تيلغراف: هل ستؤثر أحداث الشغب البريطانية على استثمارات صناديق الثروة السيادية الخليجية
تيلغراف: هل ستؤثر أحداث الشغب البريطانية على استثمارات صناديق الثروة السيادية الخليجية
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “ديلي تيلغراف” تقريراً أعده تيم والاس وإير نولوز قالا فيه إن الاستثمارات القادمة من الشرق الأوسط ربما تتأثر بالشغب المعادي للمسلمين الذي شهدته بريطانيا في الأسابيع الماضية.
وقالت الصحيفة إن دول الخليج التي استثمرت مليارات الدولارات في بريطانيا قد تتأثر استثماراتها بسبب الشغب الذي ضرب معظم مدن البلاد وشمل الاعتداء على المساجد والفنادق التي يقيم بها طالبو اللجوء السياسي.
ففي الأسبوع الماضي، استقبلت بريطانيا نائب حاكم دبي في مكان غير مألوف، وهو ميناء غيتوي في لندن. وكان وصول الشيخ مكتوم بن محمد آل مكتوم الزيارة التي تريدها الحكومة في المستقبل.
مؤسس شركة الاستشارات “جيوبوليتكس بزنس”: الهجمات العنصرية في بريطانيا قد تؤدي لرد فعل قوي مستقبلاً، حيث تحاول دول الخليج ممارسة دور قوي على المسرح العالمي
تجول الشيخ مكتوم على ضفاف نهر التايمز لمعاينة إكمال التوسيع الأخير للمكان بكلفة 400 مليون جنيه إسترليني، وتملكه شركة موانئ دبي العالمية، والذي سيكون المشروع الرابع، وسيصبح الميناء الأكبر في البلد.
وتقول الصحيفة إن راشيل ريفز، وزيرة الخزانة، جعلت من جذب الاستثمار جزءاً مهماً من مشاريع تحديث البنى التحتية وزيادة نمو الاقتصاد. وكان توقيت زيارة الشيخ مهماً لسببين، وكلاهما ليس مغرياً لبريطانيا. فقد جاءت الزيارة بعد أسابيع من إعلان ريفز عن ثقب أسود في الميزانية العامة بقيمة 22 مليار دولار، وهو ما دفعها لإلغاء إنشاء بعض الطرق والسكك الحديدية ومراجعة برامج لبناء مستشفيات. وكانت لحظة قاتمة للحكومة التي تريد الترويج لبريطانيا كبلد مستقر وآمن للاستثمار.
أما السبب الثاني، فيتعلق بالشغب الذي اندلع في مدن البلاد الأخرى، وبعيداً عن المشروع الذي كان يتجول فيه الأمير، البالغ من العمر 40 عاماً.
فبعد أسابيع من الشغب والمواجهات العنيفة التي استهدفت المسملين والمساجد وطالبي اللجوء، كان هناك سؤال يتردد في الأذهان؛ هل دفعت الاضطرابات المستثمرين الأقوياء من الشرق الأوسط للتفكير مرتين قبل استثمار أموالهم في بريطانيا؟
وهو سؤال قيمته مليارات الجنيهات المحتملة على البلاد. ويتمركز بعض أكبر صناديق الثروة السيادية بالعالم في الخليج، وترتبط إدارة تلك الصناديق الضخمة من الأموال ارتباطاً وثيقاً بعملية صنع القرار السياسي على أعلى المستويات.
واستثمرت صناديق سيادية ومؤسسات مماثلة، مثل صناديق التقاعد العامة، 13.6 مليار دولار (10.6 مليار جنيه إسترليني) في بريطانيا، العام الماضي، حسب بيانات غلوبات أس دبليو أف.
وهو ما جعل بريطانيا رابع أكبر جهة جذابة للاستثمار في العالم بعد الولايات المتحدة والصين والسعودية. وتمت كبريات عمليات الاستثمار في العقد الماضي، وتشمل استثمار جهاز قطر للاستثمار، الذي اشترى كناري وورف بـ 4 مليارات دولار، واستثمار مجموعة مدعومة من هيئة الاستثمار العامة السعودية 305 ملايين جنيه في نادي نيوكاسل.
وتشير تقديرات بنك لندن والشرق الأوسط إلى أن المستثمرين من المنطقة يستعدون لضخ أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني في العقارات التجارية البريطانية خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة. ورغم ضخامة هذه الأرقام، إلا أنها لا تمثل سوى جزء صغير من صناديق الثروة السيادية في المنطقة، التي تحاول تنويع استثماراتها واقتصاداتها بعيداً عن النفط والغاز.
وتشمل هذه الهيئات هيئة أبو ظبي للاستثمار، التي بلغ إجمالي أصولها المدارة نحو تريليون دولار في بداية العام، حسب تقدير صندوق الثروة السيادية العالمي، وهيئة الاستثمار الكويتية التي بلغ إجمالي أصولها المدارة أكثر من 800 مليار دولار. وقدر صندوق الاستثمارات العامة بنحو 700 مليار دولار، وجهاز قطر للاستثمار بنحو 429 مليار دولار. وقال مطلع في واحد من صناديق الثروة السيادية إن خطط الاستثمارات لن تتعطل بسبب أسابيع من الاضطرابات.
وقال: “مهما بدت الأخبار في شهر آب/أغسطس مهمة، فهذه قرارات استثمار طويلة الأمد، وتشمل على مليارات الدولارات، وتخص حياة الألوف من الناس”، و”هذه ليست أموراً يمكن التراجع عنها بلمح البصر”.
وقال مصدر في حكومة خليجية تنفق كثيراً على الاستثمارات إن بريطانيا، وبمقارنة مع الدول الأخرى، لا تزال جهة جاذبة للاستثمار، ورغم ما يأمل أنها اضطرابات قصيرة الأمد. وقال إن “ما يحدث في بريطانيا يحدث في فرنسا ونواصل الاستثمارات الكبرى هناك” و” استثمرنا في الأزمة المالية وعندما المعنويات والمشاعر في أدنى حالاتها، وتجاوزنا بريكسيت وكوفيد ولا تزال استثماراتنا قائمة”. وأضاف أنه “في ظل التباطؤ في الصين، تبدو أوروبا رهاناً أكثر أمناً في الوقت الحالي. واستثماراتنا ليست مرتبطة بالسياسة أو المجتمع، بل تقوم على أساس إن كانت منطقية أم لا”. وبحسب السفارة السعودية في لندن: “في الوقت الذي نشعر فيه بالقلق، تظل جاذبية بريطانيا بشكل عام قوية”. والحكومة البريطانية واثقة من عدم هروب المستثمرين.
وقال وزير التجارة جوناثان رينولدز، يوم الأحد: “هم مدفوعون أكثر باستقرار الحكومة السياسي وثبات نظام الضريبة والتغيرات في سياسات التخطيط والإجراءات الداعمة للتجارة التي نضعها”. وقال إن الحكومة تحضر لمؤتمر استثمار في تشرين الأول/أكتوبر.
ونقلت الصحيفة عن اللورد أودني ليستر، رئيس طاقم بوريس جونسون السابق في داونينغ ستريت، والرئيس المشارك لمجلس الأعمال الإماراتي- البريطاني، إن العلاقات مع الإمارات متدهورة بالفعل. وقال، في إشارة إلى قرار منع عملية استحواذ مدعومة من أبو ظبي، لصحيفة “ديلي تيلغراف”: “علاقتنا بالإمارات العربية المتحدة ليست جيدة بشكل خاص، فالاستحواذ على صحيفة تيلغراف هو مجرد سبب من عدة أسباب”، وقال: “لقد شجعناهم على الاستثمار في فودافون، ثم استدعيناها لإجراء مراجعة أمنية. إنهم يلقون باللوم على بريطانيا في ما يحدث في مانشستر سيتي. هناك السودان، حيث نحمل القلم في الأمم المتحدة، ونوجه انتقادات لهم”.
براكاش: هل ستبدأ الدول الإسلامية بإبطاء الاستثمارات الأجنبية، وهل ستلجأ الدول الإسلامية إلى نبرة مختلفة، وتصدر تحذيرات في حالة اندلاع الأزمة التالية في المملكة المتحدة؟
وقال شخص بخبرة طويلة في الصفقات التجارية والاستثمارية إن هناك عملاً كبيراً أمام الحكومة لكي تصلح العلاقات مع الإمارات. وقال إن “العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها. وتعتقد الإمارات أنها استثمرت أكثر من اللازم في بريطانيا، وهي لا تفهم لماذا لا تحظى بمزيد من الترحيب هنا، والعلاقات متوترة للغاية”.
وقال المسؤول السابق: “لقد واجهوا مشاكل في اجتياز فحص الاستثمار، ولم ينتبه سوناك إليهم. هذه بلدان تعتبر العلاقات الشخصية مهمة للغاية، وشعروا بخيبة أمل شديدة”، مضيفاً أن الحكومة بحاجة لعمل كبير كي تعيد ضبط العلاقات، مشيراً إلى أن واحدة من المكالمات الأولى التي قام بها كير ستارمر بعد توليه الحكومة كانت مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد.
ونقلت الصحيفة عن روبرت غاردنر، الذي عمل في السابق في الشؤون التنفيذية بأبو ظبي، والآن مدير الشؤون الحكومية بشركة “لوغان هوفيلز”، أن القادة بالمنطقة، وخلافاً للرؤية المعروفة، حسّاسون للرأي العام.
وقال: “ستظل دول الخليج، بفضل استثماراتها الخارجية، تتطلع إلى كيفية تطور الأمور في الداخل، وإظهار أهمية الصلة بوجهات النظر المحلية”. وحتى الآن لم يكن هناك رد، رغم التغطية الواسعة لاضطرابات بريطانيا بإعلام المنطقة.
وقال أبشير براكاش، مؤسس شركة الاستشارات “جيوبوليتكس بزنس”، إن الهجمات العنصرية في بريطانيا قد تؤدي لرد فعل قوي مستقبلاً، حيث تحاول دول الخليج ممارسة دور قوي على المسرح العالمي.
وقال:” لقد انتهى المناخ الجيوسياسي الذي كان يسمح فيه للغرب بفعل ما يريد، بينما كانت بقية العالم تتبعه”.
وأضاف: “هل ستبدأ الدول الإسلامية بهدوء بإبطاء الاستثمارات الأجنبية، وهل ستلجأ الدول الإسلامية إلى نبرة مختلفة، وتصدر تحذيرات في حالة اندلاع الأزمة التالية في المملكة المتحدة؟ أعتقد أن هذا احتمالٌ وارد بشكل متزايد”.
ولاحظت الصحيفة أن التأثير الرئيسي للشغب كان على سوق العقارات، حيث بات الأثرياء يشترون العقارات المسورة والمزدوة بالرقابة الأمنية على مدار الساعة. وربما كان هذا رداً على السرقات في السنوات الأخيرة، والفشل في مواجهة اللصوص الذين أخافوا الأثرياء.
– “القدس العربي”: