مقالات

نتنياهو المعجب بتشرشل: ما الصفات المشتركة؟

نتنياهو المعجب بتشرشل: ما الصفات المشتركة؟

عوض عبد الفتاح

كان لافتًا في حملة التهديد الصادرة من إسرائيل تناغم الإتئلاف والمعارضة، وخروجهم جميعًا في جوقة واحدة في مسرحيّة سكب الدموع على الضحايا…

الفاجعة الّتي حلّت بأهالي مجدل شمس، الّتي سقط عليها صاروخ ومزّق أجسادًا غضّة لـ12 من الفتية، وهم في لحظة من اللعب والمرح والمتعة، مهولة ومحطّمة للقلوب. ولم يخفّف وقعها الصادم علينا، المتابعة اليوميّة لجرائم الإبادة الصهيونيّة في غزّة، حيث تمزّق أجساد بأعداد خياليّة من الأطفال يوميًّا، وتبتر أطراف كثيرين.

لكنّ هذه الفاجعة كانت فرصة “احتفال” بالنسبة لرئيس حكومة نظام الأبرتهايد، بنيامين نتنياهو، الّذي باتت بلادته وانتهازيّته ونرجسيّته مكشوفة بصورة سافرة، والّتي اجتمعت مع ايدلوجيّته العنصريّة والتوسّعيّة الخطيرة، إذ ظنّ أنّ الفرصة باتت مواتية لتحقيق مآربه الخبيثة، والشرّيرة، مثل زرع الفتنة المذهبيّة، ومحاولة استمالة سكّان الجولان العرب السوريّين المنتمين للطائفة المعروفيّة، وكذلك إرضاء للدروز الفلسطينيّين الغاضبين من قانون القوميّة، حيث أراد استغلال هذه الكارثة الإنسانيّة، لتوسيع المواجهة على الجبهة الشماليّة، وردع المقاومة اللبنانيّة، تحت ضغط النقد الداخليّ على هذا العجز والفشل.

ويظنّ المرء لوهلة، أنّ هذه الشخصيّة قد استنفذت مخزون الشرّ الكامن فيها، ولكنّك تكتشف مرّة أخرى أن لا قاع للانحطاط الأخلاقيّ لبنيامين نتنياهو، من حيث استحواذ النزعة الكلبيّة، والانتهازيّة، وبلادة الإحساس، والنرجسيّة، عليه. فحتّى المحتجزين الإسرائيليين، من أبناء جلدته، لدى حركة حماس، وصراخ عائلاتهم، كلّ ذلك لا يحرّك لديه أيّ شعور بالرحمة. وقد تأكّد أنّه حكم بالإعدام على المفاوضات من أجل إطلاق المحتجزين وإنهاء الحرب الاباديّة، خدمة لأغراض سياسيّة فئويّة ومصلحة شخصيّة. وجميع هذه الصفات، متداولة في كتابات محلّلين إسرائيليّين، وأقطاب المعارضة.

لفترة طويلة سلّمت بهذا الولع عند نتنياهو بشخصيّة الزعيم البريطانيّ ونستون تشرشل الّذي شغل رئيس حكومة بريطانيا أثناء الحرب العالميّة، وقاد الحرب ضدّ ألمانيا النازيّة، ومنع هزيمة بريطانيا ممّا حوله إلى بطل، بل إلى أيقونة عند الشعب البريطانيّ، وعند كثيرين خارج بريطانيا، كأمر طبيعيّ.

بالنسبة لنا كفلسطينيّين، معروف لنا أنّه شخصيّة استعماريّة، ومرتكب لجرائم حرب في الهند الّتي استعمرتها بريطانيا حوالي 200 عام، ولدوره في دعم المشروع الاستعماريّ الصهيونيّ في فلسطين. وكان دافعه وراء دعمه لوطن قوميّ لليهود في فلسطين، ليس إنقاذًا لليهود من الملاحقة والاضطهاد، بل لحاجة الإمبراطوريّة لمستعمرة تخدم مصالحها وتشتّت العالم العربيّ.

ولكن، وأنت تبحث أكثر عن الصفات الشخصيّة لتشرشل، سعيًا وراء الفضول لمعرفة سبب ولع نتنياهو بهذه الشخصيّة البريطانيّة، فتجد في كتابات لمؤرّخين أو أكاديميّين بارزين، مثل المؤرّخ الشهير مارك فيلتون، أو المفكّر والروائيّ، اليساريّ البريطانيّ، طارق علي أسرارًا أخرى.

مثلًا تجد جملة قالتها عشيقة تشرشل، عنه، بعد افتراقهما، بأنّه “انتهازيّ، ووصوليّ وحقير”. وتجد أيضًا أنّه كتب مقالًا عام 1935، يشيّد بهتلر، ويعتبره رجلًا شجاعًا ومثابرًا وعنيدًا، وأنّه أعاد بناء ألمانيا صناعيًّا واقتصاديًّا بسرعة بعد هزيمتها في الحرب العالميّة الأولى، ووقوفه سدًّا منيعًا ضدّ الثورة البلشفيّة الروسيّة. وتناغم مع هتلر بعدائه للساميّة في الادّعاء أنّ اليهود هم المسؤولون عن الثورة الشيوعيّة. وسافر، ولم يكن في حينه رئيسًا للوزراء، إلى مدينة ميونخ رغبة في لقاء هتلر، والتعرّف إليه، لكنّ هتلر لم يكترث للقائه، قائلًا لمساعده ما الفائدة من لقاء شخص في المعارضة. كما أنّه أيضًا كان معجبًا بموسيليني الفاشي الإيطاليّ، والتقاه عام 1927، كما كان من مؤيّدي الدكتاتور فرانكو في حربه الفاشيّة ضدّ الثورة الإسبانيّة في الثلاثينات.

وفي ردّ على سؤال طرح في لقاء صحفيّ، حول السبب في تأليف كتاب عن تشرشل، خاصّة وأنّ هناك كتبًا كثيرة كتبت عنه، قال طارق علي؛ لقد جاء الدافع بفضل حملة تحطيم رموز الكولونياليّة، الّتي ظهرت في السنوات الأخيرة في الدول الغربيّة ذات التاريخ الاستعماريّ. وأضاف أنّه كان هناك حاجة لإظهار الجانب المظلم المغيّب من تاريخ هذا الرجل. وأضاف “لقد كان يوصف هذا الرجل قبل تسلّمه رئاسة الحكومة في بريطانيا عام 1940، بأنّه مثير للانقسامات، وانتهازيّ، ويمينيّ، وتنقّل بين عدّة أحزاب، وأنّه كان عنصريًّا صريحًا، ودعا إلى ضمان تفوّق العرق الأبيض”.

لكنّ بروزه في المعركة ضدّ ألمانيا النازيّة غطّى على هذا الجانب المظلم، واحتلّ مكانة البطل التاريخيّ في التاريخ الرسميّ. وذكر مؤرّخون آخرون أن تشرشل ارتكب جرائم حرب أثناء الهجوم على ألمانيا، إذ كان هو البادئ وبتصميم مسبق على استهداف المدنيّين، الّذين قتل منهم الملايين. هذا هو تشرشل اللاسامي، الكاره لليهود، وحامل النزعة الفوقيّة للبيض.

إنّ الضحايا الّذين سقطوا في مجدل شمس، هم عرب سوريّون، ويعيشون منذ 57 عامًا تحت احتلال، واستعمار استيطانيّ متواصل من حيث السيطرة على الموارد، وبناء وترسيخ المستوطنات، ومخطّطات الأسرلة، وفرض القيود على حياتهم اليوميّة، إضافة إلى فرض الضمّ على الجولان ضدّ رغبة السكّان، وكلّ ذلك يمثّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدوليّ، وهم اليوم مفصولين عن بلدهم الأمّ، سوريا. ولكونهم ينتمون إلى الطائفة العربيّة المعروفيّة، فقد ظنّ نتنياهو أنّ الفرصة باتت مواتية، لإشعال الفتنة المذهبيّة، واستغلال ذلك لتصعيد المواجهة في لبنان، وتوجيه ضربة تدميريّة له يخطّط لها منذ سنوات طويلة، دون أن يتجرّأ على ذلك. كما يفترض أنّ التهديد بضربة من هذا النوع قد تردع المقاومة اللبنانيّة، وتدفعها لفكّ الارتباط بجبهة غزّة، لتبقى المذبحة اليوميّة متواصلة دون رادع .

وكان لافتًا في حملة التهديد الصادرة من إسرائيل تناغم الإتئلاف والمعارضة، وخروجهم جميعًا في جوقة واحدة في مسرحيّة سكب الدموع على الضحايا، والدعوة إلى شنّ حرب مدمّرة على لبنان، وإشعال الفتنة المذهبيّة. ليس النفاق، والكذب، والتكاذب، وافتعال الحزن، مظاهر جديدة لطبيعة منظومة الحكم، وإن كانت قد اتّسعت، بل ربّما الجديد، هو أنّ حكّام إسرائيل ليس فقط أنّهم يعرفون أنّهم يكذبون، بل يعرفون أنّ حكومات الغرب الموالية لهم تسلّم بالكذب، وتساير أكاذيبها، وإن كان بعضها يحثّها على ضبط النفس، خوفًا على مصالحها.

لكنّ أهل الجولان كانوا لهم بالمرصاد كالعادة، وفوّتوا الفرصة على نظام الإبادة وأبواقه وعملائه، واسمعوا موقفًا ووطنيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا صلبًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب