ثقافة وفنونمقالات

الكتابة بعد طرزان أخو ألمى  بقلم زياد خدّاش

بقلم زياد خدّاش

الكتابة بعد طرزان أخو ألمى

 بقلم زياد خدّاش

2024-01-09

لا شهية عندي لكتابة أي شيء، أو حتى الحلم بكتاب قادم، حتى كتبي السابقة، لن أفكر فيها، وسأحاول أن أقطع صلتي الوجدانية معها، أريد فقط أن أمشي في المسار الرياضي حول  ضريح محمود درويش، اشتري قهوة من كشك (نتالي) اللطيفة، ابنة صاحبي أسامة، أقعد على مقعد خشبي تجاه الشمس، أصفن في الريح الخفيفة والقدس القريبة، وأفاجِئ كمعتوه أطفالا يمشون مع أمهاتهم بسؤال غير متوقع: طب قديش مساحة فلسطين؟. قبل الحرب كنا نتفذلك نحن الكتّاب ونمارس دلعا مبتذلا ونعلن بأن لا جدوى من الكتابة، وكان الدافع غالبا يأسا وجوديا مفتعلا ومللا من رتابة يومنا وخوفا طبيعيا من المجهول المعروف، أو استعراضا لسحر موضة الإعلان الاحتفالي عن العزلة أو التوقف عن الكتابة (كما فعل مرة محمد القيسي وفيليب روث) أو الحديث عن لا جدوى الفنون في مواجهة القبح، القبح؟ وهل رأينا قبحا كما نراه الآن، من عالم مقزز. ما الذي ستفعله الكتابة أمام دموع ونظرة (سيلا) السعيدة والمحاطة بالألعاب والشوكولاتة وهي تتذكر فجأة أنها بلا عائلة، وأمام صوت طفلة تستأذن الطبيب في سؤال: عمي ممكن سؤال: أنا في حلم ولاّ في واقع؟، احكيلي عن جد يا عمي اللي بصير حلم ولا واقع؟، وصوت أطفال جرحى يحملهم مسعفون فوق خشبة مائلة وهم يصيحون: (شكرا يا إسعاف شكرا يا إسعاف بنحبكم والله)، أكتب الآن هذه الترهات، لأملأ جوع فراغ زاوية تفتح فيها كل أسبوع، لثلاثمائة وخمسين لقمة – كلمة، خذي يا زاويتي عجزي وركاكتي، ولغتي الهبلة.
صمتا أيها المسرح، ابقي مسدلة يا ستائر، يا مقاعد القاعات نامي، وانت يا حارس السينما، عد إلى البيت، أيها الخيال في الرواية، اخرس، وأنت يا اتجاهات الشعر القادمة خففي من ثقتك، واختبئي.
لا شهية عندي لكتابة أي شيء، صوت ألمى يتجول في قلبي: أنا ألمى، طلعوا أهلي قبلي، هاي أمي هون وأبوي هون وطرزان هون، مين طرزان يا ألمى؟ يسأل منقذ، طرزان أخوي الصغير، عمره سنة. ثم تغير ألمى رأيها فجأة: ولا أقلكم غيّرت رأيي، طلعوني قبل أهلي عشان أدلكم وين هم بالضبط. من أين أتيت بكل هذا التركيز والدقة في التفكير يا ألمى؟، أنت تحت الأنقاض وأهلك قربك جرحى أو شهداء، وتفكرين بوضوح، دون خوف، دون تشوش، دون ارتباك.
من أنت يا ألمى؟؟.
هل شبعت يا زاويتي؟ بضع لقيمات – كلمات وأشبع، ماذا سأكتب بعد طرزان أخو ألمى؟ حتى  تشبعي وتتركيني قرب الأطفال ونتالي والقدس ومحمود درويش، صافنا في الريح الخفيفة؟
هل شبعت يا زاويتي؟
نعم، شبعت.
قديش مساحة فلسطين يا أطفال فلسطين؟؟

الايام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب