هوامش على قصائد مؤيد عبدالقادر ▪︎بقلم الأستاذ الدكتور محمد مظفر الادهمي
بقلم الأستاذ الدكتور محمد مظفر الادهمي
هوامش على قصائد
مؤيد عبدالقادر
▪︎الأستاذ الدكتور محمد مظفر الادهمي
في ديوانه (تغريدة ياسمينة شامية) تجد ان العراق والشام وثغر محبوبته هم الثالوث الذي تدور حوله قصائد الشاعر والصحفي مؤيد عبدالقادر ، والذي قدمت له الاديبة السورية ماجدولين الرفاعي، ووصفته بالقول : (بين القافية والوزن قصائد مسربلة بعطر نون النسوة ووجع الشتات وانين وطن سقط سهواً ذات جنون، وعنجهية الكبرياء ورقة العشق) . لقد وجَدْتُه يئن أنين النوق لوطنه العراق في وجع الفرقة والغربة، وهو يصرخ بكل ما في روحه للعراق أن لا يغضب منه وأن لا يقلق لأنه لن يفرط به مهما طال البعاد فيقول :
لا تحسب بُعدي عنكَ نسياناً يا وطني
فسنا عينيكَ،
بيتي.. رقّة أمي ..عنف ابي ..
وظفيرة من أعشق
فأنا ذاك المهووس
بحبّك يا وطني
أرجوك.. اتوسل إليك بسنا عينيك
يا أجمل ما عندي.. يا وطني
ان لا تغضب مني ..
وعلى (مؤيد)
في الغربة لا تقلق ولكي يثبت صدق عهده تراه في قصيدته (كبرياء عراقي) يحاكي كبرياء العراق بكبريائه في رفض الضعف والخضوع، فهو كبصرته سدٌّ منيعٌ، وكالعنقاء في بغداده التي ستنهض بوجهها السَطوع، وكأهله كبيرٌ لن يدركه الخنوع:
أنا وطنٌ يساكنني التجلّي
ومجدٌ ليس يغمره الخضوعُ
ف (دجلة) قوتي إنْ بانَ ضعف
وعصفة (بصرتي) السدُّ المنيعُ
أمامي للعُلى دربٌ مُنار
يغادره التقهقر والرجوعُ
ف (بغدادي) كما العنقاءُ قامت
يلازمُ وجهَها الألقُ السَطوعُ
أنا ذا العراق، إن حانَ حينٌ
فأهلي عصفهم قدَرٌ مُريعُ
أعيشُ على الكَفاف ، وأنَّ أهلي
كِبارُ ليس يدركهم خنوعُ .
ثم يعود في قصيدته (اعترافات ليست متأخرة كثيراً) المهداة إلى صديقه الشاعر حميد سعيد، فيُشبّه بألم وحسرة حال بلاده التي يمتزج فيها حقدُ هند بدم الحمزة الذي ألقيَ على الرصيف بين عساكر افترست الوطن ، ولم يجد أحداً ولا وطناً ، فقد أضاعوه ويا حزن المضاع:
هندٌ يدغدغُ حقدَها
دمُ حمزةَ المُلقى هناكَ
على الرصيف
وعساكرُ الإدقاعِ
تفترسُ الجزيرةَ والخليجْ
وعندما يتغنّى (مؤيد) ألماً بموطنه العراق الذي مزقه الغزاة واستباحوه وشردّوا أهله، فانه لم ينس في قصائده دمشق التي احتضنته في غربته ، فهو الذي كما وصفته ماجدولين ، (قد عشق الشام وياسمينها فعزف على (مقام) التسكع بين دروبها وأزقتها ..وآثر ان يترك القصائد طليقة كحمائم الشام في باحة الأموي) . ولذلك نجده يتغزل بدمشق مثلما يتغزل بحبيبته فيقول:
دمشق، المدينة المثقلة بالضوء والنور والجنون..
وأنتِ، المرأة التي اخترتُ أنْ
أكونَ بنكهة قهوتها ..
فكلاكما شفّافٌ مثل المطر
ونظيفٌ مثل المطر ..
صدّقيني، يا دمشق
صدّقيني يا امرأة الفصول الأربعة ..
كل شيء يتلاشى من حولي،
إلا أنتما.. فما فتئتُ عالقاً بين شفتيكما وجبينيكما
وجنونيكما وياسمينكما..
وتتصاعد مشاعر الوفاء والامتنان لدمشق التي يلقّبها بابنة العرب في قصيدته (اغتراب)، حين يجد فيها أهله دون غيرها من أرض الشتات، فيقول:
ما عدتُ أذكرُ أنَّ لي أهلاً باندلسّ
ولا العرا ، ولا حورانَ والنقبِ
صرتُ الشتيتَ بأرضِ اللهِ مُغْتَرِباً
والكلُّ يعرفُ معنى حزنِ مُغْتَرَبي
لولاكِ أنتِ، سلاماً جئتِ في حَرَبِ
بكِ استجارَ زماني إبنةَ العربِ..
ومع ذلك ، وعندما تتحول الصباحات لدى مؤيد وطناً، فإنه يعيش في هذه الصباحات، رائحةَ النرجس الدمشقي، وصوت بلبل بغدادي، ليتغزّلَ برفيقةِ دربِ أحلامهِ من الزوراء إلى الشام:
صباح النرجس الشامي
صباحاً مثل أحلامي
صباحاً فيه بغدادي
وروعة بلبل شادِ
يوزّعُ عطرَ أورادي
صباح الحلوة الحلوات
أميرة نغمة النغمات
رفيقة درب أحلامي
من الزوراء للشام..
وعندما يصل مؤيد إلى شاطيء حبيبته في قصائده الممتعة، يتحول من ذاك الثائر المُعتّد بنفسه إلى متعبّدٍ يجثو على ركبتيه أمامها، فيصفها بكل أوصاف الحب والرقة والحنان، ويتحوّل إلى مجنون متيم بها وبثغرها وبشفتيها ونهديها التي يتغزل فيها أينما حلّت في قصائده.
يهواك مجنوناً يدمره الجوى
هلا رأيتي متيماً كمؤيد؟
شفتاكِ تلثمه إذا أزفَ اللقا
ليضمَّ ريّاها بعاصفهِ الصدي
ويهدهدُ النهدينْ جدُّ متيّمٍ
للهِ درّهما إذا جارت يدي
فتهزّ أركانَ المخادعٍ ثورةٌ
ويهمُّ بالحلمات عصفُ تمرّدي ..
وعندما تبتعد حبيبة (مؤيد) عنه يزداد وهجاً وتعلّقاً، لأن حبّها ليس مجرد (عود ثقاب) يشتعل قليلاً لينطفيءَ إلى الأبد، أنما هو شعلة أبدية:
صورتكِ تُلهبُ نار قصائدي
تجعلني أتلاشى عشقاً
يذبحني بُعُدكِ سيدتي
فأنا رجلٌ تذبحه شفتاك.. نهداك.. والعينانِ
في شفتيك بسمةُ ربٍّ
وفي خديّكِ يحتفلُ الزهرُ مزدانا كالجذلان
وسنا عينيك مدن من أشعار
ويستمر الشاعر مؤيد في نسج أبياته الجميلة متغزّلاً بحبيبته التي يبدوأنها شامية، لكنه يراها بعيون بغدادية في قصيدته (وطن من ياسمين ):
ففي (شام) نقيم لنا صروحاً
وفي (بغداد) من عشق أصيل
سيلثمنا الحنان بثغر شوق
كعصف الجامحات من الخيول..
وفجأةً، وبدون سابق انذار، يفاجؤنا (مؤيد) باستقالته من لعبة النساء وكل ما تضمره النساء، في قصيدته: (استقالتي بشكلها النهائي !؟)، لكنه يبقى يحلم بتلك الشفاه التي تغزّل فيها بقصائده العاطفية الممزوجة بالجنون والمجون:
أعلن استقالتي
من نهدها وكيدهِ
من حلمتهِ
ومن مشدّهِ
بلى، أُعلن استقالتي
من نهدها الذي يوزّعُ
المكائد في مكمن الرؤى والقصائد
ويحمل الجنونْ
في كأسه المجنونْ
كي يوقظَ في دواخلي
مكامنَ المجونْ..
هكذا هو الشاعر والصحفي مؤيد، فهو الوطني الثائر، الذي أوجعه فراق العراق، وآواه دفء بلاد الشام، ليجد فيها حبيبة قلبه موطناً من حنان، لكنها لن تعوّضه عن حبّه للوطن الذي يطغى على جوانحه وشغاف قلبه، فكان سهلاً عليه ان يعلن استقالته من النساء ليبقى ملتصقاً بارض العراق .
▪︎اكاديمي ورئيس المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون في ظل الحكم الوطني الذي أسقطه الاحتلال.