رئيسيالافتتاحيه

هل “الدولة العميقة”؟ من يحكم أمريكا ؟؟؟

هل “الدولة العميقة”؟ من يحكم أمريكا ؟؟؟

المحامي علي ابوحبله

يتردد كثيرا على ألسنة المتابعين والمحللين السياسيين والكتاب عن أن الدولة العميقة هي من تحكم أمريكا وتتحكم في المسارات السياسية الخارجية والداخلية وحسب ما يروج له في وسائل الإعلام  وما يعتقد أن “الدولة العميقة”، عبارة عن شبكة سرية خاصة تضم مسئولين حكوميين وتشمل أحيانا كيانات كبرى تنشط في الغالب بالمجالات المالية وفي الصناعات العسكرية، وهي تعمل خارج القانون بهدف التأثير على سياسات الحكومة الرسمية وتوجهها وفق مصالحها.

ويعتقد في هذا السياق أن مثل هذه “الدولة العميقة” تتحرك مستعينة بإمكانيات خفية توفرها مجالات في الدولة تخصص لها ميزانيات سرية كبيرة ويكون نشاطها بعيدا عن سيطرة أجهزة الدولة الرقابية الرسمية.

عالم الاجتماع الأمريكي تشارلز رايت ميلز، كان نشر في عام 1956 كتابا بعنوان “النخبة القوية”، استعرض من خلاله ما رأى أنها عناصر القوة الرئيسة في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنها تركزت منذ منتصف القرن العشرين في ثلاثة قطاعات، هي الصناعات العسكرية وشارع المال “وول ستريت” والبنتاغون.

أما الكاتب الأمريكي مايك لوفغرين فقد عرّف “الدولة العميقة” بالنسبة للولايات المتحدة في عام 2014 على أنها “اندماج هجين بين مسئولين حكوميين وممثلين رفيعي المستوى للممولين والصناعيين الذين يديرون الولايات المتحدة بشكل فعال من دون سؤال الناخبين عنها”.

تعرف “الدولة العميقة” أيضا بأنها “دولة داخل الدولة”. أي أنها نموذج لحكومة سرية تتكون من أطراف خفية في السلطة تعمل بشكل مستقل عن القيادة السياسية الرسمية للدولة، وفي الغالب تتحرك من خلال هياكل شبه عسكرية مثل وزارات الدفاع والصناعات العسكرية والمؤسسات الإعلامية الكبرى.

الرئيس الأمريكي السابق والمرشح لخوض الانتخابات عن الحزب الجمهوري  دونا لد ترامب أشعل مصطلح “الدولة العميقة” في صراعه مع خصومه الديمقراطيين. ترامب وضع تصورا مخالفا لنموذج الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي يرى الكثيرون أنها مشروع لحكومة عالمية في الظل تسعى للسيطرة على الأرض.

ترامب فصّل فيما يبدو “دولة عميقة” بحسب الحاجة. ظهر ذلك في كلمته التي وجهها إلى حشد من أنصاره في تكساس عام 2023 قال فيها : “إما أن تدمر الدولة العميقة أمريكا أو ندمر الدولة العميقة”.

هناك أكثر من قراءة لتلك الدولة، واحدة تعود إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة، وزمن الآباء المؤسسين، وأخرى معاصرة ترتبط بمجمعات ولوبيات حديثة بزغت في النصف الثاني من القرن العشرين.

يتناول البروفيسور جيسون ليندسي، في كتابه “إخفاء الدولة” طبيعة هذه الدولة العميقة، وعنده: “أنه حتى من دون وجود جدول أعمال تآمري، فإن مصطلح الدولة العميقة مفيد لفهم جوانب مؤسسة الأمن القومي في البلدان المتقدمة، مع التركيز على الولايات المتحدة”.على أن ليندسي يفتح الباب واسعاً أمام مصادر تلك الدولة، والتي يعتبر أن مجتمع الأمن القومي، والاستخبارات، وبقية العوالم السرية في الداخل الأميركي، هي مصدر القوة.

لعل ما يجري في الداخل الأميركي من تحركات غير ظاهرة للعيان، منها ما أشار إليه، إدوارد سنودن، عميل وكالة الأمن القومي الأميركي NSA تلك الوكالة المغرقة في السرية، يلقي الضوء على الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية.

يرى سنودن “إنها حقاً وسيلة للإشارة إلى بيروقراطية الحكومة المهنية، هؤلاء المسئولون الذين يجلسون في مناصب قوية، ولا يغادرون عندما يغادر الرؤساء والذين يشاهدون الرؤساء يأتون ويذهبون، وهم يؤثرون على الرؤساء”.

يكاد ذلك أن يكون كذلك بالفعل، والعهدة على التقرير الصادر في يوليو (تموز) من عام 2017 عن لجنة الأمن الداخلي والاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، وفيه: “أن إدارة الرئيس ترامب قد تعرضت لضربات أمنية وطنية بشكل يومي تقريباً، وبمعدل أعلى بكثير من سابقتها”.

لعل الذين لهم دالّة على قراءة كتب التاريخ وفهم أبعاده، يتذكرون الرئيس جون كينيدي، الذي رغب بشكل جدي في وقف التصعيد العسكري، وفتح أبواب السلام والتنمية والتعاون أمام العالم، ولهذا ربما كان لا بد له من أن يختفي عن مشهد الحكم.

قبيل رحيله عن البيت الأبيض وفي يناير (كانون الثاني) من عام 1961، ألقى الرئيس المنتهية ولايته، الجنرال دوايت أيزنهاور، خطاباً وداعياً متلفزاً من مكتبه الرسمي وبطريقة لا تُنسى. حذر في الخطاب من أن تتحول “الصناعة العسكرية المعقدة” في بلده إلى قوة عنيفة.

رأى أيزنهاور من بعيد أن “المؤسسة العسكرية الضخمة” باتت تعمل مع “صناعة أسلحة هائلة”، سعياً وراء “نفوذ لا مبرر له” في “كل مدينة وكل مبنى تشريعي وكل مكتب عائد إلى الحكومة، ما قد يؤدي إلى كارثة تنبع من بروز قوة في غير محلها” واليوم وبعد نحو ستة عقود من خطاب أيزنهاور تصل ميزانية البنتاغون إلى نحو 770 مليار دولار، وهذا هو الرقم الظاهر، وبالقطع هناك برامج سرية عسكرية أميركية، غالباً لا يعلم الرئيس عنها شيئاً، ما يجعل من هذا المجمع قوة عميقة حقيقية، تدفع في طريق عسكرة الحياة الأميركية، وإزاحة من يتقاطع معها من أنصار رؤساء السلام، الأمر الذي حدث مع الرئيس كارتر في نهاية سبعينيات القرن الماضي.

باتت قناعه لدى الأمريكيين ووفق استطلاعات الرأي في الأعوام الاخيره  جاءت نتيجتها مؤكدة بحضور الدولة العميقة بقوة في الولايات المتحدة الأميركية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب