مقالات

هل ستستمر فرحة القادة العرب بخطة ترمب أم إنها ستفشل و” ينقلب السحر على الساحر؟ “

هل ستستمر فرحة القادة العرب بخطة ترمب أم إنها ستفشل و” ينقلب السحر على الساحر؟ ”

د. كاظم ناصر
بادرت القيادات العربية وفي مقدمتها وأكثرها حماسا وتفاؤلا قادة دول التطبيع بقبول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والاحتفاء بها، واعتبارها قفزة سياسية للأمام لوقف إطلاق النار في غزة وتحقيق السلام في المنطقة، وكان السرور واضحا على وجوه من حضروا منهم قمة شرم الشيخ التي أمر بانعقادها وأدارها الرئيس الأمريكي الذي وصفه نتنياهو” بأفضل صديق لإسرائيل ” وقال موجها كلامه له في الكنيست ” أنت صديق عظيم لإسرائيل في البيت الأبيض.” وترمب بدوره وصف مجرم الحرب نتنياهو بأنه ” أحد أعظم قادة إسرائيل في زمن الحرب” وطلب من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ العفو عنه لتجنب محاكمته وإنقاذه من تهم الفساد التي تنظر فيها المحاكم الإسرائيلية. ولن ينس ترمب أيضا الإشادة ببعض قادة دول التطبيع والاستسلام العرب.
الفلسطينيون والعرب والمواطنون في معظم دول العالم يدركون جيدا ان دولة الاحتلال التي لا مصداقية لها لا تحترم القوانين والأعراف الدولية والقيم الأخلاقية الإنسانية لا يمكن الثقة بها وإنها ستتلاعب بتفاصيل محتويات الاتفاق وتتهرب من تنفيذ جميع بنوده كما فعلت مع اتفاقات سابقة؛ لكنهم على الرغم من ذلك شعروا بنوع من الارتياح لوقف شلال الدم والدمار وجرائم الحرب التي ترتكبها في غزة.
لكن المثير للشفقة هو موقف وفرحة الحكام العرب وفي مقدمتهم قادة التطبيع الذي زعموا كذبا وبهتانا بأنهم قبلوا خطة ترمب حرصا منهم على مصالح الشعب الفلسطيني وشعوبهم، وتجاهلوا الحقيقة المرة وهي أن الخطة المليئة بالألغام لا تتضمن خارطة طريق، أو أي أمل لمسار سياسي واضح جاد يقود لحل الدولتين الذي يطالبون به هم والفلسطينيون ومعظم دول العالم. ولوضعهم في مأزق لا يحسدون عليه أمام شعوبهم بدأت إسرائيل كعادتها بالتلاعب بتطبيق الخطة بعد توقيعها مباشرة؛ فقد واصلت جرائمها ضد الفلسطينيين، وأعادت إغلاق معبر رفح، ومنعت إدخال المساعدات الإغاثية لغزة بحجة فشل حماس بتسليم رفات جنودها الموجودة تحت البيوت والبنات المدمرة والتي تحتاج لتقنية متطورة ووقت طويل لاكتشافها والتعرف عليها، ومن المؤكد أنها ستستمر في خلق المزيد من الأعذار للتملص من تطبيق الخطة وإفشالها.
ترمب لم يتقدم بهذه الخطة لإنهاء حرب غزة وإنقاذ الفلسطينيين من الجرائم الإسرائيلية، ومن ثم التوصل لحل دائم للصراع العربي الإسرائيلي بتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل لإخراج إسرائيل من عزلتها الدولية، ولخدمة الاطماع التوسعية الصهيونية والهيمنة الأمريكية على العالم العربي. والدليل على ذلك هو ان الخطة تجاهلت الجانب الفلسطيني، وهمشت دور السلطة الوطنية الفلسطينية، ووضعت غزة تحت وصاية دولية، وركزت على دفع المزيد من الدول العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال، وتعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
ولهذا وقعت قطر معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة، وكشف النقاب عن إجراء محادثات أمريكية سعودية بشأن معاهدة دفاعية تشبه تلك التي أبرمت الشهر الماضي مع دولة قطر التي تأمل المملكة العربية السعودية في إبرامها خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة الشهر القادم؛ وأعرب ترمب عن أمله بانضمام السعودية ودول عربية أخرى لاتفاقات ” إبراهام ” في مقابلة مع فوكي نيوز ” يوم الجمعة 17/10/ 2024 بقوله” آمل أن أرى السعودية تنضم (للتطبيع)، وآمل أن أرى دولا أخرى تنضم. أعتقد أنه عندما تنضم السعودية، سينضم الجميع” وبذلك تتم تصفية القضية الفلسطينية، وإحكام السيطرة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة لعقود طويلة قادمة وحتى ترى إسرائيل الوقت مناسبا لاحتلال المزيد من الأراضي العربية.
لا يمكن الثقة بترمب الذي يفتخر بدعمه اللامحدود لدولة الاحتلال وسياساتها العدوانية التوسعية، وبعدائه الشديد للمقاومة، وبقدرته على خداع وابتزاز الدول العربية؛ ولهذا فإن خطته التي تتسم بغموض بنودها وافتقارها لخارطة طريق واضحة لحل الصراع هي في الحقيقة خطة سلام دعائي، لن تحقق السلام المنشود، ومن المتوقع أن تفشل كما فشلت سابقاتها وتقود المنطقة العربية برمتها إلى مرحلة في غاية الخطورة، وذات تداعيات مدمرة على القضية الفلسطينية والدول العربية، خاصة دول الجوار الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وان يصاب حكام التطبيع والاستسلام العرب الذي فرحوا بها وحاولوا تسويقها لشعوبهم كانتصار ” لدبلوماسيتهم البناءة الذكية ” وكحل دائم للصراع بخيبة أمل، وأن تتحول فرحتهم إلى تعاسة عندما يتبين لهم أنهم خدعوا ووضعوا أوطانهم في مأزق مصيري قد يؤدي إلى إيقاظ شعوبهم والتصدي لهم ولأنظمتهم العميلة الفاسدة ” وقلب السحر على الساحر!”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب