دراساتكتب

كتاب “دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي” تاليف أحمد سعيد نوفل وعرض مصطفى كامل

تاليف أحمد سعيد نوفل-مركز الزيتونة للدراسات -عرض مصطفى كامل

 كتاب “دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي”
أحمد سعيد نوفل
عرض: مصطفى كامل
رابط التحميل في نهاية المقال
لا يبدو الحديث عن المخططات الصهيونية ضد الأمة العربية حديثاً خيالياً ولا استنتاجاً من باحثين أو كتاباً مهووسين بنظرية المؤامرة، وكيف له أن يبدو كذلك وهناك العشرات من الوقائع والشواهد المعززة بالأدلة والقرائن التي تؤكد وجود هذه المخططات الرامية لتفتيت الوطن العربي وتدميره والحيلولة دون نهضته ودون قيام مشروع عربي حقيقي للنهضة والتطوير.
وخلال ثمانية عقود، هي عمر المواجهة العربية المباشرة مع المشروع الصهيوني منذ تأسيس الكيان الصهيوني صدرت مئات الكتب والدراسات والأبحاث التي تتحدث عن هذا الموضوع، لكن كتاب الدكتور أحمد سعيد نوفل الموسوم “دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي” يتميز عن عديد من تلك الكتب والدراسات بمميزات عديدة، في مقدمتها لغته الواضحة وعباراته المختصرة وشمولية تغطيته ورؤيته الدقيقة لحقيقة الصراع وأبعاده القومية.
صدر الكتاب عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الذي تأسس في بيروت في منتصف عام 2004، ويُعنى بالدراسات الاستراتيجية والأكاديمية واستشراف المستقبل، ويُغطي مجال عملِهِ الوطن العربي والدول الإسلامية، ويستقطب نخبة من الباحثين بما يخدم القضايا العربية والإسلامية بشكل عام ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية وبدراسات الصراع مع المشروع الصهيوني.
والمؤلف، الدكتور أحمد سعيد نوفل، باحث أردني متخصص في العلوم السياسية، حاصل على شهادتي دكتوراه من جامعة القاهرة وجامعة السوربون، ويعمل في جامعة اليرموك الأردنية.
يقع الكتاب في نحو 200 صفحة موزعة على مقدمة وأربعة فصول تضم 12 مبحثاً وخاتمة مع لائحة بالمراجع.
خطورة المشروع الصهيوني
يهدف الكتاب إلى بيان حقيقة علمية من خلال دراسة أكاديمية موثّقة خطورة المشروع الصهيوني الذي يتجاوز الحدود الجغرافية المعروفة لفلسطين التاريخية، بما يمسّ الأمن القومي للأقطار العربية كلها، وأن المشروع الصهيوني غير معني فقط بإنشاء دولة يهودية في فلسطين، وإنما يُعنى أيضاً بإضعاف العالم العربي وتمزيقه وتجزئته وإبقائه في دائرة التبعية والتخلف.
يؤكد المؤلف في مطلع كتابه أن الأمة العربية والدول الإسلامية تواجهان في مطلع القرن الحادي والعشرين تحدياتٍ كثيرة تزيد عن تلك التي واجهتهم في القرن الماضي، موضحاً أن هذه التحديثات تهدّد وجودهم ووحدتهم ومستقبلهم وهويتهم الحضارية.
وتتمثل تلك التحديات في محاولات القوى الاستعمارية والصهيونية فرص مشروعاتها الهادفة إلى ترسيخ التبعية والتخلف والتجزئة والاحتلال على الوطن العربي.
لهذا فإن كان احتلال فلسطين، الذي هو نتيجة للمؤامرات الاستعمارية – الصهيونية، من أكبر التحديات التي واجهت العرب في القرن الماضي، فإن الاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق في مطلع هذا القرن، والعدوان (الإسرائيلي) المتجدد على لبنان وفلسطين، يمثلان تحديين كبيرين لا يقلّان خطورة عما واجهه العرب من قبل، بل يزيد، وهي تحديات تأتي في ظل نظام عربي رسمي ضعيف وغير قادر على التصدي لتلك التحديات، وعجزٍ عن اتخاذ موقف موحد لمواجهة مشاريع التفتيت والتجزئة التي تريد (إسرائيل) والقوى الغربية- وعلى رأسها الولايات المتحدة- فرضها على الوطن العربي.
يؤكد الكاتب على أن (إسرائيل) تقف خلف ما يحدث في فلسطين والعراق ولبنان، وخلف حالة التشرذم والتجزئة في الوطن العربي، لكونها تشكّل التحدي الرئيسي للامة العربية، ومؤشراً واضحاً على استمرار سياسة التجزئة التي فرضتها الامبريالية العالمية على العرب.
من خلال مبحثي الفصل الأول يعرض الكاتب المطامع الصهيونية في تمزيق الوطن العربي، ويربطها بالمصالح الاستعمارية الغربية، ويؤكد على حقيقة أن توحيد (يهود العالم) في (دولة) واحدة والعمل على جعلها مضمونة البقاء لا يتحقق إلا بتمزيق المحيط القريب، وهو الوطن العربي، والأبعد، وهو العالم الإسلامي، في دويلات مجزأة.
ويشير إلى أن تمزيق الوطن العربي وتجزئته يعدّ هدفاً قديماً للتحالف الاستعماري البريطاني الفرنسي للحيلولة دون إقامة دولة الوحدة العربية، حيث ارتبطت مواقف الاستعمار والصهيونية والامبريالية في هدف جوهري وأساسي لتحقيق المصالح الاستعمارية الأوروبية في انتزاع فلسطين من الوطن العربي مع المصالح الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لتمنع قيام دولة عربية موحدة بين أقطاره وتسلبه ثرواته وتستغل موقعه وتخضعه لإرادتها ومصالحها.
فقد حدّد المشروع الاستعماري- الصهيوني هدفين رئيسيين له هما:
1. توحيد اليهود في قومية واحدة ودولة وحدة
2. تجزئة الأمة العربية بإقامة دول مجزأة.
ومن هذين الهدفين الاستراتيجيين الكبيرين تتولد مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الأخرى.
ولو اختارت الحركة الصهيونية مكاناً غير فلسطين لإقامة الدولة اليهودية لما نالت التأييد الذي حصلت عليه من الدول الاستعمارية، لهذا فإن موقع فلسطين الجغرافي والاستراتيجي في قلب الوطن العربي زاد من أهميتها في المخططات الاستعمارية في الوطن العربي وجعل قادة أوروبا هم الذين يعرضون على اليهود إقامة وطن لهم في فلسطين، حتى قبل أن تطرح الحركة الصهيونية الفكرة بسنوت طويلة، حيث يؤكد الكاتب أن تلك الفكرة ظهرت في القرن السادس عشر، عندما تضافرت “حركة النهضة الأوروبية” و “حركة الكشوف الجغرافية” وغيرها في وضع أسس مستقبل القارة الأوروبية من خلال تفاعل الأفكار الاستعمارية وبعض الاتجاهات الدينية مع السمو العرقي الأوروبي والتفوق العنصري. وظهر بعض علماء اللاهوت البروتستانت تحدثوا عن “أمة يهودية” و “نهضة يهودية” وعن “فلسطين وطناً لليهود”.
ويشير إلى أن تلك الدعوات تطورت بعد الثورة الفرنسية بدعوة نابليون بونابرت يهود فرنسا في سنة 1799- قبل وعد آرثر بلفور بـ 118 سنة– إلى إعادتهم إلى فلسطين إذا ساعدوه في فتوحاته في الشرق.
ولم يكن ذلك العرض عائداً إلى اقتناع نابليون بـ “أرض الميعاد” بل لأن إقامة اليهود في فلسطين ستخدم المصالح الفرنسية في حروب فرنسا ضد بريطانيا في المشرق العربي.
