مقالات

لوموند: قطر ترسخ نفسها كوسيط مفصل بين إسرائيل وحماس ودبلوماسيتها أتت بثمارها مرة أخرى

لوموند: قطر ترسخ نفسها كوسيط مفصل بين إسرائيل وحماس ودبلوماسيتها أتت بثمارها مرة أخرى

باريس- “القدس العربي”: قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في مقال للصحافي المخضرم بالصحيفة بنجامين بارت ، إن الدبلوماسية واسعة النطاق التي تتبعها دولة قطر قد أتت بثمارها مرة أخرى، حيث إن هدنة الأربعة أيام، والتي دخلت حيز التنفيذ في قطاع غزة هذا الجمعة 24 تشرين الثاني/نوفمبر، تعترف مرة أخرى بالنجاعة التي تتمتع بها وساطة قطر، القادرة على التحدث إلى حماس التي تتمركز قيادتها السياسية في الدوحة، وكذلك إلى الولايات المتحدة التي لديها قاعدة عسكرية كبيرة في رمال شبه الجزيرة الصغيرة، وإلى رئيس الموساد (جهاز الأمن الاستخباراتي الإسرائيلي). فقطر أثبتت نفسها كمحور أساسي للهدنة، إلى جانب مصر.

هذا الاتفاق القاضي بتبادل 50 رهينة محتجزين في غزة مقابل 150 فلسطينياً مسجوناً في إسرائيل، ينبغي أن يمهد الطريق لتهدئة أولى في الحرب، التي تسببت في مقتل 1200 إسرائيلي و14000 فلسطيني وتدمير أو إتلاف أكثر من نصف المنازل في قطاع غزة. “نظرًا لعدم وجود خط هاتفي بين مدينة غزة من جهة، ومكتب واشنطن وبنيامين نتنياهو في القدس الغربية من جهة أخرى، كان دور قطر في هذا الاختراق الأولي مركزيًا، وكذلك دور مصر”، تنقل الصحيفة عن عادل حمايزية، متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مركز بيلفر في كلية كينيدي بجامعة هارفارد.

كما تنقل “لوموند” عن مسؤول قطري رفيع المستوى، تحدث لها شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: “كانت المفاوضات صعبة للغاية في البداية، وشبه مستحيلة، حيث كان مستوى الغضب مرتفعاً.. واصلنا الحديث مع المعسكرين، ومن أجل استعادة القليل من الثقة بينهما، بدأنا بخطوات صغيرة”، في إشارة إلى إطلاق سراح رهينتين أميركيتين، في 21 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أسبوعين من هجوم حركة حماس على إسرائيل.

مسؤول قطري: كانت المفاوضات صعبة للغاية في البداية وشبه مستحيلة، حيث كان مستوى الغضب مرتفعاً

ويواصل المصدر الرسمي القطري قائلاً: “لقد استغرق إخراجهم سبع ساعات. كان لدينا شخص على الهاتف مع الإسرائيليين، وآخر مع حماس، وثالث مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وكان لا بد من تعليق العملية عدة مرات، خاصة وأن الإسرائيليين كانوا يرسلون طائرات استطلاع بدون طيار فوق غزة والتي اتفقنا على عدم استخدامها.”

وأوضحت “لوموند”، وفقاً لمصدر مقرب من المفاوضين، أنه الطرفين اقتربا جداً، في 25 أكتوبر/تشرين الأول، من التوصل إلى اتفاق؛ لكن طلب الإسرائيليين تقديم دليل على حياة الرهائن، قوبل بالرفض من قبل حماس، مما أدى إلى خروج الاتفاق عن مساره”. وبعد يومين، شنت إسرائيل العملية البرية ضد غزة، وهو التطور الذي أدى إلى توقف مؤقت للمفاوضات. كما أن الانفعالات الناجمة عن الهجمات على المستشفيات في غزة وقطع شبكات الهاتف المحمول، والتي منعت الجناح السياسي لحركة حماس في الدوحة من استشارة الجناح العسكري في غزة، أعاقت المناقشات أيضًا.

وتابعت “لوموند” التوضيح أن جهود الوساطة القطرية يقودها رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الأربعيني محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والذي نال مكانته كرجل موثوق به لدى أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال الأزمة الخليجية، بين عامي 2017 و2021، والتي خرجت منها الدوحة منتصرة، تقول الصحيفة الفرنسية، مضيفة أن رئيس الحكومة يستعين في اتصالاته اليومية مع الأطراف المتحاربة بالحقوقي محمد بن عبد العزيز الخليفي، ممثل الدوحة السابق لدى محكمة العدل الدولية، والذي تمت ترقيته مؤخرا إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية. وتمكن الرجلان من الاعتماد على فريق عمل، مكون من حوالي عشرة دبلوماسيين، يعمل منذ عام 2014 على قضية محددة تتعلق بغزة والعلاقات بين إسرائيل وحماس.

ومضت “لوموند” موضّحة أن مفاوضات الهدنة، التي جرت في أقصى درجات السرية، استفادت من علاقة الثقة التي أقامتها قطر مع حركة حماس التي يقيم الرئيس الحالي لمكتبها السياسي إسماعيل هنية في الدوحة، وكذلك سلفه خالد مشعل، الذي أصبح الآن ممثل حماس في الشتات الفلسطيني. وجعلت الحركة من العاصمة القطرية قاعدتها الرئيسية خارج الأراضي المحتلة منذ عام 2012، عندما اضطرت إلى مغادرة دمشق، بسبب رفضها دعم قمع الانتفاضة المناهضة لبشار الأسد.

هذا النقل إلى الخليج “تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة”.

كان البديل هو لبنان، الدولة الهشة للغاية، أو إيران، العدو اللدود لواشنطن، التي رأت في الدوحة على أنها الخيار الأفضل، كما تنقل “لوموند” عن سلطان بركات، أستاذ السياسة العامة في جامعة حمد بن خليفة في الدوحة، المطلع على عمليات الوساطة القطرية. ووفقاً للمسؤول القطري المذكور أعلاه، كان واشنطن قد طلبت من الدوحة قبل ذلك بسنوات فتح قناة اتصال مع حركة حماس في عام 2006، في أعقاب فوزها المفاجئ في الانتخابات التشريعية.

واعتبرت “لوموند” أنه من خلال إسناد هذه المهمة إلى قطر، حاول البيت الأبيض والعواصم الأوروبية الكبرى معالجة الحظر المفروض عليهم من التحدث مباشرة مع حماس، بسبب تصنيفها من قبلهم على أنها “منظمة إرهابية”. في قرار اتخذ في أعقاب العمليات التي نفذتها خلال الانتفاضة الثانية في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبموافقة ضمنية من شركائها الغربيين، انخرطت الدوحة في محاولات المصالحة بين حماس ومنافسيها من فتح، الذين طردوا من غزة في عام 2007. كما شاركت، بالاشتراك مع القاهرة، في جهود وقف إطلاق النار، خلال الفترة ما بين عامي 2008-2009.؛ وحروب أعوام 2012 و2014 و2021 مع إسرائيل. وفي عام 2012، قام الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني، حاكم قطر آنذاك، بزيارة غزة.

وشهدت العلاقات مع الدولة اليهودية، التي لم تعترف بها قطر رسميا، صعودا وهبوطا، توضح “لوموند” دائماً، مشيرة إلى أنه فتح اسرائيل لمكتب تجاري في الدوحة خلال التسعينيات، قبل أن يتم تعليقه بعد عملية إسرائيلية في غزة. وتمت استعادة الحوار الأمني ​​في السنوات الأخيرة بهدف احتواء اندلاع أعمال العنف في قطاع غزة قدر الإمكان. و اعتبارًا من عام 2018، وبموافقة بنيامين نتنياهو، تولت قطر دور المانح لحماس، حيث دفعت جزءًا من رواتب موظفيها المدنيين في غزة وتمويل عمليات توصيل الوقود إلى القطاع.

في 25 أيلول/ سبتمبر، قبل أقل من أسبوعين بقليل من بدء الحرب الجارية ، كان ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، في الدوحة، تتابع “لوموند”، موضحة أن هدف هذه الزيارة كان التفاوض على إنهاء المظاهرات التي تم تنظيمها على طول السياج مع إسرائيل ضد إعادة فتح سوق العمل الإسرائيلي أمام سكان غزة الحاصلين على تصاريح. منذ ذلك الحين، زار المسؤول الإسرائيلي الدوحة ثلاث مرات على الأقل: في 28 أكتوبر، وفي 9 نوفمبر، بصحبة ويليام بيرنز، نظيره في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم في 22 نوفمبر، لتحسين تفاصيل اتفاقية الهدنة وتبادل المحتجزين التي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من صباح هذا الجمعة. وهي نسبة لا تتناسب مع تلك التي فرضت خلال إطلاق سراح الفرنسي- الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، مقابل أكثر من 1000 فلسطيني.

كما أن المفاوضات بشأن حجم المساعدات الإنسانية المسموح بدخولها إلى غزة كانت صعبة للغاية. وقال سلطان بركات: “تحدثت قطر مع حماس، في حين قامت الولايات المتحدة بمعظم العمل مع إسرائيل”.

وقبل أربع وعشرين ساعة من بدء إطلاق سراح السجناء، يوم الجمعة، عبر المسؤول القطري المذكوره أعلاه عن تفاؤل حذر. وأضاف: “نعتقد أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، والذي يمكن تمديده، سيؤدي إلى اتفاقيات أخرى”، في إشارة إلى البند الذي ينص على أنه بعد إطلاق سراح أول 50 رهينة، فإن أي إطلاق سراح لـ 10 رهائن إضافيين سيؤدي إلى تمديد الهدنة لمدة أربع وعشرين ساعة.

ومن المفترض أن تستغل حماس الأيام الأربعة الأولى من وقف القتال لتحديد مكان وجمع رهائن آخرين، بعضهم محتجز لدى الجماعات المسلحة الصغيرة، التي لا علاقة لها بالحركة. ويخلص المصدر القطري إلى أن “تعليق القتال سيسمح بالتحدث بهدوء أكبر، كما أن عمليات التحرير ستعزز الثقة”، كما تنقل عنه “لوموند” دائماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب