ثالث صفقة تبادل بعد «الطوفان»: فرحة ممزوجة بالغصّة

ثالث صفقة تبادل بعد «الطوفان»: فرحة ممزوجة بالغصّة
توثّق صفقة التبادل الثالثة بعد «الطوفان» مشهد الحرية الممزوجة بالقهر، إذ يواصل الاحتلال قمع فرحة الأسرى المحرّرين وانتهاك حقوق المعتقلين.
في إطار المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، والذي دخل حيّز التنفيذ ظهر الجمعة الماضي، بدأت، أمس، قوافل النور بالتحرّك من عتمة الزنازين نحو رحاب الحرية، مع الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين من سجون العدو.
وتُعدّ هذه الصفقة الثالثة من صفقات تبادل الأسرى منذ اندلاع معركة «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023، وهي «صفقة طوفان الأقصى لتبادل الأسرى» – حسبما سمّتها «كتائب القسام» في بيانها -، بعد أن سبقتها مرحلتان تحرّر في أولاهما في تشرين الثاني 2023، 240 أسيراً وأسيرة على عدة دفعات، فيما أُطلق في ثانيتهما سراح 1777 أسيراً على مراحل متتالية في شهرَي كانون الثاني وشباط من العام الحالي، ليبلغ مجموع من عانقوا الحرية منذ اندلاع العدوان، 3985 أسيراً وأسيرة.
وبعد ساعات من تسليم «كتائب القسام» 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، على دفعتين، لـ«الصليب الأحمر» في مدينتَي غزة وخانيونس، أفرجت سلطات الاحتلال عن 1968 أسيراً فلسطينياً، بينهم 250 أسيراً من أصحاب المؤبّدات والأحكام العالية إلى الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبعضهم إلى الخارج (154 أسيراً). وصعد الأسرى المحرّرون على متن حافلات، لتتحرّك القوافل برفقة مركبات الإسعاف التابعة لـ«الصليب الأحمر» من «سجن عوفر» في اتجاه بيتونيا قرب رام الله، ومن «سجن النقب» نحو قطاع غزة، فيما أعلن «مكتب إعلام الأسرى»، نقل 154 فلسطينياً مبعداً إلى مصر.
وقبيل الاستقبال المُقرّر في الضفة الغربية والقدس، تواصلت حملات الترهيب التي اعتادت قوات الاحتلال أن تنفّذها بالتزامن مع لحظات الإفراج، إذ وجّه ضباط العدو تهديدات صريحة إلى الأهالي بـ«فرض إجراءات عقابية» في حال إبداء أي مظاهر احتفالية أثناء استقبال أبنائهم، بينما شنّت قوات الاحتلال حملة اقتحامات فجراً في بلدات وقرى عدّة في رام الله والبيرة، شملت عبوين، مزارع النوباني، عارورة، بيت ريما، كفر نعمة، دير إبزيع، عين عريك، النبي صالح، دير جرير، سلواد، حي أم الشرايط ومخيم الأمعري. كما شدّدت قوات العدو إجراءاتها العسكرية على حاجزَي عين سينيا وعطارة شمال رام الله، واعتدت على مواطنين وأوقفت عشرات المركبات.
لكنّ هذه الإجراءات لم تكن سوى «محاولات بائسة لكسر الفرحة التي يعرف الاحتلال أنها أعمق من أن تُقمع»، حسبما قال أهالي الأسرى الذين تجمّعوا، منذ ساعات الصباح الأولى، عند مدخل «قصر رام الله الثقافي» في بيتونيا، رافعين الأعلام الفلسطينية وصور أبنائهم، لتتحوّل لحظة وصول الحافلتين اللتين تحتضنان 96 أسيراً محرّراً، إلى مزيج من الصيحات، والدموع، والأهازيج الوطنية، ودموع أمهات انتظرن لعقود، وآباء بحّت أصواتهم بالهتاف: «حرية… حرية». غير أن فرحة الحرية لم تكتمل؛ إذ أقدمت سلطات الاحتلال على إبعاد عدد من الأسرى الذين كان من المُقرّر وصولهم إلى رام الله، ليتفاجأ أهالي هؤلاء بإبعادهم قسراً إلى خارج الأراضي الفلسطينية، ويتحوّل حلمهم إلى غصّة.
وضمن هذه الصفقة، حرّرت المقاومة عدداً من قدامى الأسرى المعتقلين قبل عام 2000 من أحكام المؤبّدات، الذين صاروا رموزاً في الذاكرة الوطنية؛ وأبرزهم سمير أبو نعمة (اعتُقل عام 1986)، محمد داود (1987)، عماد شحادة (1989)، ناصر أبو سرور (1993)، محمود أبو سرور (1993)، محمود عيسى (1993)، عبد الجواد الشماسنة (1993)، محمد الشماسنة (1993)، أيمن سدر (1995) ومحمود عارضة (1996).
وشكّلت المشاهد التي خرج بها الأسرى، شهادة حيّة على ما يتعرّض له آلاف الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومعسكراته من توحّش وهمجية؛ إذ خرج هؤلاء بأجساد أنهكها المرض، وجلود تحمل آثار القيود، وعيون غائرة تشهد على ليال طويلة بلا نوم ولا دواء.
وإذ أبلغ «الصليب الأحمر»، وزارة الصحة الفلسطينية، أن عدداً كبيراً من المُفرج عنهم يعانون أوضاعاً صحية «صعبة»، وبعضهم من كبار السن الذين أنهكهم التعذيب الجسدي والنفسي، والتجويع الممنهج، والحرمان من العلاج والرعاية الطبية، وفرض ظروف أدّت إلى تفشّي الأمراض والأوبئة داخل السجون، ظهرت على وجوه عدد من الأسرى المحرّرين آثار الجروح وأمراض جلدية ناجمة عن الحرمان والعزل الطويل. وأفاد بعض هؤلاء بـ«اعتداءات وحشية» قامت بها إدارة «مصلحة السجون الإسرائيلية»، سبقت عملية الإفراج عنهم بثلاثة أيام، وذلك خلال نقلهم من أقسام السجون، تمهيداً للإفراج عنهم، فيما ظهرت كدمات حديثة بوضوح على أجسامهم.
ويضاف كلّ ذلك إلى الإرهاب النفسي والعزل الانفرادي والتهديد بالقتل والتصفية، فضلاً عن تصاعد الاعتقالات التعسفية، وتوسّع استخدام الاعتقال الإداري، واعتقال المئات بذريعة «التحريض»، وتصنيف معظم معتقلي غزة كمقاتلين «غير شرعيين»، الأمر الذي أتاح للاحتلال ارتكاب مزيد انتهاكات جسيمة بحقهم، بما فيها الإخفاء القسري.
وبحسب مؤسسات الأسرى، فإنه بعد تنفيذ صفقة التبادل أمس، يُقدّر عدد الأسرى المتبقّين في سجون الاحتلال بأكثر من 9100 أسير، وهم فقط ممن يُحتجزون في السجون المركزية، في حين لا يزال المئات محتجزين في معسكرات تابعة لجيش الاحتلال. كما بلغ عدد الأسيرات 52 أسيرة بعد الإفراج عن الأسيرتين مرفت سرحان وسهام أبو سالم، بالإضافة إلى نحو 400 طفل يقبعون في سجنَي «عوفر» و«مجدو».