ويعرض الكاتب كيف تطور الاهتمام البريطاني بفلسطين من مواجهة محمد علي باشا ومشاريعه للوحدة في الفترة 1832-1840 إلى وثيقة رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان التي تحدثت سنة 1907 عن إنشاء حاجز بشري قوي وغريب في المنطقة التي تربط آسيا بأفريقيا يكون معادياً لأهل المنطقة، ومعتمداً على الغرب، وكيف تآمر البريطانيون والفرنسيون في معاهدة سايكس بيكو رغم اتصالات لندن مع الشريف حسين، وصولاً إلى وعد بلفور سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
كما أبدت ألمانيا هي الأخرى اهتمامها بإقامة (وطن لليهود) في فلسطين من أجل حماية المصالح الأوروبية في “الشرق الأوسط”، وليكون حاجزاً يفصل مصر عن سوريا.
وفي الفصل الأول يتحدث الكاتب أيضاً عن كيفية قيام الصهيونية في الساحة الأميركية بدور مهم في الحصول على تأييد الوسط الديني الأميركي للمشروع الصهيوني في فلسطين، وذلك مستغلة انتشار المذهب البروتستانتي الذي يعتقد بأن مجيء المسيح المنتظر يجب أن يسبقه قيام الدولة اليهودية في فلسطين، ولهذا فقد دعا القس جون مكدونالد، وهو أحد كبار رجال الدين الاميركان سنة 1814 دعا الحكومة الأميركية إلى تبني أفكاره بعودة اليهود إلى فلسطين.
ويعرض كذلك تفاصيل المشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير برنارد لويس ونشر في حزيران/ يونيو سنة 2003، حيث اقترح حينها تقسيم ” الشرق الأوسط ” إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية و (إسرائيل).
ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات وسوريا إلى ثلاث والأردن إلى دويلتين ولبنان إلى خمس دويلات، فضلاً عن تجزئة السعودية إلى دويلات عدة. ويرى برنارد لويس أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوّق (إسرائيل) في العقود الخمسة القادمة على الأقل.
موقف الكيان الصهيوني من الأقليات في الوطن العربي
أما الفصل الثاني فيخصصه الكاتب لعرض موقف (إسرائيل) والحركة الصهيونية من الأقليات في الوطن العربي، ويؤكد أن الكيان الصهيوني سعى إلى تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها ضد أي مشروع وحدوي، وحضّها على التمرد والانفصال.
ويوضح أن الحركة الصهيونية ودولتها ، حاولوا منذ بداية الصراع العربي- الصهيوني استعمال شتى الطرق والوسائل لمنع قيام الوحدة العربية وإضعاف الأمة العربية. ومن بين اهم الوسائل هي تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي واستغلالها في وجه المشروع الوحدوي العربي، عن طريق الاتصال مع الأقليات في الأقطار العربية.
ومن وجهة نظر الكيان الصهيوني فإن العالم العربي تتنازعه الانقسامات الطائفية والعرقية والاثنية، ومن السهل اختراقه وإضعافه من خلال التآمر مع تلك الأقليات وتشجيعها على التمرد وإقامة دويلات منفصلة عن الوطن العربي، لأن انتشار الدويلات التي تحكمها أقليات دينية وإثنية هو الوسيلة الرئيسية لإضعاف الوطن العربي، وتعامل (إسرائيل) معها هو أقصر الطرق لتفتيته.
ومع أن معظم الأقليات في الوطن العربي أصبحت جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي العربي، إلا أن الكيان الصهيوني اتبع سياسة “فَرِّق تَسُد” في تعامله مع تلك الأقليات، وهي السياسة نفسها التي ورثها عن السياسة الاستعمارية الأوروبية، وتحديداً البريطانية، حيث استغل والدول الاستعمارية قضية الأقليات في الوطن العربي تأميناً لمصالحهم في المنطقة.
وحسب المؤلف فإن العرب يشكلون 88% من سكان الوطن العربي، أما الأقليات الأخرى فتتوزع على الأكراد والبربر والزنوج والتركمان، وهناك أقليات دينية مسيحية ويهودية.
ويذكر المؤلف أن 91% من سكان الوطن العربي من المسلمين و5% من مجمل السكان من العرب المسيحيين. ويلاحظ أن الجميع يتحدث العربية ويشعر بانتمائه الحضاري والثقافي للامة العربية.
وتُظهر الكثير من الأقوال والكتابات والدراسات (الإسرائيلية) أن الموقف الصهيوني من الأقليات في الوطن العربي مبني على أساس “شدّ الأطراف ثم بترها”، أي افتعال حروب طاحنة ونزاعات في أطراف الأمة بعيداً عن المركز وهو فلسطين، اضافة الى مدّ جسور العلاقة مع الأقليات، ثم جذبها خارج النطاق الوطني والقومي، ثم تشجيعها على الانفصال.
كما أشار إلى دراسة أستراتيجية مهمة وضعها عوديد ينون وقدّمها لوزارتي الخارجية والدفاع في الكيان الصهيوني، ونشرت في شباط/ فبراير 1982.
ويرى ينون أن اتفاق كامب ديفيد مع مصر كان “خطيئة ارتكبتها إسرائيل”، وإن إصلاح ما تسبب فيه الاتفاق من ضرر لـ (إسرائيل) يأتي من خلال السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية في الشمال وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية عاصمتها أسوان في الجنوب، ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة في الشرق تحت نفوذ الكيان الصهيوني.
وتحدث ينون عن تقسيم لبنان إلى سبعة كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى أربعة. ودعا إلى تفتيت العراق لأن قوته تشكل على المدى القصير خطراً أكبر من أي خطر على (إسرائيل) كما تحدث ينون عن تفتيت الخليج العربي، و “إذابة الأردن”. وفي عام 1985 صدر كتاب عن رئاسة أركان جيش الكيان الصهيوني يتضمن المخططات نفسها التي جاءت في دراسة ينون. وتحدث المؤلف عن مساعي الكيان في ضرب العراق وتفتيته، ودوره في تشجيع ومساندة أميركا في التخطيط وفي الهجوم على العراق وغزوه واحتلاله وإسقاط قيادته في ربيع 2003.
ولهذا فإن (إسرائيل) تسعى دائماً إلى إثارة الخلافات بين الشيعة والسنة والأكراد في العراق، وبين السنة والعلويين في سوريا، والموارنة والدروز والسنة والشيعة في لبنان، وبين الفلسطينيين والأردنيين في الأردن، والسنة والشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية، والمسلمين والأقباط في مصر، والشمال المسلم والجنوب المسيحي والوثني في السودان والعرب والبربر في الجزائر والمغرب.
كما أن زعماء الحركة الصهيونية لم يرفضوا وجود الأمة العربية فقط، بل دعوا إلى إقامة نظام سياسي- ثقافي جديد في (الشرق الأوسط)، لكي تختفي الثقافة العربية- الإسلامية في المنطقة. ويستعرض الكاتب بشكل أكثر تفصيلاً المشاريع (الإسرائيلية) لتفتيت كل من سوريا ولبنان والجزائر والسودان والخليج العربي.
الموقف الصهيوني من الوحدة العربية
بعد ذلك يناقش المؤلف في المبحث الأول من الفصل الثالث الموقف الصهيوني من الوحدة العربية، مؤكداً ابتداءً على أن قيام (دولة إسرائيل) المزعومة يتطلّب، على وفق رؤية مؤسسيها، أن تكون الأقوى والأكثر تفوقاً في المنطقة على جميع الصعد، مشدداً على أن هذه الفكرة تفترض موقفاً معادياً تماماً لفكرة الوحدة العربية.
ويشير الكاتب إلى أن الأدبيات الصهيونية والإسرائيلية ومواقف الزعماء الصهاينة ركّزت على نفي عروبة المنطقة والتشكيك في الوحدة العربية والقومية العربية، وكان مخطط تجزئة الوطن العربي إلى دويلات صغيرة فكرة ترددت باستمرار في التفكير الاستراتيجي (الإسرائيلي) وحلماً كبيراً سعت الحركة الصهيونية إلى تحقيقه منذ بداية المشروع الصهيوني، لأن وجود دولة عربية موحدة قادرة على أن تواجه الخطر الصهيوني وتحافظ على الأمن القومي العربي خطر يهدد وجود هذا الكيان.
وكانت النظرة الصهيونية إلى القومية والوحدة العربية مبنية على أسس عنصرية واستعمارية واستيطانية لاعتقادها بتفوق اليهود على العرب، وتفوق اليهود على الآخرين.
لقد ربطت الحركة الصهيونية مشروعها بالمشروع والمصالح الاستعمارية الأوروبية للعمل معاً على تفتيت الوطن العربي وإقامة دولة يهودية في فلسطين تمنع قيام الوحدة العربية.
ومن خلال استعراض وجهات نظر بعض السياسيين والمفكرين في الكيان الصهيوني من الوحدة العربية نلاحظ أن ما يقلق هذا الكيان هو أن تتحقق الوحدة العربية ولو بعد أجيال على يد جيل قريب من الإيحاءات التاريخية لحركة التحرر القومي العربي، ولهذا فإن الزعماء الكيان الصهيوني يريدون تفتيت الوطن العربي بدءاً بتقويض الكيانات الجغرافية القائمة حالياً وانتهاءً بمحو فكرة الأمة العربية الواحدة مروراً بضرب النظام العربي وتصفية مؤسساته الوحدوية.
ويستعرض المؤلف مواقف عدد من زعماء الحركة الصهيونية من الوحدة العربية، ويقدم نصوصاً موثّقة في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال ينقل الكاتب عن ناحوم سوكولوف، أحد زعماء الحركة الصهيونية، في مذكرة رفعها إلى وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 12/4/1916 قوله إن “إنشاء كومنولث يهودي في فلسطين تحت حماية إنجلترا سيقيم جداراً فاصلاً بين عرب آسيا وعرب الشمال الإفريقي، وهذا سيكون فيه خدمة كبرى لدولة تضم في حوزتها عرباً من الجانبين”.
ويخصص المؤلف المبحث الثاني من هذا الفصل لعرض المواقف الصهيونية و (الإسرائيلية) من قيام الوحدة العربية بين مصر وسوريا.
ويشير إلى أن الحركة الصهيونية و (إسرائيل) قامتا بترجمة أهدافهم ضد القومية العربية والوحدة العربية من خلال موقفهم من قيام الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958، إذ شعرت (إسرائيل) بأن وجودها أصبح في خطر جراء قيام دولة الوحدة.
وفي المقابل فقد تشكّل مع تلك الوحدة نهوض عربي شامل أثّر في إضعاف القوى المعادية للوحدة العربية، كـ (إسرائيل) والدول الغربية.
من هنا فقد طبّقت (إسرائيل) عملياً ما كانت قد أعلنته نظرياً من قبل، وذلك في إطار محاربتها للوحدة العربية في تعاملها مع الوحدة بين مصر وسوريا لأنها شعرت بأن تلك الوحدة قد وضعتها بين كماشة، وأنها تحشرها وستقضي عليها لذا فقد كانت أكثر المتضررين من تلك الوحدة.
كما رأت (إسرائيل) – مثلها مثل الدوائر الاستعمارية الغربية- أن الوحدة موجهة ضدها وضد مشاريعها في الوطن العربي وبالتالي فشل تلك المشاريع الداعية إلى تجزئة الوطن العربي.
ووجدت (إسرائيل) في الوحدة بين مصر وسوريا أنها تشكل نفياً لوجودها على أساس أنها تهدف إلى تدميرها، ما يدل على أن الانقسام العربي هو الذي يسمح لـ (إسرائيل) بالبقاء.
ومن الواضح أن القائمين على شؤون الكيان الصهيوني حينها درسوا التاريخ جيداً، لذا فقد عرفوا أن القائد صلاح الدين الأيوبي لم يستطع طرد الفرنجة من فلسطين إلا بعد أن أقام تعاوناً وقيادة موحّدة بين مصر والشام.
ويخصص مؤلف الكتاب المبحث الثالث من الفصل الثالث لبيان مواقف الكيان الصهيوني من العرب في مرحلة التسوية، فيؤكد أنه مع كون (إسرائيل) غير مؤهلة ولا مستعدة لتغيير موقفها من العرب في مرحلة التسوية، لأنها لا تستطيع أن تنسلخ من تراكم الموروثات المعادية للعرب إلا أنه في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى وبعد توقيع العديد من الاتفاقيات مع دول عربية نشأت نزاعات فكرية وسياسية داخل المجتمع (الإسرائيلي) فبينما بقيت كل الحركات اليمينية على حالها، أي في حالة عداء مطلق مع العرب، فقد نشأت آراء أخرى مختلفة أيضا، بمعنى أن حالة الحرب توحّد التيارات السياسية والفكرية داخل الكيان الصهيوني ضد العرب فيما تفرّقهم حالة التسوية.
ولإدراك الموقف الدقيق في هذا الخصوص يشير الكاتب إلى ضرورة فهم مواقف الأحزاب السياسية والحركات الفكرية والدينية داخل الكيان الصهيوني من قضية التسوية السياسية مع الدول العربية، فضلاً عن دراسة تفاصيل الإنفاق العسكري (الإسرائيلي) لتكوين صورة واضحة عن موقفها من العرب بشكل عام.
ويعرض المؤلف في المبحث الرابع المواقف الصهيونية من مشاريع ما يسمى بالشرق الأوسط والشرق الأوسط الكبير والمتوسطي. حيث تعترف دولة الكيان الصهيوني بأنها حاولت منذ الخمسينيات إقامة نظلم سياسي جديد في الشرق الأوسط من خلال الإطاحة بنظام الرئيس جمال عبدالناصر والنظم السياسية المعادية لها لكي تقود هي النظام الجديد وتسيطر عليه مستندة إلى ادعاءاتها بإنكار وجود العرب كأغلبية في المنطقة لكي تخلق لنفسها مبرراً لوجودها (دولةً) من دول الشرق الأوسط الذي لا يسيطر عليه العرب. ولهذا فإن زعماء (إسرائيل) لم يتركوا مناسبة إلا وتحدثوا فيها عن وجود قوميات مختلفة في الشرق الأوسط، وعن أن العرب لا يمثلون سوى قومية من القوميات التي تنضوي مع غيرها من الأمم.
مقارنة بين مشروع “الشرق الأوسط ” ومشروع الوحدة العربية
وبعد أن يعرض المؤلف المراحل التاريخية المتعلقة بفكرة ما يسمى بالشرق الأوسط يعقد مقارنة دقيقة بين مشروع الشرق الأوسط ومشروع الوحدة العربية، فيقول:
• إن المشروع الشرق أوسطي أوسع جغرافياً من المشروع الوحدوي العربي، لأنه يضم إلى جانب الأقطار العربية دولاً غير عربية مثل تركيا وإيران فضلاً عن الكيان الصهيوني.
• كما أنه غير متجانس بشرياً فهو متعدد الأجناس والأعراق والثقافات، بينما المشروع العربي متجانس بشرياً ولغوياً وثقافياً وحضارياً.
• وكذلك فإن المشروع الشرق أوسطي مرتبط بالنظام العالمي وبمصالح الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وبتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) بينما المشروع الوحدوي العربي يهدف إلى تحقيق المصالح العربية ومستقبل الأمة العربية من دون ارتباطات خارجية.
• ولهذا يخلص إلى تأكيد حقيقة أن المشروع الشرق أوسطي يهدف إلى تقطيع أوصال الوطن العربي وتجزئته ومحو الهوية العربية عن المنطقة، بينما المشروع العربي يهدف إلى تحقيق الوحدة العربية.
ويؤكد الكاتب أنه من الواضح بعد احتلال العراق فإن التصور الأميركي للشرق الأوسط لن يؤدي إلى اتجاه المنطقة نحو الاستقرار، بل إلى المزيد من الحروب وسفك الدماء، وها هي ثلاث اقطار عربية هي فلسطين ولبنان والعراق، شهدت منذ الاحتلال الأميركي للعراق سقوط عشرات القتلى يومياً من جراء تلك السياسة، بما يؤكد غياب الأمن والاستقرار في المنطقة.

تحميل الكتاب

https://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/BooksZ/Book_Israel-Role_Fragmentation-ArabWorld.pdf

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب