فلسطين

الضفة الغربية تغرق بطوفان الإشاعات ومطالبات بـ”لجنة شعبية لمحاربتها” ومركز “إدارة للأزمات”

الضفة الغربية تغرق بطوفان الإشاعات ومطالبات بـ”لجنة شعبية لمحاربتها” ومركز “إدارة للأزمات”

سعيد أبو معلا

منذ أن بدأ الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” لم تتوقف سلاسل الإشاعات التي تجتاح الضفة الغربية وتفترس سكانها الذين وقعوا فريسة سهلة لحبالها في ظل أنها تنطلق من نقص في المعلومات وحاجة المواطنين للمعرفة وتنامي الأخبار المفبركة على المنصات الاجتماعية.

وتنوعت الإشاعات التي تداولها المواطنون باتجاهات وحقول كثيرة، فتارة ظهرت إشاعة مرتبطة بعدم تزويد الضفة الغربية بمشتقات البترول، وتارة أخرى إشاعة تقول إن الحبوب والمنتجات الغذائية لن تدخل الضفة الغربية لستة أشهر، وليس أخيرا مع إشاعة تقول إن الاحتلال يسعى إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن الذي رحب بذلك.

وتقوم الإشاعات بالعمل على إغراق الضفة الغربية بمجموعة كبيرة ولا حصر لها من الهموم والمخاوف الفردية والجمعية حيث ينشغل المواطنون بها بدلا من التفكير بطرق دعم وإسناد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وتنوعت مسارات الإشاعات ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، وان كان أبرزها ما أشيع عن نية سلطات الاحتلال تهجير المواطنين الفلسطينيين إلى الأردن. والإشاعة الأخيرة دفعت رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قبل نحو أسبوع إلى التصريح في اجتماع مجلس الوزراء الأخير (الاثنين الماضي) إلى القول إن من يبثون الإشاعات ويثيرون البلبلة في الشارع الفلسطيني هم الاحتلال الإسرائيلي وأدواته.

وقال: “الذي يبث الإشاعات ويثير البلبلة هو الاحتلال وأدواته، أدعوكم إلى الثبات والصمود، وعدم التعاطي مع أصحاب النوايا السيئة، شعبنا سيبقى على أرضه صامدا، وقد عبرنا ظروفًا لا تقل صعوبة عن هذه، واستمرت قضيتنا واستمر نضالنا وسيستمر إلى حين دحر الاحتلال، وإقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة متواصلة الأطراف في غزة والضفة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين”.

الميكرفون الموجود بعيد عن الناس

وبحسب الناشط الشبابي والإعلامي جاد قدومي فإن الإشاعات التي ضربت الضفة الغربية ما بعد “طوفان الأقصى” انتشرت في الشهر والنصف الماضيين، لكنها ما زالت حتى اللحظة وستستمر أيضا في ضوء تعاطينا الخاطئ معها وعدم وجود معالجة لها.

وتابع: “نلاحظ أن هذه الإشاعات تعتمد في أغلبها على التهويل والتخويف ودب الرعب في نفوس المواطنين من أجل أن تؤثر عليهم وتضرب مناعتهم الداخلية وتحول في مسار اهتمام المواطنين”.

ويشدد أن جزءا من الشائعات التي انتشرت اعتمد على وقائع موجودة فعليا، لكن دور الإشاعة كان في تضخيم وتهويل هذه الوقائع حتى تؤثر في النفوس وتقود إلى تحقيق الأثر المطلوب منها.

ويضرب مثالا بالشائعات تلك التي تتعلق بسيطرة الاحتلال على المحتوى الرقمي الفلسطيني على المنصات الاجتماعية، حيث تظهر إشاعات أن الاحتلال يسيطر فعليا على المنصات ويراقبها جميعا، إلى جانب ممارسات الاحتلال بحق ما ينشره النشطاء على المنصات الاجتماعية من اعتقال وتعذيب ومطاردة ومراقبة.

ومن نتائج هذه الإشاعات الواضحة أن هناك استهدافا بحق النشطاء فيما قرر الكابينت الإسرائيلي تغليظ العقوبات وتنفيذ اعتقالات وتهديد المواطنين…الخ، “هنا تسري الشائعة بطريقة مذهلة لدرجة أن المحتوى الفلسطيني يختفي من وسائل التواصل الاجتماعي” بحسب قدومي.

ويضرب الناشط القدومي مثالا ثانيا للشائعات الخطيرة التي يتم توظيفها في لحظة زمنية فارقة وتحديدا يوم ارتكاب الاحتلال لمجزرة المستشفى المعمداني في قطاع غزة قبل أسابيع، حيث كان هناك عدد ضخم من الجماهير المحتشدة وسط مدينة رام الله، وفي ذروة ذلك الغضب والرفض والاحتجاج خرجت إشاعة في المدينة مفادها أن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة سيلقي خطابا تمام الساعة 12 ليلا، وهو أمر دفع بالمواطنين لانتظار كلمته المرتقبة، والانفضاض من الميادين لسماع كلمته ولمعرفة موقفه وردود فعله.

 ويرى أن بث الاشاعة كان فيه نوع من التهدئة والتنفيس عن غضب المواطنين، وهو ما جعل الناس ترتاح نسبيا بحيث خفت حدة الغضب الشعبي في انتظار كلمة أبو عبيدة.

وشدد أن المشكلة المركزية في الحالة الفلسطينية أن الناس لا تستقى أخبارها من المواقع الإعلامية الجادة والرصينة، فمثلا كان يمكن العودة لقناة أبو عبيدة للتحقق ومعرفة صحة ما انتشر بين المتظاهرين الغاضبين.

ويرى أن الاشاعة تنتشر بالشارع الفلسطيني بطريقة كبيرة وضخمة وهي متعددة الأهداف، فأحيانا تكون تهدف إلى قلب الحقائق أو السيطرة على الجماهير، أو كبح جماح حالة التضامن عبر النشر والكتابة على المنصات الاجتماعية وبالتالي السيطرة على النشطاء والرأي العام، إلى جانب التغطية على التخاذل عبر اختلاق أشياء مختلقة ومصطنعة.

ويرى قدومي أن سبب الاشاعات هو ارتباك المنظومة الإعلامية وهو أمر يخلق ارتباكا عند المواطنين، إلى جانب السرعة في نقل الأخبار من دون تحقق، وأحيانا تكون بريئة ولكنها بكل الأحوال مضرة، حيث يغيب التحقق قبل النشر والضعف في متابعة وسائل الإعلام المهنية لصالح المنصات الاجتماعية.

ويرى أن المصيبة فلسطينيا أن هناك غيابا كاملا وشاملا لفعل يحارب الشائعة ويتصدى لها بسبب عدم وجود أي منظومة إعلامية حكومية حزبية منظمة في الضفة الغربية.

وعلق ساخرا: “ما نلاحظه أن المنظومة الموجودة تساهم في جزء من الشائعات وليس العكس”.

وشدد أن النقطة الجوهرية فيما يجري في الضفة هو أن المسؤولية تقع على عاتق الناس الذين يقع عليهم دور مهم في استقاء الأخبار من مصادر موثوقة، في ظل غياب منظومة تحارب الشائعة.

ويعلق ساخرا: “الميكرفون الموجود بعيد عن الناس وتوجهاتهم وبالتالي لا يخاطب الناس، هذه مشكلة كبيرة. وبالتالي أرى الحل أن تتشكل جبهة شعبية لمحاربة الشائعة”.

العزف على الوتر الحساس

بدوره، يعلق رئيس قسم دراسات الصراع في الجامعة العربية الأمريكية د. أمجد أبو العز، على أبرز الإشاعات التي أدخلت المخاوف إلى عقول وقلوب المواطنين في الضفة الغربية وهي التي تتعلق بالتهجير إلى الضفة الشرقية (الأردن) مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى سببين الأول، له علاقة بمنشورات المستوطنين وتعميمها في مناطق سلفيت ونابلس وكذلك المنصات الاجتماعية عبر تمويلها بكثافة، والسبب الثاني ما يجري في غزة حيث هناك برنامج وخطط للتهجير مصرح بها، وهي أمور مرتبطة مع ما هو راسخ في ذاكرة الفلسطينيين الجمعية حيث العزف على الوتر الحساس عند الفلسطينيين في ظل ما تعرض له الفلسطينيون خلال عامي 1948 و1967.

وشدد ان الشائعة تستند إلى وقائع ولعل أبرزها حقيقة غياب شعور المواطنين بالأمن في الضفة الغربية، وهذا حقيقي، وغياب قوة فلسطينية مركزية تقدم الأمن وتطمئن الفلسطينيين و”ذلك مع تصاعد خطاب “احمونا” الذي تم التوجه إلى الجهات الدولية” بحسبه.

وإلى جانب غياب الأمن الشخصي في الضفة الغربية كعامل مهم في تصديق الإشاعات يشدد الأكاديمي أبو العز أن ذلك يترافق مع غياب خطاب رسمي من السلطة الفلسطينية، فغالبا ما لا يوجد جهات تقوم بالرد على الموضوعات التي تثير اهتمام المواطنين وتشغل بالهم.

ويرى أن الحقيقة تقول إن “هناك فراغا يعبأ بالإشاعات، سواء ما تعلق بانقطاع البنزين أو الطحين…الخ، وهو ما يترجم إلى حالة غير عقلانية من التدافع على الشراء المجنون، وكذلك إشاعات مثل استعداد الأردن لاستقبال الفلسطينيين رغم أن الخطاب الرسمي الأردني يقف بعناد ضد ذلك، وصولا إلى هجمات المستوطنين على البلدات والقرى القريبة من المستوطنات وتحديدا في منطقة نابلس..الخ”.

ويرى أن المشكل الأكبر يرتبط بأنه “لا يوجد صوت حاضر للرد على الإشاعة، هناك غياب كبير للإعلام في الرد على الإشاعات، وحتى لو جاء الرد فإنه يكون متأخرا”.

ويرى الخبير في دراسات الصراع د. أبو العز أنه “لا يوجد فلسطينيا ما يعرف بخلية إدارة الأزمة، وهي خلية يكون عملها وفق أربعة عناصر رئيسية ومتسلسلة على التوالي وهي: توفر المعلومات، وسرعة الاستجابة، ووجود الخبراء للتعامل مع القضايا المثارة، وأخيرا انعكاس ذلك على شكل سياسات”.

واستنكر أبو العز غياب مركز متخصص في إدارة الأزمات وتحديدا في الضفة الغربية التي تعتبر مكانا دائما للأزمات، “فهذا مركز يفترض أن يتكون من أطباء وسياسيين وخبراء إعلام…الخ بحيث يقدم بشكل لحظي ويومي وأسبوعي المعلومات ويتحرك باتجاه كل القضايا المثارة بسرعة كبيرة.

ويشير أبو العز إلى أنه لا يمكن أن نحارب الإشاعات في أي سياق من دون وجود ثقة بالجهات المختصة، “غياب الثقة مع غياب المعلومات، وسيادة حالة من الضبابية في ظل حدث كبير كما تتعرض له غزة والضفة، وانتشار الخوف على الحياة..الخ كلها عوامل تعزز الإشاعات”.

في مواجهة مصيرية

وبحسب الباحث والإعلامي معز كراجة فإنه “ربما تكون هذه المرة الثانية منذ النكبة التي يجد فيها الفلسطيني نفسه في مواجهة مصيرية، نتائجها ستحدد مصيره لعقود قادمة. فإن كسر، سيدفع الثمن باهظا أينما كان على طول فلسطين وعرضها”.

ويضيف حول نتائج المواجهة: “الضفة الغربية تحديدا ستتحول الى معازل وكانتونات أضيق وأضيق، وستختنق بالاستيطان حتى لا تكاد تتنفس. وسيثقلها عنف المستوطن ويكسر ظهرها. سيعاد فيها إنتاج السجن الكبير الذي فرض على غزة. كما سيصبح الفلسطيني موضوعا سهلا لاختراعات كثيرة من مشاريع سياسية واقتصادية ستمارس عليه وتفتت نسيجه الاجتماعي قبل وجوده السياسي”.

ويرى كراجة أن “السنوات التي وقعت بين النكبة وانشاء حركة التحرر الوطني سميت في بعض الأدبيات “بسنوات الضياع”، فإذا كان لمنظمة التحرير من إنجاز جوهري يسجل لها في حينه، فهو إعادتها لملمة شتات الفلسطيني وإعادة بناء هويته من جديد وعلى أسس وطنية جديدة. وإذا كان من خطر لخسارة الفلسطيني اليوم فهو تفكيك هويته من جديد ودخوله في سنوات ضياع جديدة”.

ويختم قائلا: “هل يدرك “الكل الفلسطيني” فعلا الخطر الذي يقف أمامه اليوم؟ وإن كان يدرك فكيف هذا الكل بطوله وعرضه يتعامل مع هذا الخطر؟ لعل الإجابة على هذا السؤال ستفسر لنا في المستقبل القريب كيف وقعت النكبة في المرة الأولى، وكيف لم يسمح بوقوعها مرة ثانية؟”.

رام الله- “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب