فلسطينالأخبار

الحنين إلى الشهداء.. حكاية سيدة غزّية ذهب زوجها لجلب الماء ولم يعد

الحنين إلى الشهداء.. حكاية سيدة غزّية ذهب زوجها لجلب الماء ولم يعد

غزة- محمد ماجد:
لم يغب عن مخيلة الأم الفلسطينية علا صالحة ذلك اليوم المشؤوم الذي قلب حياتها رأسا على عقب، بعدما فقدت فيه زوجها جراء رصاصة من قناص إسرائيلي.
فقد خرج زوج علا، في أحد أيام شهر أبريل/ نيسان، بحثا عن مياه شرب لأسرته التي أنهكها العطش في خيمتها الصغيرة بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، لكنه لم يعد مجددا، بينما لا تزال الأم المكلومة تتوق لرشفة ماء من يديه.
تلك اللحظة المأسوية لم تكن البداية في رحلة علا (38 عاما) المليئة بالأوجاع منذ بدء الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل كانت بمثابة الفاجعة الكبرى ضمن سلسلة من الفواجع بدأت قبل ذلك، وربما لم تنتهِ بعد.

النزوح الأول

البداية من بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة حيث كانت علا تعيش مع أسرتها حياة مستقرة وسعيدة قبل اندلاع الحرب رغم الحصار الإسرائيلي الخانق على القطاع، المتواصل منذ 18 عاما.
فمع بدء الحرب في أكتوبر الماضي، وتحت وطأة القصف العنيف، وأوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء المناطق الشمالية من القطاع، اضطرت الأم الغزية إلى النزوح مع طفلها وزوجها وعائلة الأخير إلى مخيم لاجئين في خان يونس.
وقتها، ورغم الأهوال التي كانت تحيط بها من كل جانب، كانت علا تُمني النفس بانتهاء الحرب، وعودة الأمان إلى أسرتها، لتأتيها البشرى بولادة طفلها الثاني.
لكن بعد نحو أسبوع من تلك الولادة، كانت رصاصة واحدة من قناص إسرائيلي كفيلة بالقضاء على كل أماني علا، وذهاب البسمة من على وجهها، ربما بلا عودة.
ففي أحد أيام أبريل الماضي، وأثناء توغل الجيش الإسرائيلي في خان يونس، تعرضت أسرة علا لانقطاع في مياه الشرب.
استمر هذا الانقطاع لساعات طويلة؛ مما أدى لتعرض العائلة للعطش الشديد ونقص حاد في السوائل؛ ما ضاعف من الواقع المأسوي الذي يعيشونه.
أمام هذا الوضع المزري، خرج الأب للبحث عن مياه عذبة تروي ظمأ عائلته، إلا أنه لم يعُد مجددا.
فقد كان في انتظاره قناص إسرائيلي ضغط على الزناد فأطلق رصاصة أطفأت فرحته بمولوده الجديد، وأودت بحياته إلى الأبد.
تلك الرصاصة الإسرائيلية القاتلة تركت علا وحيدة بلا معيل، تواجه عبء الحياة ومسؤولية رعاية طفليها بمفردها.
تقول علا عن تلك اللحظة القاسية: “أثناء التوغل نحو مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، قُتل زوجي أثناء إحضاره المياه لنا، بعد أن نال منا العطش”.
وتتابع بحزن وحسرة: “زوجي كان سعيدا بقدوم طفله الجديد، ولم يمضِ معنا سوى أسبوع قبل أن يستشهد”.

النزوح الثاني

لم تقف المصائب عند ألم الفقد، حيث أمر الجيش الإسرائيلي مجددا علا وطفليها وعائلة زوجها بالنزوح مجددا إلى منطقة المواصي بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة؛ لتجرب مرارة النزوح للمرة الثانية خلال تلك الحرب.
في المواصي، تعيش الأم المكلومة حاليا وضعا معيشيا صعبا داخل خيمة صغيرة مصنوعة من النايلون رفقة طفليها وعائلة زوجها، دون وجود معيل لهم من الرجال.
وعن ذلك تقول علا: “الوضع الذي نعيشه بالمواصي صعب للغاية؛ فنحن بلا معيل، ونحتاج إلى العديد من الاحتياجات الأساسية مثل الحليب وحفاظات أطفال للرضيع”.
وتضيف: “أعيش الآن في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة وممتلئة بالنازحين، وأصبح من الصعب عليّ بعد استشهاد زوجي جلب الطعام ومياه الشرب”.
وتشير إلى أن الخيمة التي يعيشون فيها لا توفر لهم الحماية الكافية من الظروف الجوية القاسية، فيما تغيب عنها المرافق الأساسية، كالمياه النظيفة، والصرف الصحي.
وتضطر علا إلى الاعتماد على المساعدات الإغاثية المقدمة لها، والتي غالبا ما تكون غير كافية لتلبية احتياجاتها واحتياجات عائلتها.

سيل الذكريات

وسط هذه المأساة المضاعفة، لم يتبق لعلا سوى ذكريات جميلة جمعتها بزوجها في يوم من الأيام؛ إذ تتذكر كيف كانوا يعيشون حياة سعيدة في منزل متواضع ببيت لاهيا.
تتذكر كيف كانت تخطط وزوجها قبل بدء الحرب، لتوسيع عائلتهما، وإنجاب المزيد من الأطفال؛ ليصبحوا قوة داعمة لبعضهما البعض في المستقبل.
تتذكر سعادة زوجها بحملها الثاني، وكيف كان يُظهر اهتماما كبيرا بها، ويقدم لها رعاية فائقة ودعما ومساعدة بلا كلل طوال فترة الحمل.
لا تمل علا من رواية المآسي التي مرت بها منذ اندلاع الحرب؛ فعلى رغم صعوبتها إلا أن لحظات وجودها بجوار زوجها كانت كفيلة بتخفيف كل معاناتها.

كابوس النزوح الثالث

حاليا، تعيش الأم حالة من الخوف والقلق على حياتها وحياة صغارها، وتخشى أن تتكرر معهم معاناة النزوح مرة أخرى، بعد بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، يوم 6 مايو/ أيار.
كما تخشى أن يتحول ضيق الحاجة وقلة الطعام إلى جوع قاتل، مع سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، في 7 مايو، ومنعه دخول المساعدات.
وتعبر علا عن أملها في انتهاء الحرب وعودتها إلى بيتها؛ لتستمر في حياتها مع طفليها، وتتمكن من تعليمهما وتربيتهما كما كان يحلم زوجها.
وبحسرة، تختتم حديثها قائلة إن أقصى أمانيها الآن باتت “رشفة ماء” من يد زوجها.

(الأناضول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب