شهاب قواسمي رسام مقدسي يطوف في القدس والآفاق باترسون- نيوجرسي
شهاب قواسمي رسام مقدسي يطوف في القدس والآفاق باترسون- نيوجرسي
عبد الحميد صيام
«القدس العربي»: في مركز الجالية الفلسطينية في كليفتون/باترسون بولاية نيوجرسي، افتتح الفنان الفلسطيني المقدسي، شهاب قواسمي، معرضه عن مدينة القدس وجوانب من حياة الفلسطينيين في قرى وضواحي القدس يوم الأحد 9 تموز/يوليو بحضور عدد كبير من أبناء الجالية الفلسطينية والعربية وقيادات العمل الوطني والشعبي وأئمة المساجد والجمعيات القروية وعشاق صاحب «الريشة الذهبية» كما يحب أن يطلق على معارضه التي طافت في كثير من البلدان شرقا وغربا.
وقد عرض الفنان نحو ثلاثين لوحة نصفها تقريبا بالألوان والنصف الآخر بالأسود والأبيض في معظمها تحاول تصوير القدس كما كانت، مستخدما قلم الرصاص في نمنمات متوازنة تستغرق صبرا ووقتا وحنكة ليعيد الحياة لتلك البوابات والمآذن والأبراج والسور القديم والأسواق كما كانت في بدايات النزاع. وفي الجزء الملون تلتقط ريشة الفنان مناظر مميزة من القدس وناسها ونشاطها تظهر جماليات العمارة والمباني والأبواب والأدراج والمساجد والكنائس والناس فيها تفصح عن جماليات المدينة العريقة اليوم لتنطق بلسان بليغ «أنا سيدة المدائن جميعا».
شهاب قواسمي ابن القدس ولد عام 1959 في حاراتها القديمة وبالتحديد في حارة باب السلسلة المطلة على قبة الصخرة وساحات الأقصى وسور القدس العظيم، والتي تظهر في إبداعاته بأشكال وألوان، فقد ظل الفنان ملتصقا بالمدينة والحارة وتمثلها تجربة وإبداعا. اكتشف ميله للرسم مبكرا وبدأ ينمي هذه الملكة حتى نضجت وتعمقت بالدراسة أولا في معهد «بيت الفنانين» بالقدس وحصل على دبلوم الفن بعد سنتين ثم حصل على بعثة دراسية لدراسة الفنون الجميلة في أوروبا عام 1977 وهو يدرّس الآن فن الرسم في جامعة القدس ومعاهد فنية أخرى. وقد جمع لوحاته في كتاب «كان ياما كان- القدس قبل مئة عام» الذي صدر عام 2016 ويضم 70 لوحة بقلم الرصاص، كل لوحة كانت تستغرق 100 ساعة، كما يقول الفنان، وكلها تقدم القدس كما كانت في نهاية العهد العثماني. ويعمل الآن على إنجاز كتابة الجديد حول المهن المنقرضة في القدس.
بعد جولة مع الفنان عبر لوحاته جميعها أجرت «القدس العربي» مع الفنان قواسمي هذا الحوار.
○ ما أهم المحطات في حياتك؟
• أنا من مدينة القدس، أعمل في مجال توثيق كل ما يتعلق بالقدس عن طريق الرسم حيث اكتشفت ميلي لهذا الفن مبكرا. أكملت دبلوم الفن في معهد الفنانين بمدينة القدس، ثم حصلت على بعثة لدراسة الفنون الجميلة في فرنسا والنمسا لصقل الموهبة. وبعد ذلك بدأت أعرض لوحاتي في الوطن أولا، في كل فلسطين، وخارج فلسطين. عملت معارض في عمان والقاهرة واسطنبول وأنقرة وموسكو وسانت بطرسبرغ، والآن في نيوجرسي. وسعيد بأن أكون بين أهلي وأصدقائي من أبناء الجالية الفلسطينية الذين أشعروني أنني في القدس نفسها. جالية تتهلف للفن وتعشق القدس، فمن لا يستطيع زيارة القدس ها أنا أحمل القدس إليهم لتزورهم حيث يعيشون.
○ كيف تصنف نفسك من بين مدارس الفن الحديث؟
• أنتمي للمدرسة الواقعية. وأهتم بالتوثيق وهو ينطلق من الواقع. فرسم المكان الآن أو قبل 100 سنة يتطلب الانطلاق من شيء محسوس وموجود في الواقع كأن الريشة تتحول إلى كاميرا لالتقاط التفاصيل، أحاول أن أدمج الحاضر بالماضي في نفس المشهد. معظم الفنانين الكبار ينتمون للمدرسة الواقعية التعبيرية، وأنا لا علاقة لي بالمدارس الحداثية وبعد الحداثة من فن سوريالي أو تكعيبي.
○ من هم الفنانون الفلسطينيون الذين تأثرت بهم وكيف تقيّم فن الرسم في فلسطين؟
• هناك فنانون فلسطينيون ومقدسيون بالتحديد وصلوا لمستويات عالمية مثل سليمان منصور واسماعيل شموط. نحن نكمل بعضنا بعضا. الفنان الفلسطيني ملتزم وواقعي يدرك التاريخ من حوله، يدرك ما يدور في الوسطين السياسي والاجتماعي ويعبر عن ذلك بريشته. هناك فنانون اعتقلوا وآخرون اغتيلوا وفنانون داخل الأسر. الفنان الفلسطيني جزء من شعبه يعبر عن آماله وآلامه بريشته أو قلمه أو قيثارته أو صوته.
○ كيف ترى دور الفن في مقاومة الكيان المحتل الاستيطاني العنصري؟
• لا شك أن الفن له دور في النضال الشعبي. إنه شكل من أشكال النضال ضد الاحتلال والظلم والقهر في أي مكان في العالم، فما بالك فيما يجري في فلسطين؟ في السبعينيات كانت إسرائيل تنظر إلى الريشة بيد الفنان كما تنظر إلى البندقية في يد المقاوم. وهل أحد ينسى استشهاد فنان عظيم مثل غسان كنفاني، أو الشهيد ناجي العلي أو الشاعر الشهيد كمال ناصر؟ الكيان الصهيوني ما زال يقاوم هذا الفن لأن اللوحة لا تحتاج إلى ترجمة، رسالتها واضحة تصل كل الشعوب وتخترق كل الحواجز واللغات والثقافات.
○ نلاحظ أنك تزاوج في لوحاتك بين الألوان والأسود والأبيض، فهل من تفسير لهذا؟
• لوحات الأسود والأبيض كانت تتعلق بإصدار كتاب حول القدس قبل مئة سنة، وهذا اقتضى استخدام الأسود والأبيض ليعكس بدقة كيف كانت القدس آنذاك. أما اللوحات الملونة فتتعلق بالواقع الحالي. بعض اللوحات يلائمها أكثر أن تكون بالأسود والأبيض وتعطي قوة تأثير. بشكل عام الفكرة التي أريد أن أرسمها هي التي تفرض كيفية تنفيذها بالريشة الملونة أو بقلم الرصاص.
○ ما هي مشاريعك القادمة؟
• أولا عندي دعوات لمعارض في مصر وأوكرانيا وتركيا. وكذلك أعمل على كتاب جديد. أصدرت كتابي الأول عام 2016 بعنوان «كان يا ما كان». بعد ذلك بدأت أعمل على كتاب «قناديل الأقصى» وقد انتهيت منه مؤخرا وهو كتاب توثيق عن المسجد الأقصى بعدة لغات منها العربية والانكليزية والفرنسية والتركية. ومشروعي الجديد كتاب «مهن مقدسية منقرضة» يوثق لكثير من الحرف اليدوية والمهن التقليدية في القدس التي انقرضت مع تقدم التكنولوجيا مثل مهنة المجلخ (سنّ السكاكين المثلمة) ومبيّض الأواني النحاسية، ومعمّر (مصلح) بابور الكاز، والمنجّد وبائع العنبر والباعة المتجولين وغير ذلك الكثير. واجب علينا أن نكتب تاريخنا بأيدينا. معظم ما كتب عن القدس كتبه الأجانب. علينا الآن نعيد كتابة التاريخ الفلسطيني بأيدينا ومن وجهة نظرنا.
تصوير: «القدس العربي»