ثقافة وفنون

أي انعكاس لدعم الدولة على الفنون في المغرب؟

أي انعكاس لدعم الدولة على الفنون في المغرب؟

عبد العزيز بنعبو

الرباط ـ : أبناء الجيل الفني الحالي في المغرب، ربما لا يعرفون ولا يدركون تماما المعاناة التي تكبدتها الأجيال التي سبقتهم في الممارسة الفنية بكل تلويناتها مسرحية أو موسيقية أو تشكيلية، كما أنهم لا يعرفون قيمة تلك الفرحة التي عاشها الجيل السابق لهم مباشرة، بعد الإعلان عن إطلاق وزارة الثقافة لسياسة الدعم الفني، الذي حاول إخراج المشهد الفني المغربي من تخبطه في العشوائية والاجتهادات الفردية والمكابدة اليومية للفنان مع المعيش والرغبة في الاستقرار والعيش الكريم.

الأكيد أن ولاية الوزير الأسبق للثقافة محمد الأشعري، ومعها تسعينيات القرن الماضي، حين تولى الحقيبة عام 1998 ستظل راسخة في ذاكرة المشهد الفني المغربي، حين جاء الخبر مثل الزغرودة التي ظن الجميع أنها ستنهي محنة الفنانين المغاربة، وانطلق قطار الدعم الفني، وشمل المسرح والموسيقى والفنون البصرية، وكان الموسم استثنائيا بحق، حركة غير عادية، الفرق المسرحية تشغل على الجديد، وتعد العدة لعروض حضرها جمهور غفير خاصة أنها مدعمة، وبدأت نسائم الفرح تداعب أنفاس المسرحيين وتدعوهم إلى حفلة مفتوحة على الأمل، كما ظهرت فرق مسرحية جديدة، إلى جانب القديمة التي واكبت اللحظة بالجديد ركحيا.
مثل إشراقة الشمس بعد طول مغيب، كان المشهد الفني يعيش نشوة الفرح والاستفادة من أشعة طال انتظارها، كانت الفكرة مبتكرة ومبادرة محمودة، أوضحت وزارة الثقافة من خلالها، انها تفكر في أفق فني أكثر رحابة وأكثر أمل وأكثر دينامية وعطاء.
الأسئلة في البداية كانت مؤجلة، فلا أحد يريد أن ينغص فرحته بالقلق، لكنها مع توالي السنوات، ودخول الدعم في روتين الملفات والوثائق، كبرت الأسئلة، وأولها: هل استطاع الدعم أن يعطينا موسما مسرحيا وغنائيا بالمعنى الصحيح؟ والأكثر من ذلك، ما هي الإضافة النوعية التي أضافها للإبداع؟
بينما انسلت السنوات من عمر الدعم المالي للفنون، تراكمت الأسئلة القلقة، وصار المسرح مثلا مجرد ملف ووثائق، والجري الحثيث عند اقتراب آجال التسليم، يشبه العدو الريفي في أراض غير معبدة ولا معشوشبة، كما أصبحت المسرحيات على الورق أكثر منها على الخشبة، والتعميم هنا جريمة، لأن فرقا مسرحية كانت تجد وتجتهد وتواصل الابداع، في حين فرق طارئة كانت تجيد فقط اعداد الملفات والعقود، وأبقت العروض في غرفة الانتظار.
موسيقيا، لم تعرف الأغنية المغربية أي إضافة نوعية ولا كمية لرصيدها الغني الذي يبدو أنه توقف عند الرواد من المطربين والملحنين والشعراء الغنائيين، أمثال عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي وعبد القادر الراشدي ومحمد الحياني وأحمد الطيب العلج ونعيمة سميح والغرباوي والحداني والجامعي وغيرهم كثير ممن تركوا للمغاربة رصيدا لا ينسى من الأغاني الناجحة والنابضة إلى يومنا هذا، حتى سميت مرحلتهم بالزمن الذهبي وليس الجميل فقط.
رغم الدعم لم تتحرك الأغنية المغربية، وبقيت في سباتها، وكان سؤال عدد من المتتبعين، أين هي تلك الأغاني المدعمة، ومتى سيتسنى للمغاربة الاستماع إليها ومعرفة ما جادت به قريحة جيل الدعم الفني الموسيقي، وكانت هناك اقتراحات بتنظيم مهرجان أو ملتقى سنوي تعرض فيه الأعمال المدعمة الجديدة، ومنهم من طالب بالنتيجة قبل تسليم الدفعات المالية، وغيرها من المطالب والمقترحات التي كان الهدف منها، الوقوف على مدى جدوى هذا الدعم وأثره على الأغنية المغربية، والمسرح والتشكيل أيضا.

أبو الفنون وجدل الدعم المالي

مسرحيا، بحكم أن الركح شكل وما زال قلقا للمبدعين المغاربة، لأنه لم يستطع إرضاء الجمهور العريض، ولم يستطع الخروج من عنق الزجاجة، وتشكيل موسم مسرحي مكتمل بكل تفاصيله، بل ما يزال حبيس الراهينة والتي صارت مرتبطة أساسا اليوم بالدعم ومواعيد تسليم الملفات والوثائق والعقود القبلية، كما أن الغضب يعتري الفرق المسرحية عند الإعلان عن نتائج كل موسم، وتتوحد الانتقادات في اتجاه واحد وهو لجنة الانتقاء، والتشكيك في مصداقية قراراتها، وهو ما يتكرر كل سنة.
عدد من الفرق المسرحية لا تشارك في «لعبة دعم الإنتاج والترويج» كما سماها مخرج غاضب جدا من هذه السياسة التي دخلت في دوامة الروتين و«قتلت الابداع» ولم تعط المأمول منها والمرجو كعائد ابداعي يثمر من شجرة الخشبة المغربية.
وإذا كان المخرج الغاضب قد طلب عدم ذكر اسمه لأسباب تخصه، فإن المخرج والممثل عزيز عبدوني، كان له رأي مغاير تماما، وهو يتحدث لـ «القدس العربي» من خلال وجهة نظر تؤيد الدعم الموجه للمسرح ولمختلف الفنون، ليؤكد أن «الدعم المسرحي يخدم أجندة الفن المغربي عموما ويخلق فرصة للشغل للممثلين والمخرجين والسينوغراف والكتاب والتقنيين ويساهم في بناء المسرح المغربي».
وبالنسبة لعزيز عبدوني فإن سياسة الدعم كانت لها «نتائج إيجابية، وخير دليل حصول الفرق المسرحية المغربية على عدة جوائز عربية وعالمية في المسرح» وتوقف المتحدث عند ولاية الوزير الحالي محمد المهدي بنسعيد، الذي «منذ قدومه تغيرت عدة أشياء وكثرت فرص الشغل والأعمال الفنية مثل مشروع نوستالجيا الذي مكّن من تشغيل مئات الفنانين» وهي إشارة ضمنية إلى ما اعترى سياسة الدعم في السابق من عثرات.
أما الممثل طارق البقالي، فقد اختصر مسافة الكلام بقوله «مطرب الحي لا يطرب»، ليضيف بـ «صراحة أجد أن هذا الدعم أوقف العملية الفنية في البلاد، والسبب هو الطريقة التي تدار بها العملية التي تتم على الأوراق وعن طريق دفع ملف كامل يتضمن الرؤية الإخراجية والسينوغرافية وما إلى ذلك، وعلى هذا الأساس يتم منح الفرقة هذا الدعم».
وتساءل البقالي في تصريحه لـ «القدس العربي» قائلا: «هل يستطيع أحد أن يشتري السمك وهو في البحر؟!» وردّ موضحا «على الوزارة أن تعيد النظر في عملية دعم الفرق المسرحية» مبرزا أنه يرى «أن تنجز الفرقة العمل المسرحي وتشاهده لجنة الدعم وعلى إثر ذلك يتم منحه من عدمه، لأنني وببساطة لا يمكنني أن أحس أو أن أشعر بالعمل قبل رؤيته، لا يمكنني أن أعطي حكما أو رأيا من خلال ورق».
ولم يفت طارق البقالي أن يشير إلى أنه «مع كل هذا، أجد أن المسرح المغربي في المحافل الدولية يحصد الجوائز، وتتم الإشادة به، وله مكانة في المشهد الفني بين الدول» ليستطرد قائلا «ومع ذلك نجده قليل الوميض على المستوى المحلي، فحتى على مستوى الإشهار، وعندما تسمع بأن هناك عرضا مسرحيا في قاعة من القاعات وتذهب لمشاهدته، تجد القاعة لم تمتلئ مقاعدها، أقل من خمسين في المئة من الحضور فقط، وهذا أيضا يجعلنا نتساءل، أين الخلل؟!».

بالنسبة للأغنية الدعم لم يكن حلا

الحنين إلى مجد الأغنية المغربية، جعل الجمهور يعزف على نغمة واحدة، وهي الزمن الجميل والذهبي، لكن ذلك لم يمنع من ظهور أصوات قوية ومتجددة وجديدة، أعطت للأغنية المغربية إضافة نوعية وكمية، ومكنتها من تحقيق الامتداد العالمي، ونذكر هنا سعد المجرد مثلا، رغم أن نصف أغانيه ليست باللهجة المغربية، كما انه لم يسبق له أن تقدم بملف لوزارة الثقافة من أجل دعم أعماله، في حين هناك من يواظب على هذه الخطوة كل سنة ومنهم من ينال رضا لجنة الانتقاء، وفي الأخير تظل تلك الأعمال والألبومات في درج الانتظار، لا احد يستمع لها أو يسمع عنها.
واعتبر الملحن محمد الأشراقي الحديث عن «موضوع الدعم الموجه لمختلف المشتغلين في مجال الفنون التعبيرية جدير بفتح نقاش موسع للقيام بجرد عام للحصيلة» لأنه «يحق لنا أن نتساءل عن حصيلة هذه السياسة في مختلف الفنون» موضحا أنه سيدلي برأيه «بخصوص المجال الذي اشتغل في حقله كملحن أبدع أعمالا وانتجها ذاتيا أي دون احتضان أو دعم».
وهنا أكد الفنان الأشراقي وهو يتحدث لـ «القدس العربي»، أن «الكثير من الفنانين مثلي لم يتحمسوا يوما لتقديم ملف لطلب الدعم» ومن وجهة نظره «فإن الفنان المبدع الحقيقي عندما يؤمن بمشروعه الفني لن يبحث عن الدعم بل سيصنع المستحيل ويكابر لإخراج عمله كنوع من احترام بنود تعاقد مع جمهوره ومتتبعيه وليس مع لجنة الدعم».
وطرح «سؤالا مشروعا في هذا الباب وهو هل هناك أغنية حققت نجاحا وانتشارا ونالت شعبية من الجمهور من بين الأعمال المدعمة؟» وزاد موضحا «اللجنة الوزارية للدعم لا تقوم بتتبع الأعمال المدعمة لقياس مدى استجابتها لانتظارات الجمهور، هذا الأخير يسمع أعمالا أخرى لم تدعم من قبيل أغاني الرواد التي لازال يرددها معظم المغنين أو أغاني شبابية يعتمد اصحابها على تقنيات جديدة وطرق حديثة تحقق لهم الانتشار».
وحسب الأشراقي، فإن «خلاصة القول بخصوص الأغنية لم يكن الدعم حلا، ممكن أنه يوفر فرصا للشغل بالنسبة لبعض ممتهني المجال، لكن إبداعيا ليس هناك إضافة نوعية لما هو موجود ومتداول، وهنا أعود لاقتراح عدد من الفنانين وهو إعادة هيكلة أجواق الإذاعة وتشغيل خريجي المعاهد بها ثم عودة لجان الاستماع للإذاعة ولجنتي الكلمات والالحان وهذا سيكون دعما حقيقيا للفنان وللمبدعين في مجال الغناء والفن الموسيقي». وختم تصريحه بسؤال قلق جدا: «ما جدوى دعم أعمال غنائية لا تبرمج في السهرات ولا يسمعها الجمهور الذي صارت له حرية البحث عبر قنوات مواقع التواصل عما يرضيه ويستجيب لذوقه».
على المنوال نفسه، سار الفنان عادل بوعواد مغني ورئيس فرقة الروك المغربية «بابل» الذي قال في تصريحه لـ «القدس العربي» إن «دعم الأغنية والموسيقى عموما، من الواضح أنه لم يحقق النتائج المرجوة حتى الآن، وهذا ليس بالأمر الجديد، فهو معروف في الأوساط الفنية والثقافية».
واستطرد بوعواد مشيرا إلى أنه لن يكون «متشائماً وأقول إنه لم تكن هناك أي نتائج، لكنها هزيلة جداً وتكاد تكون منعدمة» وبالنسبة إليه فإن «الأسباب تكمن في المبالغ المالية الضئيلة المخصصة للدعم، بالإضافة إلى سياسات الدعم البدائية التي لا تواكب تغير الذوق الموسيقي في صفوف الشباب».
«الأهم من كل هذا»، يوضح رئيس فرقة الروك المغربية «بابل» هو «ضرورة تحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص، لنرى فعلاً أن الدعم يساهم في رفع مستوى الفن وتطوير الصناعة الموسيقية في المغرب، بدلاً من أن تبقى الإبداعات حبيسة الرفوف».
وفي رأيه، يقترح الفنان بوعواد وجوب «إعادة النظر في هيكلة سياسات الدعم الفني والانفتاح على أنماط موسيقية حديثة تتماشى مع الذوق الحداثي للشباب، الذي تأثر بشكل كبير بالتقنيات الرقمية» لأنه «إذا لم نستطع مواكبة هذه التغيرات، فإننا سنفشل حتماً في تحقيق مشروع الصناعة الثقافية في بلادنا».
رأي مغاير قليلا، عبّر عنه المنتج ومدير أعمال فنانين مغاربة، مفيد السباعي، وركز على تفاصيل تعد عائقا أمام عدد من الموسيقيين، مثل الوثائق وخاصة ما أضافته الوزارة هذا الموسم، والتي تتعلق بشهادة انتظام أداء واجبات الاشتراكات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووثيقة عبارة عن تقرير مالي مسلم من قبل محاسب يبين نسبة الضريبة على الدخل ونسبة الضريبة على القيمة المضافة.
وفي رأي مفيد السباعي وهو يتحدث لـ «القدس العربي»، فإنه حسب تجربته في المجال الموسيقي، هذه الوثائق ليس كل فنان بإمكانه أن يوفرها، لذلك يؤكد أن الوزارة عليها أن تعرف الفنانين الذين يشتغلون ولديهم مداخيل من السهرات والحفلات.
وبالنسبة للسباعي، فإن عددا كبيرا من الفنانين لا يشتغلون طيلة السنة، فـ «كيف لهم أن يوفروا تلك الوثائق» مشيرا إلى الفنانين الذين يصرفون من مالهم الخاص من أجل اخراج جديدهم الغنائي بهدف المشاركة في المهرجانات والحفلات، لكنهم في الأخير يتم تجاهلهم، وتلك مشكلة أخرى يوضح مفيد.
وشدد على ضرورة إيجاد طريقة لمعرفة من له مداخيل من الفنانين ومن لا يتوفر على أي عائد مادي، بمعنى إجراء احصائيات دقيقة، وبالتالي الفصل فيمن يستحق الدعم المالي. وبعد أن أشار السباعي إلى ضرورة تتبع الملفات المدعمة، من البداية حتى خروج المنتج الغنائي، أبرز أن الوزارة حاليا على رأسها وزير شاب، يبدو أنه يريد الاشتغال وأن يصحح العديد من المسارات في الفن المغربي.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب