أخطار «التهجير» تصل أعلى مستوياتها في الأردن والسبب «الغطاء الأمريكي»: استعداد للاشتباك حتى «عسكرياً»

أخطار «التهجير» تصل أعلى مستوياتها في الأردن والسبب «الغطاء الأمريكي»: استعداد للاشتباك حتى «عسكرياً»
عمان / بسام البدارين
كرر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في قمة القاهرة موقفه ليس على صعيد المساعدات ووقف إطلاق النار في غزة، لكن على صعيد التحذير من «التهجير القسري» مجدداً.
قالها الملك الأردني ثلاث مرات في أسبوع واحد: «التهجير القسري خط أحمر».
والمقصود كما يشرح سياسيون أردنيون، ليس فقط التهجير القسري للسكان من الضفة الغربية في اتجاه الأردن، لكن أيضاً «سابقة» أي تهجير لسكان غزة في اتجاه الأراضي المصرية.
قبل ذلك، في مستجد الخطاب الأردني الرسمي إعلان وزير الخارجية أيمن صفدي مرتين على الأقل بأن التهجير القسري سينظر له أردنياً باعتباره «إعلان حرب» والمقصود إعلان حرب على الأردن، أو هكذا يشرح الموظفون الرسميون.
بالمقابل، تركيز شديد في وسائل الإعلام الرسمية على رفض المملكة لأي سيناريو يتعلق بتحريك أي كتلة ديمغرافية داخل الأراضي الفلسطينة لأي من دول الجوار.
وورد في بيانين صدرا عن رئيس مجلس النواب أحمد صفدي، رفض متجدد لأي تهجير.
المعنى هنا أن المؤسسة الأردنية بكل إمكاناتها الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، تركز بصورة غير مسبوقة على هذا الأمر. ولدى المؤسسة الرسمية قناعة بأن مصر ينبغي أن تصمد أيضاً في موقفها الرافض بصرف النظر عن أي ظروف.
عملياً وإجرائياً، جرعة التحذير الكبيرة في الخطاب المرجعي والدبلوماسي من التهجير القسري قدمت «مادة حية وحيوية» ساهمت في تغذية ليس مخاوف الأردنيين بالمخاطر الناتجة أو التي ستنتج عن السلوك الإسرائيلي مستقبلاً، بل أيضاً ساهمت في الحالة الغاضبة التي أججت الشارع شعبياً وسط الأردنيين.
وأغلب التقدير أن تلك الجرعة في المؤسسات البيروقراطية لها بصمة في سياق حرص وإصرار المتظاهرين على تنظيم فعاليات في منطقة الأغوار، بمعنى مساندة الموقف الرسمي في التأكيد على فلسطينية حدود المملكة ورفض التهجير والتحريك الديمغرافي.
ويفسر وزير البلاط الأسبق والخبير الدكتور مروان المعشر، أن المخاطر من اليمين الإسرائيلي بالجملة الآن. ويعبر السياسي مروان فاعوري عن قناعته بأن إسرائيل وفي لحظة التعاطف الغربي الكبير، لا بل الصليبي معها الآن، يمكنها أن تفعل ما تريد وتطيح بكل حزمة مصالح الدولة الأردنية.
بالمقابل، أغلب التقدير أن بروز مؤشرات «مقلقة» للمؤسسات الأردنية من الإدارة الأمريكية بخصوص ملف النازحين الآن في غزة هي التي دفعت الدولة الأردنية لأقصى طاقات التنبيه والرفض، لا بل الحرص على الاقتراب بصورة غير مسبوقة من مجمل تفصيلات ما يجري الآن في جنوبي فلسطين.
خلافاً لذلك، القناعات راسخة بأن مخاوف الترانسفير يبدو أنها جدية الآن، ودفعت السلطات الأردنية ليس فقط لتسهيل إجراءات التظاهر ومساندة المقاومة، لكن لاقتراح مساهمات شعبية خلف الستائر على القوى الحزبية القريبة من الموقف الرسمي، الأمر الذي يعتبر من أبرز المؤشرات على مخاوف حقيقية.
لكن ما يلاحظه المراقبون عموماً أن الحكومة الأردنية تخفي تقديراتها المباشرة والتفصيلية لمخاوف التهجير القسري التي برزت فجأة وبدلت في كل معطيات وإعدادات المشهد الأردني، فيما يوحي السلوك الرسمي ومعه التحرك الدبلوماسي بأن تلك التقديرات مبنية على «معلومات مثيرة ومهمة ومخيفة» على الأرجح، دفعت الخطاب المرجعي لإطلاق نفس الرسالة من مؤسسات سيادية.
ويشرح المخاوف العميقة أكثر بالسياق ما يتردد عن خطط وضعت لتدعيم صمود الشعب الفلسطيني قدر الإمكان في أرضه، وهو هدف تضمنه خطاب ملكي بالنص وتحدث عنه القطب البرلماني خليل عطية تحت قبة البرلمان متسائلاً علناً عن إجراءات الحكومة في الامتثال لهذا التوجيه المهم والوطني والضروري.
عطية أبلغ «القدس العربي» بأنه لاحظ قدراً من الاسترخاء بالخصوص حكومياً، مقترحاً المبادرة فوراً لدعم التوجيه الملكي بخصوص خطة عمل وخطط تنفيذ إجرائية قائمة على أساس تحديد كيفية دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
يعني ذلك أن «دعم صمود الفلسطيني على أرضه» أصبح خطة عمل أردنية وطنية ورسمية عميقة مطلوبة بإلحاح للحرص والسهر على موقف الأردن في رفض «التهجير القسري» ومن غير المعروف بعد كيف ستفعل المؤسسات ذلك في ظل القصف الإسرائيلي الوحشي والمربك.
على المحك هنا قدرة المؤسسات العملية على كسر الخط الإسرائيلي الذي يشتت الجميع والتمكن من مكونات مطلوبة لدعم الصمود في حالة استراتيجية نادرة يشعر بها جميع الأردنيون وهم يتعاملون سياسياً وإعلامياً وأمنياً مباشرة مع «أشباح الترانسفير» بمعنى دفع الفلسطينيين للهجرة في اتجاه شرق الأردن.
قد لا يفعلها الإسرائيليون الآن، لكنهم سيفكرون بها لاحقاً إذا لم تصمد مصر لأي سبب الآن… هذا ما يقال في أروقة القرار الأردني، وإن كان الحديث أردنياً أصلاً عن مخاوف الترانسفير سلوكاً مستجداً عمليا على المؤسسات البيروقراطية التي ترعرعت في ظل اتفاقية وادي عربة باعتبارها «حامية لحدود المملكة» واتفاقية «دفنت الوطن البديل» كما وصف موقعها الراحل الدكتور عبد السلام.
مسألتان يمكن القول إنهما تقررتا في المستوى السيادي الآن:
الأولى، أن التهجير القسري «خطر داهم» ولا بد من التصدي له.
والثانية، أن أول خطوة في التصدي هي «مد الفلسطيني في إمكانات الصمود على أرضه».
ما لم يتقرر بعد، هو حصراً الإجابة عن السؤال التالي: كيف نفعل ذلك؟
ـ «القدس العربي»: