🕊️ رواية: ظلال خلف الجدار ️ بقلم: المحامي علي أبو حبلة

🕊️ رواية: ظلال خلف الجدار
️ بقلم: المحامي علي أبو حبلة
الفصل الأول: بائعة الوهم
في إحدى المدن الفلسطينية، حيث تتقاطع الفقرات اليومية مع أوجاع الناس، كانت “أم نادين” معروفة بين النساء بأنها “الخطّابة التي لا تردّ طالبة”.
تتنقّل بين البيوت بابتسامتها الهادئة وعباءتها السوداء، تبيع الأحلام للفتيات كما يبيع التاجر بضاعته في السوق.
تتحدث عن “العريس من الداخل المحتل” وكأنه منقذٌ من الفقر، وتُغري العائلات بالوعود، فتقنع الأمّ الفقيرة والأب المديون بأن ابنتهم ستجد في الزواج فرصة للستر والغنى.
لكن أم نادين لم تكن تسعى لوجه الله، بل لما تدرّه الصفقات من المال.
كانت تعلم أن تلك الزيجات تعني الغربة والمعاناة، وأن الجدار لن يرحم من تعلّق خلفه دون تصريح أو هوية، لكنها كانت ترى في كل زواجٍ “عمولة جديدة” وفرصة للربح
الفصل الثاني: ريم والحلم الضائع
منار، فتاة في مقتبل العمر، من أسرة كادحة.
تحلم بالدراسة والعمل وبحياة كريمة تحفظ كرامتها.
لكن حين طرق بابهم شاب من داخل الخط الأخضر، ومعه الخطّابة “أم نادين”، تغيرت الأحلام.
قالت أمها وهي تمسح دموعها:
“يمكن ربنا بعتلك نصيبك عشان تنقذينا من همّ الفقر.”
تم الزواج سريعًا، بلا عقدٍ موثق ولا موافقات رسمية.
وفي صباحٍ رماديّ، عبرت منار الجدار إلى بيتٍ جديدٍ لا تعرف عنه سوى ما رُسم بالكلمات.
لكنها سرعان ما وجدت نفسها سجينة بين أربعة جدران، غريبة في أرضٍ قريبة، لا تملك تصريحًا للعودة، ولا بطاقة تُثبت أنها موجودة.
الفصل الثالث: الغربة والوجع
مرت الأيام ثقيلة.
منار لا تستطيع زيارة أهلها، ولا تسجيل نفسها أو طفلها في أي سجل رسمي.
الاحتلال يرفض منحها حق الإقامة، ويعتبر زواجها “قضية أمنية”.
زوجها يخاف الملاحقة، فيغلق الأبواب، ويتركها تواجه وحدتها وصمتها.
كانت تقف كل مساء عند النافذة، تنظر إلى الأفق الذي يفصلها عن أهلها، وتهمس لنفسها:
“أنا لست في الغربة… بل في قلب الوطن، لكن دون هوية.”
الفصل الرابع: عالقات بين الجدارين
لم تكن منار وحدها.
في مدنٍ وقرى مختلفة، فتيات كثيرات عشن المصير ذاته:
زيجاتٌ بلا اعتراف، أطفال بلا أسماء، وأمهات معلّقات بين قوانين الاحتلال وصمت المجتمع.
لمّ الشمل أصبح حلماً مؤجلاً، و”الخطّابات” ما زلن يبررن أفعالهنّ بعباراتٍ دينيةٍ جوفاء:
“إحنا نيسّر الحلال، والباقي على رب العالمين.”
لكن الحقيقة كانت أن الحلال تحوّل إلى تجارة، والزواج إلى صفقةٍ تُباع فيها الأحلام وتُشترى فيها مصائر الفتيات بثمنٍ بخس.
الفصل الخامس: المواجهة
حين اشتدّ الألم، قررت منار أن تكسر الصمت.
توجهت إلى جمعية نسوية في رام الله، وروت قصتها.
تحوّلت حكايتها إلى تقرير حقوقيّ أُرسل إلى منظمات دولية، يُوثّق الانتهاكات الناتجة عن منع لمّ الشمل، وغياب الحماية القانونية للفتيات الفلسطينيات اللواتي يُزففن خلف الجدار.
قال أحد الحقوقيين في الندوة التي عُقدت لاحقًا:
“ما يحدث ليس زواجًا بريئًا، بل شكلٌ جديد من التهجير القسري.
فالفقر يستغل، والنساء يُدفعن إلى مصيرٍ مجهولٍ باسم الستر.” وبيع الأوهام
الفصل السادس: السقوط والعبرة
حين ظهرت التحقيقات في الصحف، وبدأت القصص تتكرر، اختفى اسم “أم نادين” من الساحة.
لم تعد الناس تثق بابتسامتها، ولا بوعودها.
كانت تمرّ في السوق فيتجنّبها الجميع، كأنها تحمل لعنةً تمشي على الأرض.
وفي آخر أيامها، جلست وحيدة أمام المرآة، تتذكر وجوه الفتيات اللواتي باعتهن للوهم، وتهمس بخوف
“كنت أظن أن المال يُغني، لكنه لا يمحو الذنب.
الفصل السابع: ما وراء الجدار
منار اليوم أمّ لطفلٍ في السابعة من عمره.
لم يُسجّل رسميًا بعد، لكنه يعرف أنه فلسطيني.
في كل مساء، تجلس معه أمام الجدار، تشير بيدها إلى الجهة الأخرى وتقول:
“هناك بيت جَدّك، وهناك ترابنا الذي لم يفصلنا عنه إلا إسمنتهم.”
يسألها الصغير:
“ومتى نرجع يا أمي؟”
فتبتسم بحزنٍ وتقول: “حين ينهار الجدار، أو حين يفهم الناس أن الأوطان لا تُشترى بالصفقات.”
الخاتمة والعبرة
هذه الرواية ليست حكاية منار وحدها، بل حكاية كل فتاةٍ فلسطينيةٍ دفعتها الحاجة أو الجهل أو الطمع إلى مصيرٍ مجهول خلف الجدار.
هي صرخةٌ ضد من حوّلوا الزواج إلى تجارة، والستر إلى وسيلة كسب، وضد الاحتلال الذي يُشرعن الظلم بالقانون ويمنع النساء من حقّهن في الهوية والأسرة والانتماء.
العبرة:
إنّ من يتاجر بمصائر الناس فقد باع نفسه قبل أن يبيعهم،
ومن جعل المال غايته فقد خسر دينه وإنسانيته.
والزواج الذي لا يقوم على المودّة والرحمة والحقّ،
إنما يولد من رحم الوهم، ويموت في صمت الجدار.




