عربي دولي

الاستثمارات الفرنسية في الصحراء الغربية تركب موجة تحسّن العلاقات مع المغرب

الاستثمارات الفرنسية في الصحراء الغربية تركب موجة تحسّن العلاقات مع المغرب

الداخلة: وسط الرمال وأشجار النخيل التي نبتت حديثًا، تنتشر مواقع البناء الجديدة بكثافة في مدينة الداخلة الساحلية في الصحراء الغربية، إذ تسعى باريس والرباط إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية في هذه المنطقة التي لا يزال وضعها محلّ نزاع.
وكما يشكّل “وجود رياح دائمة” في الداخلة عاملًا “مواتيًا” لازدهار رياضة الـ”كايت سيرف” فيها، على ما لاحظ مسؤول في إحدى الشركات الفرنسية وهو ينظر إلى الحركة النشطة لراكبي الأمواج بالشراع، هبّت على العلاقات بين باريس والرباط، العام المنصرم، “رياح مواتية” لتحسّنها.
ويعود ذلك إلى قرار فرنسا دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، وتقع شمال موريتانيا، وتُعَدّ آخر إقليم في القارة الإفريقية لم يُحسم وضعه بعد الاستعمار.
وليس أدلّ على هذا التحسّن من مشاركة نحو 30 من أصحاب الشركات وكبار المديرين في مجموعات فرنسية، الخميس، في منتدى اقتصادي فرنسي مغربي في الداخلة، وهو ما يُعَدّ سابقة.
فالصحراء الغربية، التي كانت مستعمرة إسبانية حتى عام 1975، والغنية بالفوسفات والأسماك، مصنّفة من الأمم المتحدة كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي. وتدعو المنظمة، منذ سنوات عدّة، مختلف الأطراف إلى معاودة المفاوضات بهدف التوصل إلى حلّ سياسي يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

دلالة رمزية ضخمة
في ظلّ هذا الوضع الذي لا يزال شديد الحساسية من المنظور الدبلوماسي، تكتسب زيارة المسؤولين الفرنسيين “دلالة رمزية ضخمة”، على ما رأى الرئيس المشارك لنادي أرباب المقاولات الفرنسية- المغربي روس ماكينيس، وهو أيضًا رئيس مجلس إدارة مجموعة “سافران” الفرنسية لصناعة الطيران، والتي يبلغ عدد موظفيها في المغرب نحو خمسة آلاف.
ومن بين المشاركين في المنتدى رئيس مجلس إدارة “إنجي” جان بيار كلاماديو، وعدد من المسؤولين البارزين في مجموعات “أكّور” و”هافاس” و”إس إن سي إف إنترناسيونال” و”فيوليا”، بالإضافة إلى الوكالة الفرنسية للتنمية ومصرف “بي بي إي فرانس” العام.
وهذا التقارب في العلاقات بين البلدين طرأ بعد سنوات من البرودة الدبلوماسية بينهما، وبدأ بقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نهاية تموز/يوليو 2024، تأييد خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية “تحت السيادة المغربية” التي اقترحتها الرباط. وأعقبت هذه الخطوة زيارة رسمية، في تشرين الأول/أكتوبر، شارك فيها وفد من أصحاب الشركات.
وأكّد وزير الاستثمار المغربي كريم زيدان، خلال منتدى الداخلة، الخميس، أن “الاستثمارات تعبّر أكثر عن هذه الشراكة”. وتُعدّ فرنسا أصلًا الدولة الأكثر استثمارًا في المغرب، إذ ثمة أكثر من ألف فرع لشركات فرنسية، علمًا بأن معظم شركات مؤشر “كاك 40” في بورصة باريس ممثّلة في المملكة.
وسواء في مجال الطاقة المتجددة، أو السياحة أو البنية التحتية، ترغب الشركات الفرنسية بالمشاركة في تطوير المدينة ومينائها، الذي يطمح المغرب إلى جعله بوابة لإفريقيا.
وقالت سفيرة المغرب لدى فرنسا سميرة سيطايل لوكالة فرانس برس إن قرار ماكرون دعم الخطة المغربية، بعد امتناع باريس عن ذلك لسنوات، ساهم في استعادة “الثقة”.
في المقابل، شهدت العلاقات الفرنسية مع الجزائر، التي تدعم انفصاليي جبهة بوليساريو في هذه المنطقة، تدهورًا مفاجئًا.

“فرنسا متقدّمة”
أما السفير الفرنسي لدى المغرب كريستوف لوكورتييه، فرأى من على منصة المنتدى أن “الظرف اليوم مناسب أكثر من أي وقت مضى لتسريع الوتيرة”.
ولاحظ، خلال اجتماع مع مسؤولي الشركات الفرنسية الخميس، أن فرنسا “متقدّمة بخطوة على الأمريكيين”، رغم اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية عام 2020 في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، تلقّت الخطة المغربية دعمًا من إسبانيا، ثم من المملكة المتحدة.
ومع أن قضية وضع الصحراء الغربية لم تُناقش تقريبًا خلال المنتدى، إلا أنها لا تزال محوريةً لمستقبل المنطقة.
واعتبرت أستاذة العلوم السياسية المتخصّصة في شؤون المغرب العربي الدكتورة خديجة محسن فينان، في حديث لوكالة فرانس برس، أن “المغرب يحاول دفع المجتمع الدولي إلى قبول وضع قائم عمليًا، إن لم يكن أمرًا واقعًا”.
ورأت في الاستثمار “اعترافًا بسيادة المغرب التي لم تُصدر الأمم المتحدة قرارًا في شأنها”.
ولوحظ في منتدى الداخلة أن أصحاب الشركات يعتمدون راهنًا نهجًا واقعيًا. وقال رئيس الفرع المغربي لشركة فرنسية طلب عدم نشر اسمه: “سبق أن حصلنا على عدد من أختام (الموافقة) حتى الآن، من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، وإذا نلنا ختم الأمم المتحدة، فسنحصل على الختم النهائي”.
وأضاف: “في الانتظار، أدفن رأسي في الرمال. فبالنسبة إليّ، الصحراء مغربية”.
(أ ف ب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب