مقالات
الحركة الإسلامية والعداء تجاه قوى الثورة والقوى المدنية الديمقراطية: التمدد عبر النفي والتخوين.. كتب: أحمد محمود أحمد
كتب: أحمد محمود أحمد -السودان
الحركة الإسلامية والعداء تجاه قوى الثورة والقوى المدنية الديمقراطية: التمدد عبر النفي والتخوين..
كتب: أحمد محمود أحمد
#الهدف_آراء_حرة
مدخل مفاهيمي:
العمل الجبهوي يعتبر من الأهمية بمكان فيما يتصل بطبيعة وتركيب الدول “النامية”، حيث يتطلب واقع هذه الدول وحدة القوى السياسية سواء كان عبر نضالها ضد الأنظمة الديكتاتورية أو عبر مرحلة الانتقال، وذلك من أجل وحدة القوى الشعبية وعدم تشتتها، إذ تسعى الأنظمة الديكتاتورية وعناصر الثورة المضادة لقطع الطريق أمام أي حراك شعبي عبر السعي لتفريغ المجهود الثوري وهذا يستدعي وحدة القوى الحية في المجتمع لقيادة الحراك الشعبي والمحافظة على ديناميكيته، وهذا هو أساس العمل الجبهوي والذي يقوم على برنامج الحد الأدنى من أجل الوصول بالجماهير وعبرها إلى مرحلة أن تختار هذه الجماهير من يمثلها..
القوى التي ترفض العمل الجبهوي عادة تتمثل في القوى الدينية المتطرفة واليسار الراديكالي، حيث تتعالى القوى الدينية على العمل الجبهوي استناداً للموقف من الآخر والمختلف وعلى أسس دينية متعالية، كما يرفض اليسار الراديكالي العمل الجبهوي نتيجةً لتصور يرتبط بصحة الأيديولوجيا وقدرتها على تحليل الواقع وفهمه أكثر من الآخرين وبالتالي رفض المرونة الثورية والذهاب نحو التغيير الراديكالي أو الجذري حسب تصور يقفز فوق المراحل أحياناً..
هذا المقال سيكون مهتماً بموقف الحركة الإسلامية من قوى الحرية والتغيير باعتبارها قد مثلت قوى الثورة وبعد ثورة ديسمبر، ولماذا يتكثف الهجوم ضدها بالدرجة التي تصل إلى التخوين؟.. و ما هي منطقية حكومة التكنوقراط التي تطرحها الحركة الإسلامية كبديل لقوى الحرية والتغيير؟.. وما هو أصل العداء؟.. وتناول الحرية والتغيير يأتي هنا كنموذج لقوى الثورة بالرغم من خروج أحزاب مهمة منها كالبعثيين والشيوعيين وكذلك تجمع المهنيين، وقد ظل العداء مستحكماً للحرية والتغيير وما زال مما يدلل على أن العداء هو ضد الفكرة نفسها، أي فكرة أي تجمع للقوى المدنية، ويمتد هذا العداء لقوى الثورة التي مثلتها “قحت” بعد ثورة ديسمبر..
تحليل الخطاب:
الحركة الإسلامية عموماً هي قوى عاجزة لأنها بلا مشروع أو رؤية لتغيير الواقع، والدليل على ذلك أنها قد حكمت السودان لثلاثة عقود ولم تخلُف إلا الدمار ومن ثَمَّ ضرب شعاراتها نفسها من خلال الفشل الذي صاحب تجربتها.. ولهذا فليس لديها ما تطرحه لاستقطاب الجماهير بعد سقوط شعاراتها الدينية، ولهذا فقد تم استهداف الحرية والتغيير وعبر التشابكات التالية:
أولاً: لقد جعلت الحركة الإسلامية ومنذ البداية الحرية والتغيير هو عدوها الأول نتيجة لعداء الحركة الإسلامية للثورة نفسها والتي أدت لسقوط نظامها، كما أنه عداء لفكرة الحرية التي تطرحها “قحت” والتي تعني حرية المواطن وشرعية ممارسة الديمقراطية كخيار أساسي في واقع السودان، في المقابل فإن الحركة الإسلامية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بحركة التغيير ضمن الأسس السلمية، وهذا ما كانت تسعى قوى الحرية والتغيير الوصول إليه.. وبما أن معاداة الجماهير غير ممكنة، لكن يمكن معاداة من يمثل هذه الجماهير عبر محاولة قطع الصلة ما بينها والجماهير فقد سعت الحركة الإسلامية إلى تخوين الحرية والتغيير باعتبارها ذات ارتباطات بقوى خارجية عبر ربطها بالسفارات الأجنبية والمبعوثين الدوليين.. كما يتصاعد هذا النهج لتقول الحركة الإسلامية إن الحرية والتغيير هي من أشعلت الحرب من خلال علاقتها مع حميدتي وغيرها من الاتهامات التي لا تعكس إلا طبيعة وتفكير الحركة الإسلامية التي فقدت شرعيتها أمام الجماهير، ولهذا فهي تحاول التمدد عبر شرعنة الكذب وتلفيق الاتهامات جزافاً.. هذا الموقف تجاه الحرية والتغيير قد تبلور عبر الفترة الانتقالية عندما سعت “قحت” لتصفية ركائز الحركة الإسلامية وعبر لجنة إزالة التمكين وضرب المرتكزات الاقتصادية للإسلاميين والتصدي لعودتهم مرةً أخرى للمشهد السياسي، هنا فقط تكمن العداوة، وهذا ما دعى الحركة الإسلامية للتاَمر على الفترة الانتقالية وتصعيد الأمر إلى مرحلة الحرب لقطع الطريق أمام الحركة الجماهيرية في تطلعها نحو الديمقراطية، وكل الممثلين لها وعلى رأس كل ذلك الحرية والتغيير والتي كانت حريصة على المبادىء الديمقراطية وليست ميالة إلى أي صيغة عسكرية.. ولكن ومن أجل خطاب التشهير ادعت الحركة الإسلامية أن الحرية والتغيير هي من أشعلت الحرب كيف؟.. فالحرية والتغيير ليس لديها سلاح ولا مليشيات كما لدى الحركة الإسلامية، وهي قوى مدنية بالأساس وتخوض صراعها عبر الخطاب السياسي وعبر علاقتها مع الجماهير.. ولقد عبرت الحرية والتغيير من قبل عن خطورة وجود المليشيات في العاصمة لكن أصرت الحركة الإسلامية على وجودها ناهيك عن تكوينها، وهنا نحن أمام حالة من خلط الأوراق المستهدف فيها البناء الحزبي كله في السودان.. فالحرية والتغيير كانت جبهة واسعة تضم أحزاب ونقابات ومهنيين، فهي تكوين مهم نتج عن ثورة ديسمبر و مصلحتها أن ينتصر خط الثورة، و هذا لا يعني وفي المحصلة النهائية أن الحرية والتغيير وعبر تجربتها كانت دون أخطاء وهذا أمر قد انتبهت إليه وقدمت نقداً ذاتياً شفافاً لهذه التجربة، كما أنها لا تخلو من خلافات، لكنها وبطبيعة تركيبتها فإنها لا يمكن أن تسعى للانقلابات العسكرية أو نحو البندقية لاشعال الحرب، وكل ما تطرحه الحركة الإسلامية في هذا الإتجاه يقع في دائرة الكيد والتلفيق المقصود.. ولهذا وضمن هذا السياق يمكن أن نقرأ شعار “قحط لا تمثلني” والذي تطرحه الحركة الإسلامية وحتى في زمن الحرب مما تتحول معه الحالة إلى حالة ثأرات مبطنة تحمل روح الانتقام والتشفي..
ثانياً: من ضمن الأُطروحات التي تحاول الحركة الإسلامية تصديرها هي الفكرة المرتبطة بالتكنوقراط أو الكفاءات، حيث تعتقد الحركة الإسلامية أن الحرية والتغيير غير قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية وأي مرحلة انتقالية، ويمتد عجز الحرية والتغيير حسب هذا المنظور حتى لحظة صندوق الانتخابات إذ تجزم الحركة الإسلامية أن الحرية والتغيير لن تفوز بالانتخابات وبالتالي فهي خارج المعادلة السياسية تماماً، ولهذا ترى الحركة الإسلامية أن الفرصة الوحيدة التي يمكن أن تحكم فيها الحرية والتغيير هي الفترة الانتقالية والتي ترى فيها الحركة الإسلامية مجرد سطو من قبل الحرية والتغير للنظام السياسي كله.. و يتم طرح فكرة حكم التكنوقراط من قبل الحركة الإسلامية كنفي مقصود لأي دور تتطلع إليه الحرية والتغيير.. والخطل والخطأ في هذا التصور يمكن تفكيكه و فق الرؤية التالية:
1- فكرة التكنوقراط في أصلها فكرة رأسمالية تتبناها الشركات الرأسمالية لأنها وكما يقول الكاتب الكندي “ألان دونو” تبحث عن خبراء أو أشباه خبراء والذين يحاولون إضفاء الشرعية على الأوليغارشية الاقتصادية المهيمنة والتعمية عن تجاوزاتها، ولهذا أطلق كتابه المعنون ب”نظام التفاهة” لتعرية ذلك المنظور الذي يلغي دور المثقف أو صاحب الرأي و استبداله بالخبير الذي يخدم مصلحة الشركات الرأسمالية فحسب..
2- مهمة الأحزاب السياسية هي الحكم وليست المراقبة المنعزلة عن التأثير في المجرى السياسي والدولة، وبشكل عام لا تقودها التخصصات إنما تقودها الفكرة التي تدمج هذه التخصصات وتوجهها باتجاه تنمية الدولة وتطويرها، وهذه الفكرة تصدر من الأحزاب وليس التكنوقراط..
3- في هذا العصر إنه لمن النادر ألا يكون لشخص ما انتماءه لليمين أو اليسار وعندما يصبح التكنوقراط رجال حكم لدولة ما فانهم يعودون لأفكارهم السياسية لقيادة الدولة، وهي الزاوية التي يمكن أن تدخل من خلالها الحركة الإسلامية لتصدير أشخاص باعتبارهم من الكفاءات لكنهم قد يحملون أفكاراً دينية متطرفة وبالتالي توجيه الدولة خارج المسار الديمقراطي..
4- لقد طرحت الحرية والتغيير فكرة التكنوقراط بعد ثورة ديسمبر من أجل إرسال رسالة أنها لا تسعى للسلطة ومن أجل المصداقية، وأعتقد أنه قد كان تصوراً غير صحيح بالرغم من نبل الفكرة حينها، وهذا ما أثر على طبيعة الفترة الانتقالية..
5- الجانب الأهم أن الحرية والتغيير وكما ذكرت سابقاً هي جماع لأحزاب سياسية ونقابات و مهنيين و قوى مدنية وشخصيات مستقلة وبالتالي هي فكرة إجماع تؤسس لنقلة حقيقية في المجال السياسي، ورؤيتها الأساسية هي التأسيس لنظام ديمقراطي يرسي قواعد التحول لهذا النظام عبر الفترات الانتقالية، أما الفوز في الانتخابات فهو رهين بإرادة الجماهير وخياراتها وهذا يخضع لعوامل عديدة والحاسم الوحيد في ذلك هو صندوق الانتخابات، وإذا جرت الانتخابات وعلى أسس صحيحة فإن الخاسر الوحيد هو الحركة الإسلامية، ولهذا يتأكد حرصها على الانقلابات والحرب الدائرة الاَن من أجل العودة عبر فوهة البندقية وليس عبر صندوق الانتخاب.
أخيراً: لقد فقدت الحركة الإسلامية السلطة عبر ثورة مهمة في تاريخ السودان، وهذا قد أفقدها توازنها وقطع الطريق أمام عودتها، ولهذا فهي تحاول العودة عبر النفي والتخوين للآخرين وافتعال الانقلابات والحروب من أجل النفاذ عبر الصيغة الانقلابية للسلطة مرةً أخرى، لكن وعي وموقف الحركة الجماهيرية وبرغم مأساة الحرب سيظل أقوى من ممارسات الحركة الإسلامية والتي ذهبت إلى مزبلة التاريخ والتي تحاول العودة منها عبر الدماء ولكنها لن تستطيع..