رئيس وزراء بريطانيا الأسبق براون لـ”القدس العربي”: معظم الشعب الأفغاني يؤيد تعليم الفتيات

رئيس وزراء بريطانيا الأسبق براون لـ”القدس العربي”: معظم الشعب الأفغاني يؤيد تعليم الفتيات
عبد الحميد صيام
نيويورك (الأمم المتحدة)- “القدس العربي”: بمناسبة مرور عامين على استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان وانتهاء الوجود الأمريكي بعد عشرين سنة، عقد غوردون براون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، والمبعوث الخاص للأمين العام لمسألة التعليم العالي في العالم ورئيس المجموعة التوجيهية رفيعة المستوى في “مبادرة التعليم لا يمكن أن ينتظر”، مؤتمرا صحافيا عن طريق الفيديو من مدينة أدنبرة، تحدث فيه عن المصاعب التي تواجه الفتيات والنساء في أفغانستان بسبب قرارات حركة طالبان بمنع البنات الالتحاق بالمدارس.
وقال براون في مؤتمره الصحافي إن منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس يعتبر جريمة ضد الإنسانية وقال إنه ينوي رفع المسألة إلى محكمة الجنايات الدولية، متمنيا أن تأخذ المحكمة هذا الموضوع بمنتهى الجدية.
وأضاف براون أنه استناداً إلى الرأي القانوني الذي تلقاه، يتبين أن حرمان الفتيات الأفغانيات التعليم، ومنع النساء الأفغانيات من العمل، يمثلان تمييزاً جنسانيا ويجب تصنيفهما على أنهما جريمة ضد الإنسانية. وحثّ المجتمع الدولي على ضرورة بذل المزيد من الجهود لاستعادة حقوق الفتيات والنساء الأفغانيات في التعليم والعمل وحرية التنقل، وإنهاء ما وصفه بأنه “أبارتهايد على أساس جنسي” ضد النساء والفتيات. وقال إن حركة طالبان فيها تياران واحد في كابول أكثر انفتاحا والآخر في قندهار متشدد ضد النساء وقد أصدر 54 فتوى تتعلق بالنساء من مجموع 80، بعض هذه الفتاوى يحرم على النساء زيارة الأماكن العامة والمقابر وتقديم الامتحانات.
براون: استناداً إلى الرأي القانوني، يتبين أن حرمان الفتيات الأفغانيات التعليم، ومنع النساء الأفغانيات من العمل، يمثلان تمييزاً جنسانيا ويجب تصنيفهما على أنهما جريمة ضد الإنسانية
واقترح براون خمسة إجراءات تهدف إلى تحقيق تقدم والضغط على حركة “طالبان”، وأهمها قيام المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في هذه الممارسة كجريمة ضد الإنسانية وتصنيف التمييز الجنسي كذلك جريمة ضد الإنسانية ومقاضاة المسؤولين عنها. وحثّ كذلك مراقبة الانتهاكات الجسيمة والإبلاغ عنها، استناداً إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” و”اتفاقية حقوق الطفل”، إضافة إلى دعم مطلب مقرر الأمم المتحدة الخاص لحالة حقوق الإنسان في أفغانستان، ريتشارد بينيت، الذي دعا المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات مباشرة على المسؤولين عن هذه القرارات.
جذور المشكلة
وقد فوجئ السيد براون بسؤال “القدس العربي” الذي أعاد مسألة الوضع في أفغانستان إلى جذورها بسبب احتلال أمريكي دام عشرين سنة. “السيد رئيس الوزراء، كنت من أوائل موظفي الأمم المتحدة الذين وصلوا كابل بعد رحيل طالبان. وصلت يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2001 وكانت الجثث ما زالت ملقاة في الشوارع. وقد كان الشعب الأفغاني سعيدا برحيل طالبان. ولكن، كما قالوا لي، إن طالبان ستعود مرة أخرى وتحكم البلاد إذا كرر الأمريكان أخطاء عام 1989 بعد هزيمة السوفييت. وهذا ما حدث. عشرون سنة من الاحتلال لماذا لم يتمكن الأمريكان من بناء دولة حديثة ذات مؤسسات مستقرة؟ لماذا انقلب الشعب الأفغاني ضد الوجود الأمريكي؟ أمريكا هزمت في أفغانستان من الداخل وليس من الخارج عندما انحازت غالبية الشعب الأفغاني لحركة طالبان. ألا ترى سيد براون أن هذه جذور المشكلة التي سمحت لعودة طالبان ليقيموا مثل هذا النظام؟”، فقال غوردون براون: “استمتعت لما قلت واستمعت لسؤالك. وقد ندخل في جدال طويل حول الأخطاء التي ارتكبت بين 2001 و 2021. وهذا جدال مشروع. لقد زرت أفغانستان مرارا لأمور تتعلق بالتعليم والصحة، وحاولنا أن نبني نظاما صحيا، وتعليميا ليس فقط من أجل الذهاب إلى المدارس بل من أجل التنمية وتطوير البلاد وجعلها أكثر ثروة وازدهارا. وحاولنا بناء نظام صحي أفضل من النظم السابقة. وأنا واثق أن غالبية الشعب الأفغاني يؤيد التعليم للفتيات ولا يتفق مع طالبان في منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس. كما أن انهيار النظام الصحي الآن يعرض العديد من حياة الناس للمخاطر. وبدل أن نعود إلى الجدل حول عشرين سنة خلت، مع أنني أتفهم ما تفضلت به، لكن الأهم من ذلك أن نعترف أن هناك أشياء عديدة يمكن القيام بها الآن والتي إلى حد كبير تنسجم مع رغبات الشعب الأفغاني في منح الفتيات الحق في التعليم”.
وقال براون إنه تواصل مع عدد من الدول الإسلامية حول موضوع تشكيل وفد لزيارة طالبان، لكنه أكد أن هناك العديد من المسؤولين الدوليين الذي يقومون بمثل هذه الاتصالات. “لقد حصلت محادثات مهمة في الدوحة ولكن لا بديل عن القيام بزيارة إلى البلاد والتحدث مع المسؤولين في قندهار وكذلك كابل. فبدل الحديث مع طالبان من الخارج لا بد من تشكيل وفود من بعض الدول التي لها تأثير على طالبان وزيارة أفغانستان والتحدث مع طالبان، والتأكيد على حق الفتيات في التعلم”.
من جهة أخرى دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، المجتمع الدولي إلى عدم نسيان شعب أفغانستان الذي “يقاسي ظروفا إنسانية واقتصادية مزرية بسبب القيود الصارمة التي تفرضها طالبان”.
سيما بحوث: طالبان فرضت “أكبر اعتداء شامل ومنهجي لا مثيل له على حقوق النساء والفتيات”
وقالت سيما بحوث، رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن طالبان ومنذ توليها السلطة فرضت “أكبر اعتداء شامل ومنهجي لا مثيل له على حقوق النساء والفتيات”. وقالت بحوث إن طالبان أصدرت أكثر من 50 مرسوما وأمرا وقيدا، الأمر الذي أثر على كافة جوانب حياة النساء وحريتهن، مشيرة إلى أن الحركة أنشأت “نظاما تأسس على القمع الجماعي للمرأة والذي يعتبر- على نطاق واسع- فصلا عنصريا بين الجنسين”.
وقالت بحوث إنها خلال زيارتها لأفغانستان هذا العام سمعت مرارا وتكرارا من النساء الأفغانيات كيف أثرت هذه “الأفعال الخاطئة والوحشية” على النساء الأفغانيات، وكيف أنها تؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمة الذات. وقالت إن هذه الأفعال تقلل من شأن نساء وفتيات وشعب أفغانستان. وأضافت: “إن هذا الانتهاك الصارخ للحقوق الأساسية هو ضرر يلحق بكل فرد منا في جميع أنحاء الأسرة البشرية. فهؤلاء هن أخواتنا. إنهن يعانين. لا يمكننا ولا يجب أن نقبل هذا. يجب أن يتوقف ذلك الآن”.
وأشارت سيما بحوث إلى أن النساء الأفغانيات أكدن لها إصرارهن على عدم الاستسلام على الرغم من هذه التحديات، وأنهن سيواصلن قيادة النضال ضد اضطهادهن. وقالت: “لم يفت الأوان بعد لتغيير مسار البلد، ولتغير طالبان سياساتها على أساس فهم أن احترام حقوق الإنسان وحمايتها ضروريان لازدهار الأمة وتماسكها واستقرارها. لشعب أفغانستان الحق في مستقبل يسوده السلام والوئام، وعلى طالبان، بصفتها سلطة الأمر الواقع، واجب ضمان إعمال هذا الحق”.
بحوث: النساء الأفغانيات يؤكدن على عدم الاستسلام على الرغم من هذه التحديات
ودعت المسؤولة الأممية جميع الجهات الفاعلة “للانضمام إلينا في دعم النساء الأفغانيات بكل الطرق، ورفع أصواتهن وأولوياتهن وتوصياتهن، وتمويل الخدمات التي هن بأمس الحاجة إليها، ودعم أعمالهن التجارية ومنظماتهن”. كما حثت المجتمع الدولي على مواصلة الضغط واستخدام كافة الوسائل المتاحة له للضغط من أجل التغيير، بما في ذلك من خلال الاستجابة لنداء المجتمع الإنساني والتمويل الكامل للنداء الإنساني لأفغانستان.
ودعت سيما بحوث طالبان إلى إعادة النظر وموازنة التكلفة الناجمة عن هذه الأفعال بالنسبة لحاضر أفغانستان ومستقبلها. وجددت التزام هيئة الأمم المتحدة للمرأة الثابت تجاه النساء والفتيات في أفغانستان.
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، ذكّر سلطات الأمر الواقع بالمسؤوليات التي تقع على عاتق أفغانستان- بموجب القانون الدولي- باحترام ودعم وتعزيز حقوق جميع الناس دون تمييز. وأعرب عن بالغ انزعاجه إزاء حالة حقوق الإنسان، ولا سيما القيود الصارمة المفروضة على النساء والفتيات والتي “تقوض حقوق النساء في الحصول على التعليم والعمل، وحريتهن في التنقل والمشاركة في الحياة اليومية والعامة من خلال سلسلة من المراسيم التمييزية التي أصدرتها طالبان منذ تسلم السلطة في البلاد”.
وأضاف تورك أن موظفي حقوق الإنسان الأمميين في أفغانستان يواصلون مراقبة وتوثيق ومناصرة مجموعة من قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء والفتيات، والحريات الأساسية، وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وحقوق المحتجزين.
ودعا المفوض السامي المجتمع الدولي إلى عدم نسيان شعب أفغانستان الذي يعيش حالة إنسانية واقتصادية مزرية تضاف إلى القيود الصارمة على حقوقه الإنسانية