احتفالية ترامبية لنعي المقاومة | أميركا للعرب: «نظّفوا وراء إسرائيل»

احتفالية ترامبية لنعي المقاومة | أميركا للعرب: «نظّفوا وراء إسرائيل»
كرّس ترامب في زيارته إلى القدس المحتلة وشرم الشيخ شراكة أميركية ـ إسرائيلية كاملة، ودفع العرب لتوقيع صك الهزيمة عبر التزام نزع سلاح المقاومة وتأمين إسرائيل.
منذ ما قبل وصوله إلى شرم الشيخ، للمشاركة في القمّة التي أُطلق عليها اسم «السلام 2025»، حدّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موقع العرب في الشرق الأوسط الذي يريده ما بعد حرب غزة، حين قال في خطابه أمام «الكنيست» الإسرائيلي، إنّ الدول العربية والإسلامية التي تبنّت خطّته لوقف الحرب في قطاع غزة، ما كان بإمكانها أن تفعل لولا ما سمّاه «إضعاف إيران وتدمير حزب الله وحماس بالقوة الأميركية والإسرائيلية»، بمعنى أنها كانت ستخاف من تبعات تلك الموافقة، مقرّاً بأنّ الدور الذي أراده للدول المذكورة، وحقّقه، كان الضغط الذي مارسته على «حماس» للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
بهذا التوجّه الذي أضيف إليه اصطحابه كل أركان إدارته، وتسميته إياهم بالأسماء، وتحديده الأدوار التي قاموا بها في هذه الحرب إلى جانب إسرائيل، بدا أنّ ترامب يقارب مسائل الشرق الأوسط، من موقع الشراكة الكاملة مع إسرائيل، وأنّ الخلافات التي اعترف بوجودها مع رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، هي مجرّد تفصيل ضمن هذه الصورة. وفي الأساس، لم يكن ترامب، ليتوجّه إلى شرم الشيخ، لولا أنه يريد توريط الدول المشاركة في استكمال تطبيق خطّته، ولا سيّما مهمّة نزع سلاح فصائل المقاومة، وهو ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالحرب، مقابل الضمانات التي أعطاها هو بوقف العدوان، رفعاً للحرج الذي أصاب الأنظمة الحليفة لأميركا.
لم يكن الجوّ في شرم الشيخ احتفالياً، كما كان في إسرائيل، وإن بدا أنّ ما جمع بين الحدثين هو حديث ترامب بلغة المنتصر، وتوجّهه في إسرائيل إلى «شركاء في النصر»، وفي شرم الشيخ إلى مجموعة من الحلفاء الذين حاول «الطبطبة» عليهم باعتبار أنهم على الجانب المهزوم بالفطرة، وذلك بوجود الشهود من الحلفاء الأوروبيين الذين لا يرتقون كثيراً، بنظره، عن العرب.
وبحسبه، فإنّ على جميع من شاركوا في القمّة، وهم ممثّلو 31 دولة ومنظمة دولية، الاضطلاع بمهمّة «تنظيف» ساحة المعركة وإعادة إعمار قطاع غزة «بصورة آمنة»، أي بما يوفّر أمن إسرائيل، واستكمال إدماج الأخيرة في المنطقة عبر توسيع «اتفاقات أبراهام». أمّا فقراء الدول التي لا تملك قدرة على الدفع، فوجودها كان لزوم إكمال النصاب العربي والإسلامي، والتوقيع على صكّ الهزيمة، ولو اقتصر الموقّعون، باسم المجتمعين، على تركيا ومصر وقطر باعتبارهم الوسطاء، إلى جانب الولايات المتحدة.
حتى في الشكل، كان ترامب وصل متأخّراً عدّة ساعات عن الموعد المحدّد للقمّة، وبالتالي لم يُتح لبعض الزعماء التحدّث في أثناء الجلسة المغلقة، فيما شهدت القاعة التي احتضنت القمّة حالاً من التململ بين القادة والرؤساء الذين وصلوا في الصباح الباكر. وفي المضمون، تناولت المناقشات الدور الذي يمكن أن تقوم به كل دولة؛ وبينما أبدت فرنسا استعدادها لتأدية دور أكبر إلى جانب بريطانيا، بما في ذلك إمكانية إرسال قوات لتكون ضمن القوات الدولية، اتّجه الألمان إلى الحديث عن دعم ومساندة من دون قوات، على الأقل في المرحلة الأولى، وفتحت إيطاليا بدورها كافة الخيارات لدعم مسار التهدئة.
تأكيد مصري – قطري على ضمان «الالتزام» بعدم تنفيذ المقاومة أي أعمال ضدّ إسرائيل
كذلك، تناولت المناقشات ضرورة استمرار الضغط لمنع ضمّ أراضٍ في الضفّة الغربية، في وقت تحدّث فيه المصريون عن أنّ سلاح المقاومة سيكون ضمن نقاشات الفرق الفنّية التي ستبدأ العمل في المرحلة التالية، مع ضرورة إيلاء دور أكبر للسلطة الفلسطينية التي ستعمل على تقديم وجوه جديدة قادرة على إدارة المشهد باعتبارها جزءاً من خطّة التهدئة. على أنّ المسؤولين المصريين لم يخفوا مخاوفهم من إخلال إسرائيل بالاتّفاقات، في حين كرّروا مع القطريين «التزامهم» بضمان عدم تنفيذ المقاومة أي أعمال تجاه إسرائيل.
أمّا اتصال ترامب، من القاعة بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فعكس الاهتمام الأميركي ليس فقط بتمويلات دول الخليج لإعادة إعمار غزة، وتحديداً السعودية والإمارات، ولكن أيضاً بتوسيع «اتّفاقات أبراهام» وتطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية، بما يفتح الباب أمام دول أخرى للانضمام إلى هذه الاتّفاقات.
وبحسب مسؤول في الخارجية المصرية، تحدّث إلى «الأخبار»، فإنّ «قنوات التواصل مع السعودية والإمارات ستعود بشكل سريع من أجل مشاركتهما في المزيد من الإجراءات الداعمة لاتفاق التهدئة، بعد توتّر دفع إلى غياب ابن سلمان و(رئيس الإمارات، محمد) بن زايد عن القمّة»، وإنّ «الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد يقوم بجولة خليجية لعقد لقاءات مباشرة ما لم تحدث انفراجة سريعة».
وعلى الهامش، جرى حديث مطوّل بين الرئيسين المصري، السيسي، والفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول غزة ولبنان، في وقت كانت لافتة فيه النقاشات التي أجراها ماكرون مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي التقى، بدوره، مع مسؤولي الاستخبارات المصرية. وتناول هذا اللقاء مسألة تدريب الكوادر الفلسطينية في مصر والأردن، ليكونوا قادرين على تولّي زمام الأمن في غزة، في وقت تتطلّع فيه القاهرة إلى دعم دولي عبر الأمم المتحدة، وشراكات «أمنيّة واستراتيجية» ستوفّرها الولايات المتحدة ودول أوروبية، لإنشاء قوات دولية من عدّة بلدان، غالبيّتها إسلامية.
وحول الجدل الذي صاحب الإعلان عن تلقّي نتنياهو، دعوة عبر الهاتف من الرئيس المصري في أثناء محادثة بين السيسي وترامب، في أثناء وجود الأخير في القدس المحتلة، فإنّ الاعتذار بداعي «الأعياد اليهودية» وجدته القاهرة فرصة لإنجاح المؤتمر بشكل أكبر لاعتبارات عدّة، في مقدّمها التحفّظات العربية التي كانت ستفرض نفسها على المشهد الختامي للقمّة.
وقال مسؤول مصري، لـ«الأخبار»، إنّ القاهرة عندما وجّهت الدعوة إلى نتنياهو، بطريقة غير متوقّعة، كانت تنوي استغلال فرصة حضوره وعقد لقاء مغلق بينه وبين عباس والرئيس الأميركي. وأضاف أنّ مكتب نتنياهو، تحدّث إلى المسؤولين في الرئاسة المصرية، عن بعض التفاصيل قبل أن يعلن اعتذاره عن الحضور، مشيراً إلى أنّ الاعتذار ربما حدث بسبب عدم رغبة نتنياهو، في مناقشة «حلّ الدولتين» بشكل قد يؤثّر عليه سلباً في الداخل الإسرائيلي. ورغم أنّ البيان الختامي للقمّة تضمّن التأكيد على «مسار حل الدولتين والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967»، إلا أنّ هذا الأمر لم يحضر في النقاشات الجوهرية التي تركّزت على مؤتمر إعادة الإعمار في غزة، فحسب.