تحقيقات وتقارير

بعدما أنهى حكمها الذاتي.. لماذا يخشى حزب بهاراتيا الحاكم بالهند خوض الانتخابات التشريعية بكشمير؟

بعدما أنهى حكمها الذاتي.. لماذا يخشى حزب بهاراتيا الحاكم بالهند خوض الانتخابات التشريعية بكشمير؟

هذه هي المرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاثة عقود التي لا يخوض فيها حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم في الهند الانتخابات التشريعية في كشمير.

ولم يطأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي قام بحملة في جميع أنحاء الهند خلال الانتخابات الماموثية المكونة من سبع مراحل، قدمه بعد داخل ولاية جامو وكشمير، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة متنازع عليها في جبال الهيمالايا بين الهند وباكستان، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة  Independent البريطانية.

وبدأت أزمة كشمير عندما سيطرت نيودلهي على ثلثيها عبر استغلال طلب حاكم الإقليم “المهراجا غولاب سينغ “عام 1946 بقاء الإقليم مع الهند، رغم أن اتفاق تقسيم القارة الهندية كان ينص على أن انضمام المناطق ذات الغالبية المسلمة لباكستان والهندوسية للهند.

ولقد أصرت الهند على إبقاء الإقليم تحت سيطرتها، علماً بأن هناك قرارات دولية تدعم حق شعب كشمير في تقرير مصيره عن طريق استفتاء حر ونزيه.

لقد أقرت الهند كنوع من المرونة بعد المواجهات عام 1954 اتفاقية خاصة تنص على “وضع خاص” للإقليم، بحيث يخضع لحكم ذاتي، ولا يجوز لشخص من خارج الإقليم الاستيطان فيه، لمراعاة قلق سكانه المسلمين من احتمال المساس بأغلبيته المسلمة.

إلى أن قام برلمان الهند الذي يسيطر علي حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف في 5 أغسطس/آب 2019 بإلغاء تلك “الوضعية الخاصة” واعتبار الإقليم إقليماً اتحادياً، وهو تصنيف أدنى في السلطات من الولايات الهندية العادية، حيث الأقاليم الاتحادية هي أقاليم فيدرالية تحكمها، جزئياً أو كلياً، الحكومة المركزية.

وسبق قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير حل الجمعية التشريعية المنتخبة لولاية جامو وكشمير.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أيدت المحكمة العليا في الهند، قرار الحكومة بإلغاء وضع الحكم الذاتي المحدود الذي تتمتع به ولاية جامو وكشمير، كما أمرت بإجراء انتخابات في أجل أقصاه 30 سبتمبر/أيلول 2024، ودعت إلى إعادة وضع الولاية مثل باقي الولايات الهندية “في أقرب وأسرع وقت ممكن”.

مودى يدعي استقرار الوضع في كشمير بعدما وضع قادتها قيد الاعتقال وقطع الإنترنت عنها

ويدعي مودي هو وحزبه الحاكم الهندوسي المتطرف أن كشمير يسودها السلام ومستقرة منذ أن ألغى حكمها الذاتي في عام 2019، في القرار الذي صاحبه قمع شديد للنخبة السياسية في الولاية بما فيها تلك المؤمنة ببقائها ضمن الهند.

ورافق الإجراء الحكومي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي لمئات الأشخاص، من بينهم غالبية قادة المعارضة والنشطاء السياسيين في كشمير ووضعهم تحت الإقامة الجبرية وحجبت السلطات كامل الاتصالات بما فيها الإنترنت وعزلت الولاية عن العالم، وفرضت قيوداً صارمة على حرية التنقل والتجمع.

منذ ذلك الحين، أطلقت السلطات سراح العديد من المعتقلين وأعادت الإنترنت، لكنها كثفت حملتها القمعية على وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، حسب ما ورد في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية.

وقال مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة إن قانون السلطات الخاصة للقوات المسلحة الهندية في جامو وكشمير “يظل عقبة رئيسية أمام المساءلة”، لأنه يوفر حصانة فعالة ضد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ويمنح القانون الجيش صلاحيات واسعة لاعتقال وإطلاق النار لقتل واحتلال أو تدمير الممتلكات فيما يوصف بـ”عمليات مكافحة التمرد”. منذ دخول القانون حيز التنفيذ في جامو وكشمير في عام 1990، لم تمنح الحكومة الهندية الإذن بمقاضاة أي من أفراد قوات الأمن في محاكم مدنية. وثقت هيومن رايتس ووتش وآخرون منذ فترة طويلة أن القانون أصبح أداة لانتهاكات الدولة وقمعها وتمييزها، ودعت إلى إلغائه.

حزب مودي يخشى أن يدخل انتخابات كشمير بعدما فعله بأهلها

ولكل ما سلف يبدو أن حزب بهاراتيا جاناتا لا يريد اختبار شعبيته في الولايات ذات الغالبية المسلمة.

ولقد ذهب الناخبون في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة إلى صناديق الاقتراع يوم الإثنين الماضي، إلى جانب المدن في جميع أنحاء الهند، حيث صوت الملايين في الجولة الرابعة من الانتخابات العامة، ما سيؤدي إلى تشكيل حكومة اتحادية جديدة في دلهي، بعد فرز بطاقات الاقتراع في 4 يونيو/حزيران 2024.

وهذا التصويت هو الأول منذ أن وضعت إدارة رئيس الوزراء ناريندا مودي كشمير تحت سيطرتها مباشرة في عام 2019.

ستعقد جولتان أخريان من التصويت في كشمير في 20 و25 مايو/أيار.

لم يقدم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم للسيد مودي أي مرشح في كشمير وترك المباراة السياسية لحزبين إقليميين: المؤتمر الوطني (NC) وحزب الشعب الديمقراطي (PDP).

كان للحزبين وجود تاريخي في المنطقة وكان ينظر إليهما على أنهما المنافسان الرئيسيان لحزب بهاراتيا جاناتا.

كشمير
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضر تجمعاً انتخابياً في ميروت قرب نيودلهي عاصمة الهند في 31 مارس/آذار 2024-رويترز

وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1996 التي لا يخوض فيها حزب بهاراتيا جاناتا التابع لمودي الانتخابات في كشمير، حسب الصحيفة البريطانية.

وادعت العديد من أحزاب المعارضة أن قرار حزب بهاراتيا جاناتا عدم المنافسة في كشمير ينبع من الخوف من أنه لا يمكن اختبار مزاعمه عن النجاح في المنطقة في الانتخابات الفيدرالية. لأن النتائج قد تتعارض مع هذه الرواية.

وقال وحيد الرحمن بارا، زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يسعى إلى تمثيل سريناغار، إن الانتخابات في كشمير تدور حول “استفتاء ضد قرارات الحكومة وسياساتها التي تم تنفيذها دون أي موافقة عامة”.

وقال عمر عبد الله، منافس السيد مودي ورئيس الوزراء السابق للولاية والمعارض لحكم مودي: “لو كان الناس سعداء بإلغاء المادة 370، لما تردد حزب بهاراتيا جاناتا في المشاركة في الانتخابات. لكنهم لا يريدون فضح أنفسهم، ولحفظ ماء الوجه، قرروا عدم التنافس”.

اتهامات بأنه يريد تنفيذ تطهير عرقي بكشمير

منذ إلغاء “الوضعية الخاصة” للإقليم شرعت الهند في ضم كامل لجامو وكشمير، فيما يسميه حزب مودي “الحل النهائي”، مستعيراً كلمات النازية في خططها للقضاء على اليهود، حسب وصف تقرير لموقع جريدة القدس.

واندلعت بعد ذلك القرار في أنحاء الإقليم كافة، احتجاجات على الوضع الجديد الذي يسمح للمواطنين الهنود بالانتقال إلى المنطقة وتملك الأراضي، وبناء المعابد فنشرت الهند نحو 900 ألف جندي وضابط من القوات العسكرية وشبه العسكرية المتمركزة في المنطقة.

وهناك اتهامات بأنها تعمل على تغيير النسيج الديموغرافي في الإقليم، مثلما تفعل إسرائيل في القدس، بعد إقرار قانون جديد يحق للهندي من خارج الإقليم البناء والتملك فيه، بهدف تحويل الأغلبية المسلمة في كشمير إلى أقلية ضعيفة مفككة مقهورة، حسب التقرير.

مودي لم يقم سوى بزيارة للولاية تحت حراسة مشددة

في المقابل، تدعي قيادات حزب مودي مراراً أنهم جلبوا الرخاء والاستقرار في ولاية جامو وكشمير المضطربة المتاخمة لباكستان والتي ظلت تحت قبضة العنف منذ أوائل التسعينيات في ظل قمع الهند لنضال شعبها من أجل الاستقلال.

وقال المرشح سيد آغا روهولا، للجزيرة، إن الانتخابات فرصة للناخبين في كشمير “للتعبير عن معارضتهم”. وعليهم أن يظهروا أنهم لا يقبلون قرار إلغاء المادة 370 التي تعطي الولاية حكماً ذاتياً”.

على الرغم من الادعاءات بأن حكومته قضت على العنف في المنطقة، قام مودي بزيارة واحدة فقط إلى كشمير منذ عام 2019 في مارس/آذار من هذا العام عندما سافر إلى سرينغار تحت حماية عسكرية مكثفة. وضعت القوات الحكومية أسلاكاً شائكة وأقامت العشرات من نقاط التفتيش على الطرق قبل زيارته.

إلغاء الحكم الذاتي جاء بعد مؤامرة نفذها حزب مودي لحل البرلمان والحكومة

وجاء إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، بعد ما يشبه المؤامرة التي نفذها بهاراتيا جاناتا الذي كان مشاركاً في آخر حكومة منتخبة ديمقراطياً في الولاية.

ففي يونيو/حزيران 2018، سحب حزب بهاراتيا جاناتا دعمه للحكومة التي يقودها حزب الشعب الديمقراطي (الداعم للحكم الذاتي وليس الانفصال).

وجراء ذلك تم الفرض الحكم المباشر حاكم الولاية المعين من الحكومة المركزية بدلاً من الحكومة المنتخبة.

كشمير
خريطة ولايات الهند/ويكيميديا

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تم حل مجلس الولاية من قبل حاكم ولاية جامو وكشمير ساتيا بال مالك، على الرغم من أن العديد من الأحزاب السياسية قد كتبت إلى الحاكم تعرب عن استعدادها لتشكيل الحكومة.

واستبدلت الهند نظام الحكم في الولاية بنظام أقل في السلطات حتى من الولايات الهندية العادية يحكم فيه حاكم الولاية (التي باتت إقليماً اتحادياً) بشكل أساسي، وهو الذي يختار الحكومة من أعضاء المجلس التشريعي، كما أنه ينافسه في التشريع، كما أن سلطات المجلس التشريعي لا تشمل مجالات الشرطة والنظام العام.

عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب