دعوات إسرائيلية لانهيار السلطة الفلسطينية… ما الجديد هذه المرة؟ سعيد أبو معلا
سعيد أبو معلا

دعوات إسرائيلية لانهيار السلطة الفلسطينية… ما الجديد هذه المرة؟
سعيد أبو معلا
رام الله ـ «القدس العربي»: على دوار منطقة «عيون الحرامية» على إحدى مداخل مدينة رام الله تجمهر عشرات المستوطنين الإسرائيليين، ورفعوا يافطات حملت صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كتب عليها شعار: «السلطة الفلسطينية = حماس».
جاءت هذه الوقفة التحريضية مع تصاعد حدة التصريحات والممارسات الإسرائيلية الرسمية التي تشير إلى إنها قررت العمل على انهيار السلطة الفلسطينية.
وحسب القناة العبرية 11 فقد كشفت أن نتنياهو عقد اجتماعات مع وزراء وقرروا انه يجب القضاء على السلطة الفلسطينية، كما نقل الإعلام العبري عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قوله: «حان الوقت لانهيار السلطة الفلسطينية ماليا وافلاسها» فيما رد وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير: «سموتريتش على حق، السلطة الفلسطينية تدعم الإرهاب ولا تستحق شيكل واحد». فيما قالت الوزيرة أوريت ستروك، التي بادرت لمناقشة هذه المسألة في الحكومة، إنهم بحاجة إلى حزمة من الإجراءات التي ستحلق ضررًا بالغًا بالسلطة الفلسطينية وتدفعها ثمنًا باهظًا، منتقدة موقف الجيش والشاباك «الذي يزعم أن التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية مفيد، في الوقت الذي يزداد فيه الوضع سوءًا» حسب قولها. بينما قال وزير القضاء ياريف ليفين، إن «أضرار السلطة الفلسطينية تفوق فوائدها، لذلك لا بد من المساس بكبار المسؤولين وفرض ثمن على الأرض».
من العقوبة إلى إنهاء
الكيانية الفلسطينية
سألت «القدس العربي» اثنين من الباحثين والمهتمين في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي عن الجديد في هذا التوجه الإسرائيلي، والسياق العام الذي تأتي ضمنه، وهل يمكن للضغوط الأمريكية أن تعمل على كبح هذا التوجه؟
حسب الأكاديمي أحمد جميل عزم، وهو كاتب وباحث وأستاذ جامعي فلسطيني في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فإن المختلف هذه المرة في تصريحات وممارسات القضاء على السلطة الفلسطينية هو أنها كانت في الماضي تظهر على أنها نوع من الضغط المشروط والعقوبة على السلطة من أجل وقف جهود محاكمة الاحتلال في المحاكم الدولية أو وقف دفع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، كما أنها في مرات معينة كانت تأتي في سياق رغبة إسرائيلية في الضغط على السلطة حتى تنسجم مع الرغبة الإسرائيلية.
وتابع عزم: «اليوم قد تُظهر الحكومة الحالية (الوزير سموترتش) الأمر على أنه نوع من الضغط والعقوبة لكنها في الحقيقة جزء من مخطط أكبر لإنهاء السلطة، وهو أمر يعكس قناعة مفادها أن الحكومة اليمينية لا تريد رؤية أي تمثيل كياني فلسطيني. فالمرفوض هو السلطة بغض النظر عن شكلها وما تفعله، فأي كيان يمثل الفلسطينيين مرفوض. وفي مقابل ذلك يريدون جهات إدارية تابعة تماما لإسرائيل، وهو أمر يأتي في نطاق تصفية السلطة تمهيدا للمرحلة الثانية وهي التطهير العرقي في الضفة الغربية، فهناك تجويع في غزة يراد أن يكون ما يقابله في الضفة الغربية من تجويع».
ويكمل: «يراد من كل ذلك إلى جانب أنه عقوبات وضغوط يراد له أن يكون نوعا من التصفية وإنهاء الوجود الفلسطيني».
استغلال متواصل
وحسب الباحث الفلسطيني والمختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد فإن السياق الذي تأتي فيه مطالبات التيار اليميني الديني الصهيوني بالحكومة الإسرائيلية الحالية والمتمثلة بحزب الصهيونية الدينية بزعامة المستوطن المتطرف الحاخام بتسلئيل سموتريتش وحزب العظمة اليهودية بزعامة المستوطن المتطرف بن غفير أحد تلامذة الحاخام العنصري مائير كهانا، هو المختلف هذه المرة.
ويكمل شديد: «هاتان المجموعتان أصبحتا تشكلان قوة في المجتمع الإسرائيلي، كما أنها قوة في النظام السياسي والأمن الإسرائيلي، وهذه المجموعة لا تؤمن أصلا بوجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني، والكثير منهم لا يزالون يصفون الشعب الفلسطيني بالعرب، ولا يرون فرقا ما بين فلسطيني وآخر، ولا بين فصيل وآخر حيث يرون ان محمود عباس ومحمود الزهار كلاهما يشكل خطرا على إسرائيل».
ويشدد أنه كان من المعروف عن هذه المجموعة اليمينية في الماضي أنها كانت ترفع شعار أن «العربي الجيد هو العربي الميت» ولكن في الآونة الأخيرة طرأ تغير على شعارها حيث أصبح الشعار «العربي الجيد هو العربي الميت والمدفون خارج إسرائيل».
ويستدرك شديد: «ثم هناك نقطة مهمة يجب التطرق إليها وهي أن هذه الجماعة ترى أنه يجب الاستمرار في توجيه الضربات القوية للفلسطينيين حتى يتم انهاكهم والقضاء عليهم، وبالتالي إما أن يقبلوا أن يكونوا عبيدا لإسرائيل والحركة الصهيونية، وإما ان يغادروا ويرحلوا من هذه البلاد، وإما عليهم تحمل مسؤولية ذلك بالقتل، ويميز هذه الجماعة انها ترى بضرورة استمرار توجيه الضربات للفلسطينيين في كل زمان ومكان، وليس فقط في زمان الحروب كما تتبناه جماعات إسرائيلية أخرى».
وحسب الباحث شديد فإن ضغوطات وقف الدعم المالي للسلطة عبر وقف تحويل أموال المقاصة الفلسطينية جزء من الأدوات والوسائل التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق أهداف سياسية وابتزاز، وهو أمر نجحت به إلى حد ما، حيث أصبح جوهر الخطاب الفلسطيني الرسمي هو المطالبة بأموال المقاصة.
ويكمل: «هذه المرة يبدو أن المطالب أصبحت أبعد من ذلك حيث نرى العمل على إسقاط السلطة وتفكيكها كسلطة مركزية موجودة في رام الله وتشرف على كل الضفة الغربية ليتم إعادة بناء وتركيب سلطات محلية لا مركزية في كل منطقة بصفتها سلطة مستقلة بشكل لا مركزي، وهذا يعني تخفيض مستوى السلطة إلى أقل من بلديات، فيما تكون مسؤولياتها فقط في إطار إدارة الحياة اليومية من مياه وكهرباء ونفايات للمواطنين وهذا هو جوهر اتفاقية أوسلو من وجهة نظر إسرائيل».
ويعتقد شديد أن إسرائيل تستغل وجود المجموعة اليمينية في الحكومة، كما تستغل انشغال العالم بالحرب، كما تستغل حالة الاستياء الكبيرة اتجاه السلطة من شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني لتنفيذ هذا المشروع.
الجميع مستهدف
يكمل الأكاديمي عزم فإن السلطة الفلسطينية بالنسبة لليمين المتطرف والحكومة الحالية تمارس اللجوء للأمم المتحدة وتمارس ملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية كما نرى اليوم ملاحقة إسرائيل في الفيفا، وبالتالي إنها ترى في السلطة كيانية فلسطينية، وبإنها تسعى إلى محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل، كما أن السلطة تطالب بالدولة الفلسطينية وكلها أمور مرفوضة إسرائيليا.
ويتابع: «إسرائيل تريد إنهاء الوجود وأي كيانية فلسطينية، إنها تريد إنهاء أي طرف فلسطيني لديه مشروع سياسي سواء أكان مقاوما أو على مستوى القانون الدولي».
ويرى عزم في عدم وجود ربط بين سياسات الاحتلال الرامية إلى تدمير السلطة وحالة تراجع تأييد السلطة عربيا بفعل وجود خلل ما في مستويات إدارية وقانونية إلى جانب قضايا الوحدة الداخلية والتخبط الإداري والتشريعي. لكنه يستدرك: «صحيح انه لا يوجد ربط لكنها فلسطينيا تقلل من القدرة على المواجهة والصمود». ويكمل: «إنها تضرب الحالة المعنوية، ولا تحول المخططات الإسرائيلية لمشروع نتوحد ضده. فالأداء الداخلي المتعثر وعدم وجود انتخابات وعدم تجديد المجلس الوطني وعدم تجديد الأجسام التمثيلية الفلسطينية داخليا وخارجيا، كلها تقوم بدور في إضعاف الفلسطيني».
ويضرب عزم مثالا حيث يقول: «يمكن القول إنه لو كانت هناك حالة معنوية داخلية مرتفعة لما رأينا محاولات تحويل الدراسة عن بعد في المدارس الحكومية، يمكننا تفهم مشاكل الراتب وضعف السيولة لدى السلطة، لكن لو كانت الأمور داخليا جيدة لكان يمكن أن تتحول لنوع من التحدي والصمود».
ورغم ذلك يرى عزم أنه من الصعب تمرير المخططات الاحتلالية شعبيا وهو أمر منوط بخلق حالة إطارية نضالية وتنظيم جماهيري بحيث تعكس مشروعا للتوحد ضد ما تقوم به إسرائيل في الضفة وغزة.
ويعلق شديد على تصريحات الرئيس الفلسطيني في قمة البحرين التي أكد خلالها على عدم تقديم الدعم للحكومة الحالية بإنه من الواضح تماما أنه ومنذ سنوات تراجع الدعم الدولي والإقليمي والعربي للسلطة الفلسطينية، وهو أمر فيه الكثير من الأسباب، وخاصة أن تصاعد سياسات القضاء على السلطة يتزامن بشكل واضح مع وجود توجه دولي تقوده الولايات المتحدة ويدعمه اللوبي اليهودي لإحداث تغيير جذري كبير في مبنى وعقيدة السلطة، ومن أجل الوصول إلى نتيجة يتم استخدام الضغط المالي لابتزاز السلطة للقبول بذلك.
ويشدد، غير أن المختلف اليوم هو أن هناك جماعة الصهيونية الدينية تستغل هذا التوجه لإسقاط السلطة وإقامة عشر سلطات بالضفة، كجزء من مشروعها الرامي باتجاه تفكيك الشعب الفلسطيني وضربه من الداخل وتجميعه في أقفاص في المنطقة التي تسمى إداريا A وضم كل مناطق C ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة منها.
ضغط أمريكي
وفي مقابل تشكيل إسرائيل فريقًا لمعاقبة السلطة طالبت واشنطن دولة الاحتلال بتحويل عائدات الضرائب للسلطة، ونشرت وسائل إعلام عربية وأمريكية أن مسؤولين في إدارة بايدن حذروا من تداعيات تفاقم الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، واحتمالية أن يؤدي احتجاز عائدات الضرائب لمزيد من التدهور الأمني في أرجاء الضفة الغربية.
والأمر من وجهة نظر المحلل في الشأن الإسرائيلي شديد غير دقيق، فواشنطن غير جادة في مسار الضغط على الاحتلال، «لو كانت الإدارة الأمريكية جادة في ذلك لاستطاعت إلزام إسرائيل بتحويل الأموال، ولكن صيغة المطالبات الأمريكية خجولة، تشبه النصائح حيث تقول إن مصلحة إسرائيل تقضي بتحويل أموال المقاصة، لان إسقاط السلطة من وجهة النظر الأمريكية يصب في مصلحة حركة حماس والجهاد الإسلامي، أي حركات الإسلام السياسي وإيران وحزب الله».
يكمل الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية عزم أنه «على فرض أن واشنطن نجحت بالضغط على إسرائيل، فإن النجاح لحظتها سيكون جزئيا، في ظل أن هناك اقتطاعات وعقوبات مضى عليها وقت طويل، كما أن جوهر السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين هو سياسة تبقي الإنسان على قيد الحياة وليس أكثر، بمعنى ان يكون رأسك فوق سطح المياه ولكنك تواجه الغرق طوال الوقت، أي أن تحصل على ما يكفيك لتبقى على قيد الحياة بدون حياة فيها أدنى متطلبات العيش الكريم».
ويضرب مثالا بالسياسة التي تمارسها دولة الاحتلال مع الأسرى في السجون، حيث التضييق عليهم في كل شيء، وهو منهج يراد تطبيقه في خارج السجون أي في الضفة الغربية والقدس وغزة.
ويخلص أن أمريكا غير جادة لتحسين حياة الفلسطينيين، فلو كانت جادة لعدلت قوانينها الداخلية التي تمنع تمويل السلطة، كما أن الإدارة الأمريكية تمنع الفلسطينيين من العمل في واشنطن، إنها تمنعهم من التحدث حيث يكتب على تأشيرة دخول عدم التحدث، كما حدث مع وزير الخارجية الفلسطينية السابق. وكل ذلك يجعلنا نصل إلى حقيقة، والحديث لعزم، أن واشنطن ليست معنية بحل الأزمة المالية فعلا إلى درجة تجعلها تدخل في مواجهة مع إسرائيل.