآلاف، وأن الحزب تلقى دعمًا لوجستيًا وماليًا مباشراً من إيران، وأن كثيرًا من منفذي تلك العمليات تلقوا تدريباتهم في معسكرات داخل الأراضي الإيرانية.
ورغم أن حزب الدعوة يتجنب اليوم الحديث عن تلك الجرائم بعد تسلمه السلطة في العراق عام 2003 بدعم أميركي، فإن الوثائق والشهادات والمذكرات الأمنية العراقية والغربية تثبت أنه كان ولا يزال أداةً بيد النظام الإيراني، نفذ من خلالها طهران مخططها لتفكيك العراق من الداخل.
قراءة تحليلية في واقع ما بعد 2003:
بعد سقوط بغداد عام 2003، تسلّم حزب الدعوة السلطة بغطاء أميركي وتأييد إيراني، وتحول قادته الذين كانوا مطلوبين بتهم الإرهاب إلى وزراء ورؤساء حكومات وسفراء.
فقد أصبح نوري المالكي، المتهم سابقًا بالتخطيط لتفجير مستشفى ابن البيطار، رئيسًا لوزراء العراق ثماني سنوات متواصلة، وتحت حكمه تم إقصاء الخصوم السياسيين وتفكيك مؤسسات الدولة الوطنية، وارتكبت ميليشيات طائفية تابعة له جرائم قتل وخطف وتهجير بحق آلاف العراقيين.
أما هادي العامري وأبو مهدي المهندس، اللذان تورطا في جرائم إعدام الجنود العراقيين عام 1991، فقد أصبحا قادة لقوى مسلحة نافذة تمسك اليوم بمفاصل الأمن والسياسة والاقتصاد.
لقد تبدلت الأدوار، لكن الفكر لم يتبدل.
فمن مارس التفجير بالأمس، مارس التهميش والإقصاء والفساد اليوم.
ومن فجّر وزارة التخطيط في الثمانينات، فجّر بنية الدولة العراقية بعد الاحتلال.
وهكذا، انت
من صفحة الدكتور وائل القيسي