التجويع سلاح تدمير شامل
بقلم الدكتور عبد الواحد الجصاني
تفتتح الجمعية العامة للأمم المتحدة أعمال دورتها التاسعة السبعين ببند المناقشة العامة يوم 24 أيلول/سبتمبر 2024، سيتحدث فيها رؤساء الدول والحكومات، يعقب ذلك مناقشة بنود الدورة وتقديم واعتماد مشاريع القرارات. وهذه الدورة هي أول دورة تعقد بعد قرار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 14/5/ 2024 الذي سمح لوفد دولة فلسطين بتقديم مشاريع قرارات الى الجمعية العامة.
ولعل خير ما تفتتح به دولة فلسطين هذا الحق هو تقديم مشروع قرار بعنوان ” حظر استخدام الغذاء كسلاح” يتضمن إدانة استخدام الغذاء كسلاح ويطلب تشكيل لجنة لوضع اتفاقية دولية شاملة تحظر استخدام الغذاء وسيلة للحرب وتعتبر استخدام الغذاء كسلاح يماثل استخدام أسلحة التدمير الشامل، كما تحظر استخدام الغذاء وسيلة للقسر السياسي والاقتصادي، وتفرض عقوبات على الدول والأفراد الذين ينتهكون هذا الحظر.
أولاً: لماذا يحتاج العالم الى اتفاقية دولية لحظر استخدام الغذاء كسلاح:
1-استمرار حرب التجويع التي يشنها الكيان الصهيوني على شعب غزة، والتي اخذت بعداً خطيراً بتصريح وزير المالية الصهيوني سموتريتش يوم 5/8/2024 الذي قال فيه: “قد يكون مبرراً وأخلاقياً التسبب في موت مليوني مدني في غزة جوعاً “. وهذا التصريح يذكرنا بتصريح مادلين البرايت في عام 1996عندما سُئلت: “سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي توفوا نتيجة الحصار وهذا أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما، فهل هذا ثمن مستحق؟”، فأجابت “نعم، نعتقد إنه ثمن مستحق”.
2-استخدام الغذاء سلاحاً في الحرب، يفوق في تدميره الشامل الأسلحة النووية، فهو قادر على إبادة شعوب كاملة بدون ضوضاء وبدون استخدام قنابل عالية الكلفة. وفي العقود الأخيرة ازداد لجوء الغرب الى هذا السلاح القاتل الصامت. بل وأدخلوه ضمن إجراءات “الشرعية الدولية” عندما أجبرت أمريكا، القطب الأوحد حينها، مجلس الأمن على اعتماد القرار (661) يوم 6 آب 1990 الذي فرض حصارا شاملا على العراق راح ضحيته مليوني مدني (لننتبه الى تاريخ اعتماد القرار إنه كان في الذكرى (65) لجريمة القاء القنبلة النووية على هيروشيما).
3- القانون الدولي الإنساني يتعبر “التجويع المتعمد للمدنيين جريمة حرب، سواء كان ذلك من خلال فرض الحصار أو تدمير المحاصيل أو منع وصول المساعدات الإنسانية. وقوانين حقوق الانسان تؤكد على الحق في الغذاء، لكن القانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الانسان هي صكوك بدون أسنان، لذا فهي لم تردع الغرب عن مواصلة ارتكاب هذه الجريمة. أما مجلس الأمن فقد أصدر القرار(2417) بتاريخ 24 مايس 2018 الذي أدان فيه بشدة استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، وقال إنه يمكن أن ينظر في اتخاذ تدابير عقابية على الافراد والكيانات التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية أو الحصول عليها أو توزيعها. لكن مجلس الأمن جهاز سياسي وليس قانوني، وقراراته تحكمها مصالح أعضائه الدائمين، لذلك لم ينظر المجلس في اتخاذ عقوبات ضد الكيان الصهيوني مع إنه يمارس قتل اهل غزة بالتجويع جهاراً نهاراً، وهذا يؤكد وجود ثغرة في القانون الدولي مطلوب معالجتها باتفاقية دولية شاملة وملزمة تعزز سيادة القانون في العلاقات الدولية وتُعرّض للمساءلة من ينتهك حق الشعوب في الغذاء.
4- تعقد الدورة (79) للجمعية العامة للأمم المتحدة وسط تصاعد الغضب الدولي على حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد شعب فلسطين ، وصدور قرار محكمة العدل الدولية يوم 19 تموز 2024 الذي يقول «إن تمادي إسرائيل في إساءة استخدام مركزها كقوة احتلال من خلال ضم الأرض الفلسطينية المحتلة وفرض سيطرتها الدائمة عليها، ينتهك مبادئ القانون الدولي ويجعل وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني»، وصدور تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلّة التابعة للأمم المتحدّة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة في 12 حزيران 2024 الذي يقول “إن السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تم ارتكابها على نطاق واسع خلال عملياتها وهجماتها العسكرية في غزة في ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023”. كما ادان الاتحاد الأوروبي تصريح سموتريتش بقتل مليوني مدني في غزة جوعا واعتبره “أمر مخزٍ للغاية”.
ثانيا: حشد الدعم لمشروع القرار
1– قد يبدو للوهلة الأولى ان الدول الغربية تعارض تقديم مشروع القرار، إلا ان الوقائع تشير الى ان المتنورين في الغرب يرغبون في تعزيز القانون الدولي باتفاقية شاملة تحظر استخدام الغذاء كسلاح، وفي مقال نشر في مجلة “الشؤون الخارجية” الأمريكية يوم 22 آذار/مارس 2024 بعنوان
Food Weaponization Makes a Deadly Comeback
كتبه خمسة من المختصين الأمريكان في الزراعة والغذاء، من بينهم وزيرا زراعة سابقان وسيناتور سابق، استعرضوا فيه حالات استخدام الغذاء كسلاح في الحروب والصراعات في التاريخ المعاصر واقترحوا على الإدارة الامريكية قيادة حملة لوضع اتفاقية دولية تحرّم استخدام الغذاء كسلاح.
2 – قد يتذرع البعض بأن احتمال حصول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وانسحاب القوات الصهيونية مدحورة، سينفي الحاجة لمشروع القرار، والرد على ذلك هو إن الاتفاقية الدولية لا تختص بغزة فقط بل هي صك دولي شامل يمنع استخدام الغذاء كسلاح في كل الحروب والأزمات، كما أن وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الصهيوني من غزة لن ينهي الحصار على غزة الذي بدأ منذ عام 2016، ثم إن جرائم القتل الجماعي بالتجويع التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني لا تسقط بالتقادم.
ثالثا: كلمة أخيرة :
سيوفر تقديم مشروع القرار فرصة للدول العربية لدعم المشروع والترويج له لتنفس عن بعض غضب شعوبها وذلك أضعف الايمان.
والله المستعان
بغداد في 27/8/2024