مقالات

كلاهما تفاجأ بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

كلاهما تفاجأ
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
كثيرون –بخاصة في الاعلام الخليجي وبعض خصوم المقاومة الفلسطينية – من يعيب على المقاومة بأنها دخلت الحرب بقدر من الارتجال وعدم التخطيط ، بدليل ان النتائج ومسارات الحرب انطوت على المفاجآت المتتالية لهم ، وهذا صحيح، ولكن هل من مثال واحد لحروب بهذا المستوى من العنف والمدى الزمني والمدى الجغرافي لم يتفاجأ اي من طرفيها؟ لكن الغريب-في العالم النفطي- هو محاولة التعمية على المفاجآت الاسرائيلية التي يرى بعض الاعلام العربي ان من مصلحته تغييبها لانها تجعل الصورة اكثر توازنا مما يريدون.
وازعم بأنني من المتابعين جيدا لأدبيات السياسة الاسرائيلية او ممن يتناول هذه السياسة في الأدبيات الغربية، وأؤكد ان العقل الاستراتيجي الاسرائيلي فشل بشكل كبير ايضا في توقع ما يلي:
1- لم يتوقع الهجوم في اكتوبر 2023 لا من حيث الحجم ولا عمق الضربة ولا النتائج التي ترتبت بشريا ومعنويا على الضربة رغم كل محاولات البعض الزعم خلاف ذلك.
2- لم يتوقع نهائيا ردات فعل الرأي العام العالمي وبخاصة في المجتمعات المعروفة تقليديا بتعاطفها مع اسرائيل، وتفاجأ بان ردة الفعل لم تكن فقط بين العامة بل بين الشباب بخاصة(وهو ما سيكون له تداعيات مستقبلية) وبين النخب الفكرية ومن صفوفها الاولى في الدول الغربية ، وفي المؤسسات الجامعية والبحثية ، ثم لم يتوقع ان تكون الدبلوماسية الرقمية فاعلة الى هذا الحد ضده ، فاستخدام التقنيات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والجهات غير الحكومية شكلت طوفانا اعلاميا ضد اسرائيل ، بخاصة ان هذه الدبلوماسية تتسم بالسرعة الكبيرة في الوصول ومحدودية التكلفة واتساع الجمهور المتلقي والوصول للمعلومة دون عناء ، وفتحت المجال لكل شرائح المجتمعات لتوجيه النقد للسياسة الاسرائيلية، الى الحد الذي اصبح ممثلون مشهورون يسخرون من “عبارة معاداة السامية” التي تمثل حجر الزاوية في الدعاية الصهيونية.
3- لم يتوقع المخطط الاستراتيجي الاسرائيلي حجم وتاثير الدور العسكري للحوثيين، فلم يتوقع أن يتم شل ميناء ايلات بنسبة 85% (وهو المسؤول عن 28% من التجارة البحرية الاسرائيلية) ، ولم يتوقع ان تصل الخسارة الشهرية من تعطل التجارة معدل 4 مليارات شهريا بسبب تحويل طرق النقل وتكاليف النقل وارتفاع التامين عليه ، ولم يتوقع أن تتعطل الملاحة الجوية مرات متتالية وبشكل شبه متواصل ،ولم يتوقع بان أكبر 17 شركة طيران عالمية توقف رحلاتها عن التوجه لاسرائيل لفترات تصل احيانا- لبعض الشركات – لاكثر من شهر.
4- لم يتوقع المخطط الاستراتيجي الاسرائيلي ان صورته العالمية والحرج الدبلوماسي له سيقود لتغير في المواقف السياسية الى الحد الذي جعل عدد الدول التي توافق على الاعتراف بدولة فلسطينية او حل الدولتين يلامس حدود ال 160 دولة، وهو الموضوع الذي يشكل ارقا مستقبليا لاسرائيل.
5- دلت تقارير عسكرية اسرائيلية وغربية وآسيوية على “الذهول” من العجز الاسرائيلي –في ظل الامكانيات الهائلة- من السيطرة رغم مرور عامين على منطقة مساحتها 365 كيلومتر مربع ، او معرفة اماكن الاسرى ،او مداخل ومخارج الانفاق رغم الصور من الاقمار الصناعية والمراقبة الالكترونية والاتصالات وشبكات الجواسيس والتعاون الاستخباراتي العربي …الخ، كما ان طول مدة الحرب(24 شهر تقريبا) لم تكن في تصور اكثر الاسرائيليين تشاؤما.
6- لم يتوقع التقدير الاستراتيجي الاسرائيلي المخاطر اللاحقة المترتبة على التدمير الواسع للمباني على حركته العسكرية بهذا الشكل، فقد أعاق تدمير ما يقارب من 200 الف مبنى حركة القوات العسكرية الاسرائيلية، بل تحول هذا الركام الهائل الى معيق كبير لحركة الآليات وتسهيل المناورة العسكرية، بل تحول لسواتر للمقاومين وافخاخهم مما رفع من معدلات القتلى بين القوات الاسرائيلية.
7- ابدى نيتنياهو في مرات عده ذهوله من حجم التنامي لمعارضته الداخلية في الشارع الاسرائيلي، ولم يتوقع المجتمع الاسرائيلي التنابز الحاد في الحوارات السياسية في المؤسسات الاسرائيلية الى هذا الحد، ناهيك عن تفجر خلافات بين المؤسسات وبين التوجهات الدينية والعلمانية ، بل لم يصدقوا ان نسبة-دون مبالغة- من الشباب اليهودي في الخارج اصبح مشاركا احيانا في مظاهرات الاحتجاج على اسرائيل.
8- آخر المفاجآت هي ما رصدته مراكز ابحاثهم بخصوص الموقف العربي ، فلم تتوقع مراكزهم او خبراؤهم ان يكون الخذلان العربي للفلسطينيين الى هذا الحد وبهذا الوضوح ، فقد كانت هناك تحذيرات من ردات الفعل العربية والخوف على معاهدات السلام مع اسرائيل بل وعلى التوجه نحو التطبيع وتوسيع دائرة الاتفاق الابراهيمي…الخ، لكن الانظمة العربية كشفت عن عدم دقة كل هذه الهواجس.
9- لم يتوقع اي من المخططين الاسرائيليين ان تتخذ الهيئات القضائية الدولية الكبرى(محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية) وعشرات لجان حقوق الانسان في مختلف دول العالم هذه المواقف التي جعلت من نيتنياهو وغيره مطلوبين للعدالة الدولية ومن دول كانت تعتبرها اسرائيل مضمونة التاييد لها بخاصة في اوروبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب