مقالات

 إنحياز الجيش للشعب…إعادة معاينة وتقص- عبدالله رزق ابوسيمازه

عبدالله رزق ابو سيمازه

 إنحياز الجيش للشعب…إعادة معاينة وتقص

عبدالله رزق ابوسيمازه
في السادس من أبريل عام 1985،أعلن الفريق أول عبدالرحمن سوار الدهب، وزير الدفاع في نظام المشير جعفر نميري، الإطاحة بالنظام، الذي تسلط على الشعب باسم الجيش وعلى الجيش باسم الشعب، ستة عشر عاما، وبداية عهد جديد. وقد عرفت تلك اللحظة الظافرة في تأريخ السودان السياسي، التي شهدت تنامي الانتفاضة الشعبية منذ انطلاق شرارتها في السادس والعشرين من مارس، إلى ذروتها، بانحياز القوات المسلحة للشعب خلال الانتفاضة.هذا العرف الثوري ،الذي استقر في وجدان الجماهير، هو الذي ألهمها في ذروة من ذرى انتفاضة ديسمبر 2019 ،للتوجه نحو القيادة العامة في السادس من أبريل 2020 ،بمذكرة من أجل المطالبة بتسليم السلطة للشعب. غير أن تنفيذ القيادات العليا للجيش لهذا الإنحياز، خلال انتفاضة مارس-أبريل المجيدة، لم يتم دون ضغط من قياداته الوسيطة ، المرتبطة بالشعب ونبضه. وبالذات، التحركات التي قامت بها المجموعة التي كان يتزعمها الفريق خالد الزين واللواء عثمان بلول، والتي عرفت باسم مجموعة الخلاص الوطني. وكانت أولى قرارات المجلس العسكري، الذي تولى الحكم برئاسة سوار الدهب ،هو إحالة ضباط هذه المجموعة للمعاش.
وتمتد جذور هذا العرف الثوري ،أيضا إلى ثورة أكتوبر 1964، حيث أجبر تنظيم الضباط الأحرار، المجلس العسكري الحاكم ، بتسليم السلطة للشعب.غير أن ماحدث في الحادي عشر من أبريل 2020، قد تجاوز الانتصار للانتفاضة، إلى محاولة قطع الطريق عليها ، بتحقيق هدفها بالإطاحة بالنظام وتصفية مرتكزاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية.فقد نحا ضباط لجنة البشير الأمنية ،انطلاقا من التزامهم الايديولوجي والسياسي لنظام البشير الإسلاموي، نحو المحافظة على النظام ،وعلى استمراره ،بعد اقتلاع رأسه، و”وضعه في مكان آمن “، حسب بيان رئيس اللجنة، الذي نصب نفسه رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى، يومئذ، حكم البلاد، منفردا. ولم تفض المفاوضات التي تم تسهيلها بوساطة افريقية واثيوبية، بين المجلس العسكري وقيادة الانتفاضة، ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير، إلا عن شراكة هشة بين العسكريين والمدنيين، حاول المكون العسكري الانقضاض عليها مرتين، مرة عقب مجزرة القيادة في 29 رمضان/ 3 يونيو 2020، ومرة ثانية ، بانقلاب 25 اكتوبر 2021.
وإلى الانقلاب الأخير ،الذي سعى لإعادة قوى وفلول نظام البشير ،الذين أطاحت بهم الانتفاضة من عروشهم، للحكم مجددا، تعود جذور الأزمة التي دخلتها البلاد، والتي تتوسط قوى إقليمية ودولية، بجانب قوى محلية، منذ ذلك الحين ، لأجل تفكيكها، وإعادة وضع التطور السياسي في مساره التأريخي الصحيح ،وصولا للديموقراطية والحكم المدني.
غير أن هذه الوساطة، تحت ما يسمى بالعملية السياسية، والتي تسعى لإعادة إنتاج الشراكة المغدورة ،بين المدنيين، في تحالف قوى الحرية والتغيير وشركائه، من جهة، والمكون الانقلابي ،من الجهة الأخرى ،لازالت تصطدم بالعديد من المعوقات، التي حالت حتى الآن دون وصول الأطراف إلى اتفاق نهائي ، تتكون على أساسه مؤسسات الحكم الانتقالي.إذ تحمل العملية السياسية جرثومة فنائها داخلها، منذ أن جعلت من الانقلاب ،وشرعنته، حجر الزاوية في بنائها، في وقت يتعين فيه إسقاطه
إن الادعاء بإنهاء الانقلاب عبر تلك العملية السياسية يواجه امتحانا عسيرا. لا يتعلق الأمر بكون الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، ليس الشخص المناسب ليكون طرفا في أي اتفاق إطاري او نهائي حسب، وإنما يتعلق أيضا بمناورات المكون الانقلابي وتوابعه العسكرية وشبه العسكرية، للحصول على أكبر حصة من المكاسب، بما في ذلك الحضور الملموس والمؤثر داخل مؤسسات الحكم الانتقالي، والإنفراد بتنفيذ برنامج الإصلاح في القطاع الأمني والعسكري، وضمان الإفلات من العقاب، والمحافظة على الامتيازات المكتسبة لأطرافه ،وغير ذلك من مطالب من شأنها إفراغ وعد “القيادة المدنية للانتقال الديموقراطي” من مضمونه. الخلافات التي كشفت عنها الورش حول القضايا الجوهرية ذات الصلة ببرنامج الانتقال،مثل العدالة الجنائية والانتقالية، والإصلاح الأمني والعسكري، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وهي القضايا التي كانت محل خلاف كبير بين مختلف الأطراف ،وفشلت ورشها الخمس في ردم هوة الخلافات حولها التي تفصل بين مختلف مكونات العملية السياسية، طبيعة المشكلات التي تنتظر الاتفاق النهائي وتحدد مستقبله، ومستقبل البنى السياسية والدستورية والتنفيذية وبرامجها والمنشأة على أساسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب