فلسطينثقافة وفنون

ملحمة شعرية عن (غزة) رأيت الله في غزةِ للشاعر : يوسف الخطيب

للشاعر : يوسف الخطيب

ملحمة شعرية عن (غزة)

رأيت الله في غزةِ

للشاعر : يوسف الخطيب

 

للميلاد (أيام الإنتفاضة الأولى)

حَليبُكِ في دَمِ الشهداءِ ساقيةٌ

تهيمُ على جهات الأرضِ

ثم تَصُبُّ في بحرِكْ

حَليبُكِ خمرُ داليةٍ

يَعُبُّ كؤوسَها الندمانُ

ثم يكون من دمهم طِلى ثغركْ

حَليبُكِ غيمةٌ بيضاءُ

تشربُ منكِ لونَ الجرحِ

ثم تغوصُ في صدرِكْ

وليلةَ أن بَرَحتُكِ

ضِعتُ في الأحقافِ

أشردُ عنكِ في إثْرِكْ

وَعَدْتُكِ عند بستانِ القيامةِ

أَسرجي فرسَ الصباحِ

وَجَنِّحي الدنيا على قبرِكْ

هَبيِ أَنَّ النجومَ توارت الليلهْ

فتلك تُضيءُ فيكِ بنادقُ الثوارْ

هَبِي أَنْ شَحَّ منكِ الزيتُ في الشعله

فتلك صُدورهم دَفَقَت نبيذَ النارْ

لأَنكِ أنتِ – في واحد

هي البستانُ ، والندمانُ ، والخمره

لأن جبينَكِ الماردْ

هو الثُّوارُ، والثوره

وقلبُكِ وردةٌ مشكوكةٌ في الرمحِ

وهو على أَكُفِّ غُزاتِهِ جمره

وأنتِ الآنَ مَكَّةُ كُلِ قافلةٍ

وغارُ حِراءِ كُلِّ نبي

وأَنتِ الآن طيرُ البعثِ

يهبطُ معبدَ اللهبِ

يَـحُطُّ قَتامَ هذا الليلِ

ينفخُ في قِرابِ السيفِ

روحَ الحرفِ

بين قبائلِ العربِ

وأنتِ الآنَ آمنةٌ

وأنتِ حليمةُ الصحراءْ

وَبَوْحُكِ صارَ جِبريلَ القصيدِ

وسُورةَ الشعراء

وَجُرحُكِ صار مائدةَ المسيحِ

وزمزمَ الشهداءْ

وأعلمُ أَنَّ فوقَ الطُّورِ

مِن خشبي، ومِسماري

سأَصعدُ فيكِ جَلجَلتي

وَبَعْدُ، يكونُنِي الإنسانْ

فَخَلِّي بيننا وعداً

خِلالَ الليلِ ، والبستان

وَجُزِّي خُصلةً ، من فوق خَدِّكِ

نارَ تَذكارِ

ولو أني نسيتُ إليكِ ما النسيان

وهاتي قبلةً لفمي

وهاكِ دمي

على شفتيكِ

لونَ شَقيقةِ النَّعمانْ

لأني فيكِ غُصتُ غَيابَةَ الجُبِّ

وأصعدُ فيكِ طُورَ الحزنِ، والحبِّ

وها أجراسُ قافلةٍ

تجيءُ إليَّ عبرَ سفوحِ جِلْعادِ

فسوف أَشِيدُ مِئذنتي

على بَوَّابِة السلطانْ

وأقرأُ فيكِ، أدعِيَتي، وأَورادي

وأنشِدُ فيكِ إنشادي:

أُحِبُّ حبيبتي يا ليلُ

خُذْ بَوْحي وأسراري

وتحت ربيعِ شُرفَتِها

فتحتُ جروحَ قِيثاري

فنادِ عليَّ كلَّ الحيِّ

مِن عَسَسٍ، وَسُمَّارِ

يَظلُّ لديَّ قبلَ الموتِ

قبلَ البعثِ

عُمْرُ فراشةِ النارِ

وَعُمْرُ قصيدةٍ تُتلى

وَأَدعِيةٍ

وَعُمْرُ عِناقْ

وعندئذٍ، يُشَبَّهُ للمدينةِ

أَنْ وَصْلَ اثنينِ

كان فِراقْ

حَليبُكِ في دمِ الشهداءِ منكِ إليكِ

أنتِ وَ هُم خُلوصُ البحرِ في المُزْنِ

وأنتِ وَ هُم نشيدُ الحبِ والحزنِ

نهايتُهُ بدايتُهُ على الكونِ

ونحن هنا – على الأحقافِ

مخبولون في مَسٍّ من الجِنِّ

فنادِينا، لعلكِ إن نفختِ الصُّورَ

قد تَجدين شِبهَ القلبِ، والأُذْنِ

يَهِيجُ بنا

وشِبهَ الدمعِ في العينِ

ونحن على أرائِكنا

نَمُدُّ الآهَ تِلْوَ الآهْ

ونُحيي لِلصباحِ ولائِمَ العَرَقِ

ونغسلُ عارَنا بالعطرِ والدَّبَقِ

ونحن هنا

نُعَمِّرُ، من مجاعتنا، بيوتَ اللهْ

لكي ننساهُ بين خرائبِ الأقصى

لكي ننساه

ولكني صعدتُ إليهِ طُورَ سِنِينَ،

رحتُ إليهِ حتى قِمَّةِ المأساه

ويا قومي أُبَشِّركم رأيتُ اللهْ

وكنتُ وكانت الأشياءْ

دُخاناً فوق وجهِ الغَمْرِ

وهو يُعيدُ خَلْقَ الكونِ من سِيناءْ

رأيتُ اللهَ بين حرائقِ الحربِ

يَضُمُّ لصدرِهِ الدنيا

يَصُبُّ الغيمَ في النابالم

يطبعُ قبلةَ الحبِّ

رأيتُ اللهَ في غزه

يُؤَرجِحُ فوق نورِ ذراعِهِ طفلا

إلى أَعلى

ويمسحُ في سكونِ الليلِِ

أَدمعَ أُمِّهِ الثكلى

رأيتُ اللهَ في الساحاتِ

يُغمِضُ أَعينَ القتلى

ويَسقي في مدافنهم

غصونَ الآسِ والدِّفلى

رأَيتُ اللهَ يأتي الكوخَ والخيمهْ

يَزُقُّ صِغارَهُ السَّغِبين باللُّقمه

يطوفُ على شبابيكِ السجونِ

يُضِيءُ فوق شِفاههم بَسمهْ

رأيتُ اللهَ يَبْرَحُ قُبَّةَ الجامعْ

ويَنزلُ في صدورِ المؤمنينَ

ويملأ ُ الشارعْ

رأيتُ اللهَ رُوحَ العزمِ في الناسِ

أمامَ سَرِيَّةٍ يَمضي

ويكمنُ خلفَ متراسِ

رأَيتُ اللهَ – وَجْهَ الشمسِ

فوقَ عَباءَةِ السُّحُبِ

يَجيءُ مدينةَ الأبطالِ

يَسقي الأرضَ غيثَ الصبرِ

في جامٍ من الغضبِ

رأيتُ اللهَ يرفعُ من خَرائِبها

مَنارةَ كُلِّ بَحَّارِ

وها أَنا فوق صدر اليَمِّ

أَمخُضُ مَوْجَ أَقداري

وأَسأَلُ عنكِ واغَزَّاهُ

في مُقلِ النجومِ، ونَوْرسِ الصَّاري

وأَعلم أنَّ ما بيني وبينكِ

أُفْقَ أسوارِ

ولكني اعتليتُ إليكِ صهوةَ هِمَّتي

وجُنونَ إصراري

وأنتِ البحرُ والبَحَّارُ والمَرْسى

وَحُمَّى الأهلِ والدارِ

ومنكِ، إليكِ، أسفاري

وها أنا في عُبابِ اليَمِّ

يسألني نزيفُ جبينِكِ المصلوبِ

إكليلاً من الغارِ

ولكن آهِ لو تدرينَ

ذاكَ العامَ لم نَفْلَح مواسِمَنا

وكلُّ حَصادِنا الصَّيفيِّ

كان طحالبَ العارِ

وأنتِ، على بَهيمِ الليلِِ

وَحْدَكِ كنتِ داليةَ الصباحِ

وكنتِ أُغنيةً من النارِ

أُرَدِّدُها على سَوْطِ الخليفةِ

آهِ أَحدِسُ يا ملاكَ الموتِ

من سيكونُ زُوَّاري

أٌحِسُّ حفيفَ أَجنحةٍ

تُحَلِّقُ فوق أَسراري

ونحنُ، على أرائِكنا

نَمُدُّ الآهَ تِلْوَ الآه

ونُحيي، للصباحِ، ولائِمَ العَرَقِ

وأنتِ، هناكَ

يشمخُ فيكِ وجهُ اللهْ

وجرحُكِ ريشةُ الشَّفَقِ

وأنتِ جزيرتي

وأنا إليكِ سفينةُ الأُفُقِ

وأنتِ قصيدتي

وأنا نزيفُ الحبرِ في الوَرَقِ

وأنتِ عِناقُ أَخْيلَتي

وأنتِ قلادةُ العُنُقِ

وثغرُكِ حَبَّتا كَرَزٍ

وعِطرُكِ غابتا حَبَقِ

وصدرُكِ جَرَّتا عَسَلٍ

وشَعْرُكِ نَخْلَتا عَذَقِ

ونام على يديكِ الدهرُ

نام البحرُ

واستيقظتِ فوق وِسادةِ الأَرَقِ

لأنكِ أنتِ صقرُ قُريشنا

وَبقيَّةُ الرَّمَقِ

لأَنكِ أَنتِ آخرُ رايةٍ لم تَهْوِ

فاصطفقي

لأنكِ أنتِ طيرُ البعثِ

فاحترقي

وَعَبْرَ رمادكِ انبثقي

حَليبُكِ في دمِ الشهداءِ

داليةٌ تذوبُ على لَظى ثَغرِكْ

وهم ساقُوكِ، حتى الصبحِ

ما شربوهُ من خَمرِكْ

وأنتِ وَ هُم عِناقُ الموجِ والرملِ

وأنتِ وَ هُم مِزاجُ الدمعِ والكُحلِ

وأنتِ وَ هُم بلا أهلٍ

بلا أهلٍ

بلا أهلِ

فَشُقِّي ثوبَكِ العربيَّ عن سِتْرِكْ

ودُقِّي صدرَكِ المَسْبِيَّ في الليلِ

ونادينا بأَعلى الطُّورِ

نَسهرْ ليلةَ البستانِ في حِجركْ

لأنَّ هناك وَعْدَ الصبحِ

ينهضُ من دُجى قبرِك

الشاعر :يوسف الخطيب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب