استمرار جهود الوساطة لإنهاء الحرب وحماس تطالب بالتزام إسرائيلي بوقف القتال ونتنياهو يناور
استمرار جهود الوساطة لإنهاء الحرب وحماس تطالب بالتزام إسرائيلي بوقف القتال ونتنياهو يناور
الدوحه /سليمان حاج إبراهيم
تصطدم جهود الوسطاء القطريين والمصريين لإنهاء الحرب الإسرائيلية، أمام مأزق «وقف القتال وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع» وهو المأزق المحوري الذي يتعامل معه الوسطاء في أحدث جولة مفاوضات تجرى بين الدوحة والقاهرة لإنهاء الأزمة الخانقة التي يعيشها سكان قطاع غزة المحاصر. وعادت الروح تدريجياً لمسار المفاوضات الذي شهد جموداً منذ رفض إسرائيل اعتماد الورقة الأخيرة التي وافقت عليها حماس، التي مضت في اجتياح رفح، ورفعت من فاتورة ضحايا الحرب التي تصفها المنظمات الأممية بأسوأ كارثة إنسانية يشهدها العصر الحديث. وعادت الدوحة محوراً للاتصالات بين الفاعلين الدوليين في ملف الوساطة بين تل أبيب وحركات المقاومة، وتحديداً لاستضافتها مكتب حركة المقاومة الإسلامية حماس. وتوالت زيارات المسؤولين واتصالات قادة عدد من الدول بالدوحة، التي تربط الأطراف مع بعض، في محاولات لتحقيق اختراق في الملف الذي يصطدم بعائق محاولات بنيامين نتنياهو جر المنطقة لأتون حرب شاملة، تتوسع نحو لبنان. واكتشف العالم ضبابية الموقف الإسرائيلي الذي أصبح واضحاً ولا يمكن حجبه بتصريحات صادرة من البيت الأبيض الذي يحاول جاهداً تخفيف حدة الموقف الإسرائيلي الراغب في إطالة أمد الحرب.
وتفرض قيادة حماس في الداخل ويتزعمها يحيى السنوار قائدها في غزة، شرطاً أساسياً وهو التزام واضح وجلي من تل أبيب بوقف الحرب، قبل الموافقة على تسليم المحتجزين لديها. وبينما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما عرضه بايدن في خطابه بأنه «غير دقيق» وقال: «لم أوافق على إنهاء الحرب في المرحلة الثانية من المقترح» كما قال الرئيس الأمريكي، وإنما فقط «مناقشة» تلك الخطوة وفق شروط تل أبيب، يتضح عمق الخلاف بين القراءتين للمشهد.
وجرت في العاصمة القطرية الدوحة، جولة جديدة من المحادثات بين الطرفين الفلسطيني ممثلاً بقيادة حماس، والأمريكي نيابة عن إسرائيل، عندما التقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز بمسؤولين كبار من قطر ومصر في الدوحة لمناقشة الاقتراح الذي أيده الرئيس جو بايدن علنا، ووصف الخطة المكونة من ثلاث مراحل بأنها مبادرة إسرائيلية. وتستهدف المحادثات التوصل إلى صيغة مقبولة من جانب حماس فيما يتعلق بضمانات بأن يفضي الاتفاق إلى وقف كامل للحرب في غزة وانسحاب إسرائيل من القطاع. وتعرب حماس عن تخوفها من بعض بنود الاقتراح، خاصة في إطار المرحلة الثانية. وحسب البنود الرئيسية للاتفاق التي نشرها البيت الأبيض، تتضمن المرحلة الثانية وقفاً دائماً للأعمال القتالية وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. لكن حماس حتى الآن تتخوف من الصيغة المطاطية للاتفاق الذي لا يفرض أي التزام على تل أبيب ووقف الحرب.
وأجرى الوسطاء القطريون والمصريون مقابلات منفصلة مع مسؤولين من حماس ومسؤولين أمريكيين في الدوحة، لكن ما يرشح من تلك اللقاءات لا يوحي بمؤشرات على قُرب التوصل إلى اتفاق.
وتأتي اللقاءات التي جرت في الدوحة، ضمن مسار وساطة تقودها قطر ومصر، منذ أشهر بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين في سجون تل أبيب.
حماس تطالب بالتزام إسرائيلي بوقف الحرب
ويشدد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية أن «الحركة وفصائل المقاومة سوف تتعامل بجدية وإيجابية مع أي اتفاق على أساس وقف العدوان بشكل شامل والانسحاب الكامل وتبادل للأسرى». وهذاً رداً على رفض إسرائيل وقف القتال خلال المحادثات وشنها هجوما جديدا على وسط غزة. كما أوضح سامي أبو زهري القيادي في حماس «نحن رحبنا بما ورد على لسان بايدن بخصوص وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي إلا أن الورقة التي يعتمد عليها المشروع الأمريكي، وهي الورقة الإسرائيلية، ليس فيها أي إشارة إلى وقف العدوان والانسحاب». ويضيف أن «المقترح الإسرائيلي يتحدث عن مفاوضات مفتوحة بلا سقف وعن مرحلة يستعيد فيها الاحتلال أسراه ثم يستمر في الحرب. لقد أخبرنا الوسطاء أن هذه الورقة غير مقبولة». وتشدد حماس أنها ملتزمة بمقترحها الذي قدمته في الخامس من أيار/مايو والقائم على وقف القتال والانسحاب الإسرائيلي واتفاق تبادل المحتجزين بالسجناء الفلسطينيين ورفع الحصار عن القطاع. وشدد المسؤولون في حماس للوسطاء أنهم ملتزمون بالوساطة، وإطلاق سراح المحتجزين لديها، ويتفاعلون إيجاباً مع جهود قطر ومصر، لكنهم بالمقابل يريدون ضمانات بوقف إسرائيل حربها. ويأتي التشدد الفلسطيني على اعتماد ورقة أمريكا-إسرائيل، بسبب التصريحات المباشرة من تل أبيب المؤكدة على استمرار الحرب. وتكشف مصادر متابعة لسير المحادثات، أن قيادة حماس في غزة ترفض الاستجابة للورقة ما لم يكن هناك تأكيد موثق على وقف الحرب. وينطلق السنوار في تشدده أمام الضغوط التي يتلقاها من مختلف الأطراف، نتيجة تردي الوضع، والخسائر التي شهدتها غزة من المدنيين، والدمار الحاصل في القطاع، وتواجد قوات الاحتلال في معبر رفح. وتدرك حماس أنها محور حرب بنيامين نتنياهو وأركان حكومته المتشددين الراغبين في تحقيق انتصار، والتلويح بضرورة القضاء على حماس.
وترتفع الأصوات من الحكومة الإسرائيلية التي تؤكد علناً نيتها استمرار حربها، بالرغم من مناشدات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الالتزام بالورقة المعلنة والتي تتضمن إنهاء القتال. وكان غانتس حدد مهلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتى 8 حزيران/يونيو لتبني خطة للحرب واليوم التالي للحرب وإلا فإنه سينسحب من حكومة الطوارئ. وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة التي توشك على دخول شهرها التاسع أكثر من 119 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات. ويكشف ألون بينكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك في تصريح صحافي، أنه «إذا كنت تعتقد أن التقارير التي تتحدث عن رفض نتنياهو للاقتراح الإسرائيلي (الذي قدمه بايدن) غريبة، فعليك التفكير مرة أخرى. ففي نهاية المطاف، هذه ليست رواية 1984 لجورج أورويل، بل هي رواية عام 2024 لبنيامين نتنياهو». ويضيف في تحليله لواقع الحال: «ففي اللحظة التي اشترط فيها الزعيم الإسرائيلي أن إسرائيل ستحتفظ بالحق في العودة إلى الحرب، كان من الواضح أن الاقتراح الإسرائيلي الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإنهاء الأعمال العدائية من خلال إطلاق سراح الرهائن من ثلاثة أجزاء واتفاق وقف النار، كان ميتاً وموضوعاً في الماء. ولم يكن نتنياهو يكتفي باسترضاء ائتلافه اليميني المتطرف فحسب، بل كان يتراجع عن اتفاق لم يكن يريده قط في المقام الأول». وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال «إبادة جماعية» و«تحسين الوضع الإنساني» بغزة.
وتسبب الرفض الإسرائيلي للورقة الأخيرة التي جرى تداولها، ثم هجوم جيش الاحتلال على مدينة رفح، إجهاض المساعي الدبلوماسية، مع رفع فاتورة الضحايا من المدنيين، في القطاع المحاصر. ولم ترشح تفاصيل الاجتماعات التي تدور في الدوحة، بحضور قيادات ومسؤولين وخبراء من قطر، ومصر والولايات المتحدة، مع اتصالات تجرى مع تل أبيب، وقيادات حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
ويقوم الوسيط القطري بنقل المعلومات والتفاصيل والرسائل الفنية مع المقاومة الفلسطينية، إلى جانب الملاحظات الإسرائيلية حول الورقة التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن ونسبها للجانب الإسرائيلي، وتحوم الشكوك حول مصدرها الرئيسي. وتحاول واشنطن إعادة مركب الوساطة إلى قاطرته، على ضوء الجدل المثار حول إعلان جو بايدن تفاصيل الصفقة، وما تلاها من تفاصيل يجري تداولها بين واشنطن وتل أبيب.
وقف إطلاق النار دائم أم مؤقت
وحسب المعطيات المتواترة حول المأزق المتعلق باستكمال مسار الصفقة الأخيرة، يدور الخلاف حول مفهوم وقف إطلاق النار، وتفاصيله، الذي تريده إسرائيل فضفاضاً من دون قيد، ما يطلق يدها لاستكمال حربها في أي وقت. بالمقابل تصر حماس على ديمومة وقف إطلاق النار، قبل إطلاق سراح الأسرى المحتجزين لديها من الجنود والعساكر، وهم الورقة «الرابحة» التي تحاول توظيفها لتحقيق مطالب سكان غزة، من ضمنها إنهاء الحصار على القطاع وإعادة الإعمار. ويحاول مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية توضيح التفاصيل المتضمنة في المقترح الذي عرضه بايدن وقال إنه خطة إسرائيلية.
وتؤكد الولايات المتحدة على وقف لإطلاق النار خلال فترة أولى، تمتد لستة أسابيع مع انسحاب القوات الإسرائيلية من كل المناطق المأهولة بالسكان في قطاع غزة وتبادل المحتجزين ولا سيما النساء والمرضى مع فلسطينيين أسرى في إسرائيل، قبل بدء إعادة إعمار غزة. وتؤكد الدوحة بذل كافة الجهود لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وتنسيق الجهود مع مختلف الأطراف لوقف العدوان وتخفيف معاناة سكان القطاع الذين يواجهون واحدة من أسوأ الكوارث في العصر الحديث.
القدس العربي