دراسات

اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة غزّة في قلب الحدث بقلم نعمت بيان –

نعمت بيان – طليعة لبنان

اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة
غزّة في قلب الحدث
نعمت بيان – مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الاسكندنافية
9/12/2023
من المفارقات أنه في هذا اليوم الذي تحتفل به الأمم المتحدة باليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنعها ومعاقبة مرتكبيها، يتعرض الشعب الفلسطيني وأمام مرأى ومسمع العالم لأفظع عملية إبادة بشرية في القرن الواحد والعشرين التي هزّت ضمير الإنسانية في العالم، فالاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجازر قتل جماعية بحق أهل فلسطين منذ أكثر من 75 عاما”، ولكن منذ ما بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ، تتعرض غزّة وأهلها إلى مجازر مروعة يندى لها الجبين، حيث خلفت عن الآلاف من الضحايا والجرحى المدنيين جلّهم من الأطفال والنساء ولم توفر حتى الأطفال الخُدّج، ناهيك عن تدمير ممنهج لكل المؤسسات الطبية والتربوية والدينية والبنى التحتية، ومحاولة تهجير السكان بغية إفراغ المنطقة من أهلها والسيطرة عليها. كل هذه الانتهاكات والجرائم تقع تحت مسمى (الإبادة الجماعية)، التي تتطلب إحالة مرتكبيها إلى المحاكم الجنائية الدولية حسب القانون الدولي الخاص بجرائم الإبادة الجماعية التي تٌعتبر من أكثر الأفعال وحشية التي تٌرتكب ضدّ الإنسانية على وجه الأرض.
إن ضحايا جريمة الإبادة الجماعية ليس فقط ما تتعرض له الأقليات في بعض دول العالم من قتل وسحق، بل شعوب هم أصحاب أرض سُلبت منهم حقوقهم التي تقع ضحية والاحتلال والاضطهاد والقتل والتهجير القسري للسكان الأصليين واستبدالهم بمستوطنين أو مستعمرين جدد، وفلسطين هي المثال الحيّ على هذه الانتهاكات الوحشية.
(Genocide) ماذا يعني مصطلح “الإبادة الجماعية” ؟
الإبادة الجماعية هو مصطلح بدأ استخدامه بعد الحرب العالمية الثانية للتعبير عن جرائم القتل الجماعي بحق جماعات من البشر بناء على انتمائها القومي، أو العرقي، أو الديني، أو السياسي، وقد صنفتها الأمم المتحدة في اتفاقية خاصة بانها جريمة دولية.
وقد اُستخدم مصطلح الإبادة الجماعية لأول مرة في عام 1945 عندما وجهت المحكمة العسكرية الدولية في مدينة نورمبرخ في المانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب “جرائم ضدّ الإنسانية”، وقد اشتملت الاتهامات على كلمة “الإبادة الجماعية”، ولكن ككلمة وصفية ولم تُعتبر مصطلحا” قانونيا”. بينما لم تشر هذه المحكمة إلى عدد الألمان الذين قتلوا على يد الحلفاء!
ونظرا” لما قام به محام يهودي يُدعى رافائيل ليمكين من جهود مكثفة في أعقاب ما يُسمى “الهولوكوست” واستثماره للحادثة بوصفها تدمير الأساسيات الضرورية لحياة مجموعات قومية بهدف الإبادة الجماعية، والتي تم تبنيها من قِبل الولايات المتحدة الأميركية، التي بدورها أدت إلى إقرار الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948. واعتبرت هذه الاتفاقية أن ” الإبادة الجماعية” هي بمثابة جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها والمعاقبة عليها. وأهم المواد التي تنص عليها الاتفاقية هي:
المــادة الأولى: تصادق الأطراف المتعاقدة على الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها.
المــادة الثانية في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلّي، أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة عمدا” لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليا” أو جزئيا”.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(ه) نقل أطفال من الجماعة عنوة، إلى جماعة أخرى.
المادة الثالثة: يُعاقب على الأفعال التالية:
(أ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ه) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
المادة الرابعة: يُعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما” دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا”.
ما دور المحكمة الجنائية الدولية بما يتعلق في جريمة الإبادة الجماعية؟
تُعد المحكمة الجنائية الدولية الدائمة من أهم المؤسسات التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان ومعاقبة الجرائم الدولية الخطيرة، ومن أهم هذه الجرائم جريمة الإبادة الجماعية. ويتمثل دور المحكمة الجنائية الدولية بشكل رئيسي في محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولا تقتصر مهمة المحكمة على محاكمة الأفراد فقط، بل يمكنها أيضاً محاكمة الدول التي ترتكب هذه الجرائم. ويتمثل دورها في عدة أمور، منها:
1. الحفاظ على حقوق الإنسان، حيث تُعد المحكمة الجنائية الدولية من الآليات الرئيسية التي تعمل على حماية حقوق الإنسان في جمع أنحاء العالم، وخاصة في مواجهة جريمة الإبادة الجماعية.
2. تدعيم العدالة الدولية، حيث توفر المحكمة الجنائية الدولية منصة لمحاكمة الأفراد والدول التي ترتكب جرائم دولية خطيرة، وأهم هذه الجرائم، جريمة الإبادة الجماعية.
3. ردع الجرائم الدولية: حيث يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تُسهم بشكل كبير في ردع الجرائم الدولية، وخاصة جرائم الإبادة الجماعية.
4.تحسين الإدارة الدولية: حيث تعمل المحكمة الجنائية الدولية على تحسين الإدارة الدولية من خلال معاقبة الأفراد والدول التي ترتكب جرائم دولية، بالتالي تحسين صورة العالم بشكل عام.
غالبا” ما بقيت هذه القرارات حبرا” على ورق، لأن محكمة الجنايات الدولية خاضعة لإرادة الولايات المتحدة الأميركية الراعية الأساسية لجرائم الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية في العالم، وبناء” عليه تصدر المحكمة قراراتها بشكل استنسابي وبما يتلاءم مع المصالح الأميركية المهيمنة على معظم المؤسسات القانونية والحقوقية الدولية. وما موقفها أخيرا” من حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزّة إلا خير دليل على عدم المصداقية في تطبيق القوانين الخاصة بجرائم الحرب أو الإبادة الجماعية. وتأكيدا” على ذلك، حق النقض “فيتو” الذي استخدمته الولايات المتحدة الأميركية في جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 8/12/2023 ضدّ مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، الذي دعا اليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي بدوره استخدم للمرة الأولى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة للتحذير “من ان الحرب في غزّة قد تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة للسلام والأمن الدوليين”. كما استنكر الأمين العام هذا “الكابوس الإنساني المتصاعد” حيث لم يعد فيه مكان آمن في غزّة للمدنيين.
[تُعد “المادة 99” التي استند إليها غوتيريش، أقوى أداة على الإطلاق يمكن أن يستخدمها أي أمين عام للأمم المتحدة لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن والسلم الدوليين].
أشهر جرائم الإبادة الجماعية
من أشهر جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، مذبحة سربرنيتسا (البوسنة والهرسك عام 1995)، ومذبحة (صبرا وشاتيلا- بيروت عام 1985)، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي في رواندا عام 1994، مجازر الأرمن (1915-1916)، ومجازر سيفو (الأشوريون/السريان عام 1914-1920)، والمجازر الجماعية بحق مسلمي الروهينجا في أراكان- بورما (2016-2017)، ومجازر شعوب الإيغور في الصين، وما يُسمى بالهولوكوست، وغيرها الكثير من عمليات الإبادة الجماعية في العالم. ولا ننسى إن ما قام الاحتلال الأميركي في العر اق وأفغانستان من قتل جماعي الذي لا يقل خطورة عن عمليات الإبادة الجماعية، يُضاف اليها الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها الاحتلال الفارسي لشعب الأحواز العربية المحتلة.
في الختام، إن مفهوم جريمة الإبادة الجماعية لا يقتصر فقط على القتل الجماعي لطائفة من البشر، بل أيضا” هناك الإبادة الثقافية والاجتماعية التي تهدف إلى تدمير ومحو النسيج الثقافي والاجتماعي لهذه المجموعات وطمس هويتها، على سبيل المثال لا الحصر، حظر استخدام اللغة الأم أو حرية التعبير الديني، وأكثر الأمثلة الحيّة على هذه الانتهاكات ما تقوم به سلطات الاحتلال الإيراني بحق الشعب الأحوازي في الأحواز العربية المحتلة.
أما فيما يتعلق بفلسطين، فتاريخ الاحتلال الإسرائيلي منذ ما قبل النكبة ولتاريخ اليوم مغمّس بدم الشعب الفلسطيني ويحتاج لصفحات وصفحات لوصف الانتهاكات والجرائم التي حلّت على الشعب الفلسطيني نتيجة هذا الاحتلال وانتهاكاته الهمجية والبربرية. وما يحدث في غزّة اليوم من قتل جماعي الذي لم يوفر لا طفلا” ولا امرأة” ولا مسنا”، يُصنف حسب القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجريمة ضدّ الإنسانية. والمؤسف إن تطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية يواجه إشكاليات في المنظمة الأممية ذاتها، حيث يتم التعامل بشكل استنسابي مع مرتكبي الإبادة الجماعية، مع إن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تسري حتى على الدول التي لم تصادق عليها وفق استشارة قانونية لمحكمة العدل الدولية في 28 أيار/مايو 1951. وقد عزز ذلك تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة في 3 أيار/مايو 1993، حيث اعتبر الاتفاقية جزءا” من القانون العرفي، وقد صادق على ذلك مجلس الأمن الدول.
في المحصلة، إن اعتماد ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي فيما يخص جرائم الحرب والقتل الجماعي، سيُبقي المشكلة قائمة ويعطي لمرتكبي هذه الجريمة تبريرا” لاستمرارية ارتكاب القتل الجماعي. فقط للتذكير، في عام 1998 حكم على مرتكبي الإبادة الجماعية فيي رواندا بالسجن مدى الحياة عن مسؤوليتهم في إبادة المدنيين التوتسيين، بينما تُمنع هذه الإجراءات بحق الكيان الصهيوني الذي يرتكب جرائم ضد الإنسانية منذ أكثر من 7 عقود، وعلى العكس، تدعم الولايات المتحدة الأميركية ومجمل الدول الغربية هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في غزة وفي عموم المدن الفلسطينية تحت شعار “الدفاع عن النفس”، ناهيك عن تواطؤ النظام العربي وصمته على هذه الجرائم.
إن جريمة الإبادة الجماعية ستبقى عارا” على جبين الإنسانية، لطالما فشلت منظمات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية من منع هذه الجريمة المستمرة في سحق الأرواح البريئة وسلب الحقوق المشروعة في أكثر من منطقة في العالم.
ملاحظة:
فيما يتعلق بما يُسمى “بالهولوكوست” بالشكل الذي ظهرت فيه، كان نتاجا” يهوديا” مضخما” ومبالغا” فيه بهدف الاستثمار السياسي، والذي أشار اليه بوضوح الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في كتابه ” الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”، الذي فنّد فيه الأساطير التي قامت عليها إسرائيل وتشكيكه بالرقم “المقدس” لضحايا الهولوكوست، والذي عرضّه للاتهام والمحاكمة من قِبل مجموعة “الليكرا” الصهيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب