مقالات

لماذا لا يحرج الاحتضان الأميركيّ لنتنياهو الحلفاء العرب؟

لماذا لا يحرج الاحتضان الأميركيّ لنتنياهو الحلفاء العرب؟

سليمان أبو ارشيد

اللافت في خطاب نتنياهو هو تكراره لمقولة “أصدقائنا العرب” الأمر الّذي يوحي أو ربّما يفصح أنّ الدول العربيّة المعتدلة شريكة فعليّة في الحرب على غزّة، وأنّ هزيمة حماس كما يقول، ستكون ضربة قويّة لما أسماه بمحور الإرهاب الإيرانيّ…

خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركيّ جاء ليؤكّد الفعل الجاري على الأرض بدمويّة منقطعة النظير في غزّة بالقول الواضح الّذي لا لبس فيه بأنّ ما زالت إسرائيل قاعدة استعماريّة ورأس حربة للإمبرياليّة الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة في المنطقة، سارت وما زالت على “هدى” سياسة المستعمرين الأوائل في محو وإبادة أهل البلاد الأصليّين للسيطرة على الأرض والجغرافيا الفلسطينيّة، وعسكرت بتمويل وتسليح أسيادها مشروعها الاستعماريّ، ووسّعت نطاق هيمنته ليشمل المنطقة العربيّة كلّها.

هذا ما قاله نتنياهو بصريح العبارة في خطابه الّذي قوبل باحتضان الكونغرس، وقوطع بالوقوف والتصفيق الحارّ، بين كلّ فاصلة وجملة جرى فيها تأكيد هذه الحقائق السياسيّة التاريخيّة والجارية، فهو دعي ومثل أمام منتخبي ونخب النظام الأميركيّ الّذي يقود النظام الرأسماليّ العالميّ وامتداده الاستعماريّ القديم والجديد، ليذكر من نسي أو كاد من قادة أميركا ومنتخبيها السابقين واللاحقين بحقيقتهم الاستعماريّة الدمويّة الّتي تأسّست عليها دولتهم ونظامهم الممتدّ بحلفائه وأدواته حول العالم، بمكانة إسرائيل ودورها في صيانة وتعزيز هذا النظام في إحدى المناطق الاستراتيجيّة الأكثر أهمّيّة في العالم.

ولم يدّخر نتنياهو الّذي يجيد فنّ الخطابة والكلام المحشوّ بالكذب والتدليس، والّذي جاء مستنكرًا اتّهامه بـالانحراف عن القواعد السلوكيّة لهذا النظام، الّذي تربّى على قيمه العنصريّة و”نشأ” على “أخلاقيّاته” الاستعلائيّة ومارس، وما زال بجدارة فائقة سياساته الّتي تعتمد على الغطرسة والقوّة والعربدة، ونشر الرعب عبر إغراق البحار بالأساطيل والسموات بالصواريخ والنفّاثات القادرة على تحويل اليابسة إلى نار وناسها إلى رماد.

لقد “قذفهم” نتنياهو بكلّ تلك الاستعارات التاريخيّة الملطّخة بالدماء من “بيرل هاربر” وما استدعته من إبادة لعشرات الملايين من اليابانيّين الأبرياء في “هيروشيما” و”ناجازاكي” المجرّد أنّ قادتهم تجرّأوا على تحدّي العملاق الأميركيّ، إلى “11 سبتمبر” الّتي جلبت تدمير العراق وأفغانستان وإيقاع ملايين القتلى والجرحى دون ذنب ارتكبوه، لحاجة استعادة الهيبة الأميركيّة الّتي مسّت بها الهجمات الّتي نفّذتها القاعدة.

ضمن هذا المفهوم لا غضاضة، في أن تقوم إسرائيل بتدمير مساحة صغيرة لا هي دولة ولا حتّى جزء من دولة مثل غزّة، وتقوم بقتل بضعة آلاف أو حتّى عشرات الآلاف من سكّانها “الأشرار” انتقامًا لهجوم “السابع من أكتوبر” الّذي يعادل وفق نتنياهو “11سبتمبر” بـ 22 مرّة، في المعركة الدائرة بين ” الهمج الإرهابيّين أعداء الحضارة والديمقراطيّة وبين العالم المتحضّر والديمقراطيّ، بين من “يمتازون بلعب دور الدروع البشريّة وبين من يقدّسون الحياة” بين “من يعتبرون الموت تراجيديا وبين من يعتبرونه استراتيجيا”، بتعبير نتنياهو الّذي يعتقد، بالرغم من ذلك الهجوم الإسرائيليّ في رفح على سبيل المثال لم يقتل فيه ولا مدنيّ واحد.

وفي سياق تأكيد الدور الوظيفيّ الّذي تلعبه إسرائيل في المنطقة وبوصف صراعاتها المختلفة الّتي يشكّل الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ محوره الأساس، جزء من صراع عالميّ أوسع تقوده أميركا، ويتمّ توظيف موقع ومكانة وقدرة إسرائيل فيه، يقول نتنياهو محاولًا تعظيم مكانة إسرائيل ونقل دورها من مجرّد كلب حراسة للمصالح الاستعماريّة في المنطقة إلى شريك فعليّ وقاعدة أماميّة في المواجهة سالفة الذكر، يقول للأميركيّين “عندما نحارب حماس، ونحارب حزب اللّه، ونحارب إيران نحن نحميكم، لأنّ أعداءنا وأعداءكم وحربنا حربكم؛ ولذلك فإنّ نصرنا هو نصركم أيضًا”.

واستمرارًا في إعلاء شأن إسرائيل في داخل هذه المنظومة الاستعماريّة، وبكثير من الوقاحة الّتي تصل حدّ وضع إسرائيل بموازاة أميركا كشريك متوازين وربّما فوقها، ودفع أيّ شعور بالنقص يمنعه من انتقاد ومهاجمة المسؤولين والمتظاهرين الأميركيّين على حدّ سواء، وفي مقدّمتهم الرئيس بايدن، يضيف نتنياهو “أنّ إسرائيل وأميركا نجحتا معًا في تطوير أعظم وأعقد المنظومات العسكريّة والسايبيريّة في العالم، ويقصد منظومة القبّة الحديدة ومقلاع داوود وغيرها.

إذن، إسرائيل بنظر نتنياهو لم تعد مجرّد قاعدة ورأس حربة وكلب حراسة في النظام الاستعماريّ الّذي تقوده أميركا، بل هي شريك استراتيجيّ للولايات المتّحدة على مستوى المنطقة والعالم أيضًا، ومن هنا تنبع الثقة بالنفس الّتي تجعله يتعامل ويطالب من الإدارة الأميركيّة التعامل مع إسرائيل بنديّة، علمًا أنّ دعوته من الكونغرس وخطابه والتصفيق الّذي حظي به من أعضائه يفضح الجزء الآخر من الحقيقة، المتمثّل بالنفوذ الهائل الّذي يتمتّع به اللوبي الصهيونيّ هناك وعمق تحكّمه بمفاصل القرار في مختلف المؤسّسات والأحزاب.

اللافت في خطاب نتنياهو هو تكراره لمقولة “أصدقائنا العرب” الأمر الّذي يوحي أو ربّما يفصح أنّ الدول العربيّة المعتدلة شريكة فعليّة في الحرب على غزّة، وأنّ هزيمة حماس كما يقول، ستكون ضربة قويّة لما أسماه بمحور الإرهاب الإيرانيّ، وأنّ انتصار إسرائيل فيها سيقود إلى تحالف جديد- قديم في المنطقة هو امتداد لاتّفاقات “أبراهام”، أنّها مفارقة محزنة خاصّة عندما يجري الحديث عن حرب إبادة تشنّ ضدّ الشعب الفلسطينيّ يراد بها محو الشعب الفلسطينيّ من خارطة المنطقة ودفن حقوقه الوطنيّة إلى الأبد، الأمر الّذي أكّده نتنياهو عندما قال “إنّ فلسطين التاريخيّة كانت منذ أربعة آلاف عام موطنًا للشعب اليهوديّ، وستظلّ دائمًا كذلك، وأنّ القدس المحتلّة ستبقى العاصمة الأبديّة الموحّدة لإسرائيل، ولن يتمّ تقسيمها.

لكن في إسرائيل تندر الكثير من المعلّقين عن التباين الّذي يحظى به نتنياهو في كونغرس الولايات المتّحدة مقابل الاحترام، أو عدم الاحترام الّذي يحظى به في إسرائيل، وفي هذا السياق كتب بن كسبيت، لو كان نتنياهو يخطب هناك مرّتين في الأسبوع لوضعت مقعدًا أمام الكونغرس، ووضعت قبّعة مكتوب عليها “النصر المطلق”، في إشارة إلى أنّ الخطابات لن تحوّل نتنياهو إلى وينستون تشرتشل الّذي يريد، لأنّه في الحياة الواقعيّة بإمكانه أن يكون بصعوبة نائب تشمبرلين، فهو يطلق تصريحات من على منصّة الكونغرس بأنّ إسرائيل هي الّتي تحمي أميركا، في حين لا يجد فيه من يحميه من إيتمار بن غفير، كما يقول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب