مقالات
فلسطين والاختيار الدبلوماسي : قطر وتركيا بقلم الدكتور وليد عبد الحي
بقلم الدكتور وليد عبد الحي

فلسطين والاختيار الدبلوماسي : قطر وتركيا
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
من المؤكد ان المقاومة الفلسطينية بحاجة ماسة لكل مساندة مهما كانت ومن اية جهة يؤتمن جانبها ، ولعل جولات التفاوض مع اسرائيل حول الوضع في غزة يوحي بتعثر التقدم في الوصول الى نتائج ، كما ان الاشارات المتناثرة عن عجز مصري قطري في إدارة التفاوض من ناحية وفي التبني الصارم لمواقف المقاومة من ناحية اخرى يستدعي اعادة التفكير في اطراف التفاوض.
من الضروري وبعيدا عن المجاملات في المواقف الصعبة والمعقدة الاعتراف بأن الدور القطري في التفاوض هو دور تحيط به علامات استفهام كثيرة ، وهو دور اتضح تماما في العشرية السوداء الماضية، والعلاقات الاسرائيلية القطرية اوسع واكبر مما يبدو على السطح، والقيمة المركزية لقطر هي القدرة على “تقديم الرشى” لغواية خصوم امريكا واسرائيل لجذبهم نحو الحوار الضمني مع المحور الاسرائيلي الامريكي وجر الخصوم نحو مواقف أكثر قبولا من الطرفين الاسرائيلي والامريكي.
من جانب مقابل، فان الدبلوماسية التركية –وهي الاقرب لقطر من غيرها- تختلف بشكل جذري عن الدبلوماسية القطرية، وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:
أ- أن الوزن السكاني والارث التاريخي وشبكة العلاقات الدولية ناهيك عن الموقع الاستراتيجي والقدرة على توظيفه متغيرات تجعل من قطر-بالمقارنة مع تركيا- مجرد ” كيس مال” فقط..
ب- ان درجة القدرة على القرار المستقل في تركيا أكثر وضوحا منه في قطر، وهو ما اتضح في مواقف عديدة في مواجهة الولايات المتحدة حينا واوروبا حينا بل وروسيا حينا ناهيك عن الصين، وكنت دائما اقول لو كنت مواطنا تركيا لانتخبت اردوغان لا لأني معجب به بل لانه مخلص في خدمة دولته رغم ان هذه الخدمة تصيب امتنا احيانا بالكوارث لكنه يراها مصلحة لبلاده.
ت- لقد اثرت الانتخابات الاخيرة –المحلية- على توجهات اردوغان ، بل ان بعض اوراق الانتخابات مكتوب عليها ” خذلت غزة فخذلناك”، وقد ادى هذا الفشل الكبير وانشقاق بعض رموز حزبه مثل داود اوغلو الى مراجعة بدأت آثارها تظهر تدريجيا في بداية تجفيف العلاقات التجارية وغيرها مع اسرائيل.
ث- يبدو ان رموز حركة الاخوان المسلمين العربية اوصلوا لاردوغان ” الهمس التذمري” من هشاشة موقفه في موضوع غزة، وهو ما جعله يحاول استعادة هذه البيئة السياسية لصالحه.
هنا نصل الى النقطة المركزية وهي سعي المقاومة لاضافة طرف جديد في الوساطة مع اسرائيل حول الوضع في غزة، ومن الضروري ان يكون هذا الطرف قادر على حماية قراره المستقل(وهو امر يفتقر له الدور المصري والقطري) وان يكون له علاقات دبلوماسية مع اسرائيل لكي تتقابل الوفود في مكان واحد، وان يكون هذا الطرف اقرب –مهما كانت مسافة القرب- من المطالب الفلسطينية، ناهيك عن الخبرة الدبلوماسية في القضايا الدولية المعقدة.
هناك دولة مؤهلة لهذا الدور ، مثل تركيا اولا ،او اسبانيا او ايرلندا …الخ، ولكن تركيا هي الارجح لاعتبارات تخص الدولة المرشحة الاخرى ولا مجال للتفصيل فيها.
وفي تقديري أن القيمة الاستراتيجية لتركيا ،وعلاقاتها مع قوى المقاومة وجدانيا وشعبيا ، الى جانب عضويتها في الناتو وعلاقاتها مع اسرائيل تجعل دورها اكثر اهمية ، ويمكن للدور القطري ان يستظل بالدور التركي بحكم العلاقة الوثيقة بين الطرفين.
لذا ارى ضرورة لتشجيع تركيا على المشاركة في الوساطة والتفاوض حول غزة،فان قبلت اسرائيل تدخل تركيا فذلك لصالح المقاومة من باب “الاقل سوءا”، وان رفضت اسرائيل الدور التركي نكون قد عمقنا الشرخ بينها وبين اسرائيل..
مرة أخرى، لست مغرما بسياسات اردوغان العربية لكن الضرورة تقتضي الاعتراف بانه يسعى لخدمة بلاده وهو صادق في سعيه( رغم عدم ترحيبي بمواقفه رغم اقراري انه يخدم بلاده)، ولكن النجاح في توفير ما يساعد على دور تفاوضي لتركيا في معضلة غزة ستقود لنتائج اقطع انها افضل من ترك الموضوع لطرفين عربيين احدهما ينظر للمقاومة كعدو بنفس نظرة اسرائيل، والآخر هو وكيل للعدو الامريكي ، والانكى ان هذين الطرفين العربيين يضمران لبعضهما البُغض كله ، ولا يريد ايهما نجاح الآخر لانه لا يراه الا على حسابه.
ليست السياسة مطعما يقدم لك “المينيو” لتختار ما تتناوله من الاكل، بل هي ميدان يقوم على قاعدة محددة: كيف تحقق افضل المكاسب ” الممكنة ” او اقل الخسائر ” الممكنة ” طبقا لموازين القوى المادية والمعنوية وفن توظيف هذه الموازين..
ويبقى سؤال مثير للتفكير وهو: هل من مصلحة تركيا الدخول في الوساطة والتفاوض في قضية معقدة كالحرب في غزة ؟ لا بد للدبلوماسية الفلسطينية ان تتحسس الجواب.