تحقيقات وتقارير

رؤية أردنية.. “حل الدولتين” يضمن وحدة الجغرافيا الفلسطينية

رؤية أردنية.. “حل الدولتين” يضمن وحدة الجغرافيا الفلسطينية

عمان- ليث الجنيدي:
بينما تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة، ينشغل سياسيون ومراقبون بشكل النظام السياسي المرتقب أن يدير شؤون الفلسطينيين بعد الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتحاول تل أبيب، بحسب الفلسطينيين، فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية المحتلة، لكنها تصطدم بترابط ديموغرافي وفصائلي يصَّعب عليها وعلى حلفائها القبول بطبيعة الحكومة المحتملة.
هذا الوضع المتشابك قد يؤدي، وفق مراقبين، إلى اللجوء للدول الأكثر ارتباطا بالقضية الفلسطينية، ولاسيما الأردن؛ للمساهمة في تشكيل مشهد سياسي مقبول لفلسطينيين ويحول دون أزمات جديدة.
وعلى أمل السيطرة والتمدد، حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دون جدوى استغلال الانقسام السياسي القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية منذ صيف 2007.
ووجدت الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، سواء في حربها على غزة أو اعتداءاتها في الضفة الغربية، نفسها أمام خيار لا يروق لها، ولكنه سيخفف من حدة الأزمات وتأثيرها على مستقبل تل أبيب، وهو تشكيل حكومة موحدة، تدير كامل المشهد على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي وحدة المرجعية، وفقا للمراقبين.
ومنذ بدء الحرب على غزة، أكد الأردن رفضه لأي محاولة للفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ أكد عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، في أكثر من لقاء مع مسؤولين دوليين، أن الضفة وغزة “امتداد للدولة الفلسطينية الواحدة”.
وهذا يعني، بحسب المراقبين، أن عمّان تدرك أن تل أبيب تبحث عن تقسيم جغرافي للأراضي الفلسطينية يزيد من سيطرتها ويوسع من نفوذها.
ويحتم هذا الوضع على الأردن لعب أدوار سياسية في صياغة شكل النظام الفلسطيني المرتقب بعد الحرب، لمواجهة مخططات إسرائيل الهادفة إلى القضاء على حل الدولتين، في ظل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقامة دولة فلسطينية.
ويرتبط الأردن وإسرائيل باتفاقية سلام جرى توقيعها في عام 1994، وتشهد العلاقة بينهما حالة من “الاحتقان السياسي” جراء الحرب على غزة.
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قرر الأردن استدعاء سفيره لدى تل أبيب، ورفض إعادة السفير الإسرائيلي إلى عمّان، وارتفعت حدة التصريحات بين الجانبين.
ووقَّع الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مارس/ آذار 2013، اتفاقية تعطي المملكة حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين، ليواصل عاهل الأردن دور آبائه وأجداده الممتد منذ قرن من الزمن.
ومع تزايد الحديث عن حكومة فلسطينية جديدة من المرجح أن تكون “حكومة كفاءات” ترتبط بإدارة غزة والمشهد برمّته، يتوقع سياسيون بأن يكون للأردن “دور توجيهي” يسهم في تحقيق الاستقرار في جارته الغربية.

مصلحة أردنية

وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة قال إن “كل ما يتم طرحه من أفكار لم يتجاوز حتى الآن مرحلة الاقتراحات”.
وتابع: “كل حديث عن دولة فلسطينية ومسار سياسي من أوروبا أو أمريكا يفترض موافقة إسرائيل التي مازالت ترفض فكرة الدولة الفلسطينية والحل السياسي، وأيضا يفترض خروج حماس من المعادلة العسكرية والسياسية الفلسطينية، وهما افتراضان لم يتحققا”.
و”إذا تحدثنا عن المصلحة الأردنية، فهي أولا وقف العدوان على غزة، ثم أن يكون الحل سياسي وليس عسكريا وأمنيا كما تريد إسرائيل، وأن يتم وضع فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، وتبدأ عملية سياسية تعيد للفلسطينيين حقوقهم”، كما أردف المعايطة.

وبسؤاله عن شكل الحكومة الأنسب لإدارة الشؤون الفلسطينية، أجاب بأن “مواصفات النظام السياسي الفلسطيني هي أن يكون قادرا على إدارة الضفة وغزة وإنجاز بناء الدولة الفلسطينية ومؤمنا بهذا الخيار السياسي”.
وزاد بأن “كل الخيارات تفترض خروج حماس من المعادلة، وهذا هو التفكير الأمريكي والأوروبي”.
ومضى قائلا: “بغض النظر عن شكل الحكم الفلسطيني، إن كان تكنوقراط أو حكومة فصائل، فإن المهم هو المضمون السياسي لهذا النظام بحيث يكون مؤمنا بعملية السلام، وهذا أيضا منطق الدول التي تطرح أفكار مستقبل غزة والضفة”.
المعايطة أكد أن “الأردن يسعى ليكون هناك مسار سياسي يعطي للفلسطينيين حقوقهم، وهنا العقبة في الموقف الإسرائيلي، ويريد الأردن نظاما سياسيا يؤمن بعملية السلام ومقنع للفلسطينيين”.

وحدة مصير

أما السفير الفلسطيني الأسبق ربحي حلوم، فقال إن “الأهم أن يلتقي الجميع في اللحظة الراهنة على كيفية مواجهة هذا العدوان (الإسرائيلي) الهمجي ووقف حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا”.
وأضاف: “فلسطين ليست قضية اليوم، فلسطين واجهت استعمارا وانتدابا بريطانيا، وكان شعبها قادرا على إدارة شؤونها وصولا إلى الاستقلال الذي لم يُقدر له أن يحدث في ظل الصمت العربي في مواجهة العدوان”.
وتابع: “ما يُسمى بحل الدولتين وحدود 67 هي بدع سابقة لأوانها، فالأمر الآن يُفترض أن يتركز على حماية شعبنا ووقف الحرب الهمجية، وعندما يتحقق هذا النصر، يتم الحديث تفصيلا لاحقا حول كيفية النظام ومَن سيحكم”.
حلوم أردف: “هناك فرق ما بين توقع ما سيكون وما يجب أن يكون، فما يجب أن يكون هو أن يقرر الفلسطينيون مصيرهم، فلسطين متصلة جغرافيا وديمغرافيا وجزء من محيطها العربي، ونظامها لا بد أن يكون أخا لأخيه”.
ومنتقدا الوضع الراهن، قال إن “الضفة الغربية يحكمها الآن سلطة قائمة مؤتلفة مع مصالح الاحتلال، عندما اعتبرت أن التنسيق الأمني هو ديدنها.. التنسيق الأمني مع الاحتلال هو أولويتها”.
واستطرد: “هذا التنسيق يعني تسليم المقاومين للاحتلال، شعبنا غير راضٍ، ولن يقبل غير استقلاله، ويجب أن تجري انتخابات لشعبنا بالداخل، وسبق أن نجحت عام 2006”.
في ذلك العام، فازت حركة “حماس” بالانتخابات التشريعية، لكن ضغوطا إسرائيلية وغربية قادت إلى انهيار حكومة وحدة وطنية فلسطينية، لتسيطر “حماس” على غزة؛ جراء خلافات ما تزال قائمة مع حركة “فتح”، بزعامة الرئيس عباس.
واعتبر حلوم أن “الحل بانتخاب مباشر، كفلسطيني وكعربي لن أقبل أن تُفرض عليَّ حكومة لا يقبلها الشعب، فأي حكومة تُشكل في ظل الاحتلال ستُفرض على الشعب”.
وأوضح أن “السلطة الفلسطينية القائمة تم تشكيلها بموجب مرسوم صادر عن الحاكم العسكري الإسرائيلي ولا يجوز على الإطلاق أن تقود الشعب الفلسطيني”.
وبالنسبة للمتوقع من عمّان، وصف حلوم الأردن بأنه “رئة لفلسطين، واختلط الشعبان مع توحيد الضفتين في أربعينيات القرن الماضي إلى أن صدر قرار الانفكاك وأصبحت الضفة منفصلة”.
حلوم رأى أنه “يجب أن يكون للأردن دور في تشكيل الحكومة القادمة، كونه التوأم المكمل للضفة الغربية، لكن الدور الأساسي يجب أن يكون وفق إرادة الشعبين، لن تقوم قائمة لشعبنا دون أن يتولى هو بنفسه تقرير مستقبله”.
ومضى قائلا: “وهذا لن يتم إلا إذا توفرت الظروف وانتهى العدوان وانسحب الاحتلال من غزة، وأصبح القطاع يملك الحل بإرادة شعبه، شعبنا في غزة والضفة يجب أن يكون رأيه بمنأى عن السلطات القائمة”.
و”كل فلسطيني يدرك أن المصير مشترك مع الأردن، وحينما تقرر غزة والضفة مصيرها بعيدا عن الاحتلال يسهل تشكيل الحكومة المتوقعة، وبالتأكيد ستكون بالتشاور مع الأردن والمحيط العربي”، كما ختم حلوم.

(الأناضول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب