ثقافة وفنون

إبراهيم ناجي / مصطفى معروفي

إبراهيم ناجي
مصطفى معروفي
ـــــــ
إبراهيم ناجي(1898م-1953م)شاعر مصري غني عن التعريف،اشتهر ب”شاعر الأطلال” والأطلال هو عنوان القصيدة التي تغنت بها السيدة أم كلثوم وسار بذكرها الركبان.
 كان إبراهيم ناجي طبيبا واشتغل بالأدب ،وأصدر مجلة باسم(حكيم البيت)،نهل من الأدب العربي ومن الأدب الغربي  معا،وكان مفتونا بالكاتب الإنجليزي شارلز ديكنز وتأثر به كثيرا،وهو صغير جدا حفظ ديوان الشريف الرضي كله،وبدأ يقول الشعر على منواله ـ منوال شعر الشريف الرضي ـ ،وكان لوظيفته كطبيب دور في تنقله بين مدن مصرية عدة،وقد ترجم مجموعة من الأعمال لأدباء غربيين مثل بودلير ،وكان وكيلا لجمعية أبولو .
تعرض ناجي لنقد عنيف من طرف طه حسين والعقاد بسبب أن ناجي قد ارتبط بجماعة أبولو وكان يرأسها الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي لم يكن في وئام مع الرجلين،وفيما بعد سافر إلى لندن وهناك تعرض لحادثة سير من طرف سيارة،حيث بقيت الحادثة منقوشه في ذهنه إلى يوم مماته.
قلنا إن ناجي تنقل كطبيب في عدة مدن مصرية ،ولما عاد إلى القاهرة موطنه الأصلي كان يمر على ديار أحبابه وأصدقائه فيراها وقد تغيرت حالها ولم تعد كما كانت من قبل ،فنظم في ذلك قصيدة بعنوان “العودة” قال منها:
هـــذه الــكعبة كــنا طــائفيها
والــمــصلين صــباحَ مــساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها
كــيف بالله رجــعنا غــرباء؟
دار حــبي وأحــلامي لــقيتنا
فــي جمود مثلما تلقى الجديد
أنــكرتنا وهي إن كانت رأتنا
يــضحك النور إلينا من بعيد
أصدر ناجي أول دوانينه بعنوان(وراء الغمام)،وذلك أن الشاعر كان يرى في الغمام ستارا يحجب الرؤية عن الأعين فلا ترى ما وراءه أي ترى واقع الحال،فمثلا تلك الراقصة التي نراها تلهو وتمرح،بينما هي في الواقع تخفي لمأساة تعيشها،يقول في قصيدة”قلب راقصة”:
هاتي حديثَ السقمِ والوصبِ
وصِــفي حــقارةَ هــذه الدنيا
إنــي رأيــتُ أساكِ عن كثبِ
ولــمستُ كَــربَكِ نابضًا حي
لا تكتمي في الصدرِ أسرارا
وتــحدثي كــيف الأسى شاءَ
أنــا لا أرى إثــمًا ولا عارا
لــكــن أرى امــرأةً وبــأساء
ويقول عن نفسه:
سموت ودق إحساسي
وجــزت عوالم البشر
نــسيت إســاءة الناس
غــفرت خطيئة البشر
بعد صدور ديوان “وراء الغمام”تشاء الأقدار أن يذهب إلى لندن فتقع في يده هناك  بعض الصحف المصرية،وفيها يجد نقاشا وانتقادا  حول الديوان وقيمته الشعرية،وإذا به يجد أن أحد أصدقائه المصفقين له يستغصر شأنه وشأن شعره،مع أنه كان يتوقع أن يلقى ديوانه من التقدير والإجلال ما يسجله في لوح المجد ويخلده مع الخالدين.كما وجد كلمة من طه حسين تركت في نفسه أثرا سيئا ،فكان يردد:
هي محنة وزمـان ضِيقْ
وتمخضت عن لا صديقْ
ومع أن جماعة أبولو دافعت عنه في مجلتها،كما دافعت عنه مجلات أخرى فإن ذلك لم يسرِّ عنه.وحين عاد من لندن وما زالت ساقه تعاني من جراء حادثة السير التي وقعت له هناك،وأشرفت به الباخرة لتي كانت تحمله على شواطئ مصر قال:
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
رفــاقي تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي
وتــجذبني وقــد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي
وعدت إلى الديار أجر ساقي
إلا أنه لما عاد إلى مصر تغيرت نظرته للحياة ولم يعد كما كان سابقا يؤمن بقيمة الصداقة ولا حتى بقيمة الشعر.
وولقد عاش ناجي في الحياة وهو لا يعرف الهجاء ولم يتعاطه يوما،لكن لما وجد أن أحد أصدقائه تنكر له قال يهجوه خاتما لأبياته  بما قاله يوليوس قيصر لصديقه الخائن بروتس”حتى أنت يا بروتس” وتمنى له الموت:
أيــها الحي وما ضر
ر الورى لو كنت متا
أو شــعر ذاك لا بــل
حــجر يــنحت نــحتا
تــلقم الــناس وترمي
هــم بــه فــوقا وتحتا
صحت من يأسي لما
بركيك الشعر صحتا
آه يــا قــاتل يــا سف
فــاك حتى أنت حتى
أقسم إبراهيم ناجي بعد الذي لاقاه من جحود وتعنيف أن لا يقول الشعر أبدا،حتى قام طه حسين وحرضه على قرض الشعر ،عندها انحلت عقدة ناجي النفسية وعاد إلى الشعر وإلى أصدقائه.وأثر مرور هذه المحنة على ناجي يراها القارئ ماثلة في ديوانه الثاني”ليالي القاهرة”،ولكن المحنة الكبيرة هي التي عندما اتهمه الحاقدون عليه والمناوئون له بأنه غير منتج،وتم إخراجه من الوظيفةوهو في سن الخامس والخمسين من العمر حيث صدم ماليا ونفسيا.وصار يحيا على معاش محدود،وقد توالت عليه المصائب فاشتد عليه داء السكري وبرحت به ذات الرئة حتى انطفأت شمعة حياته.وبذلك كان الذي كان يتوقعه:
حان الوداع ففيم تنتظر؟
نزل الستار وأقفر العمر
رحم الله إبراهيم ناجي ،فقد كان شاعرا كبيرا لا يغض من قدره غاض ولا يشينه في الأعين شائن،فقد عاش في الشعر و للشعر ومات وهو شاعر.
نعوذ بك اللهم من كيد الكائدين وحسد الحاسدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب