لطيف هلمت يزرعُ الدَّهشةَ في الحدائقِ
لطيف هلمت يزرعُ الدَّهشةَ في الحدائقِ
غزاي درع الطائي
كاتب عراقي
وُلِد لطيف هلمت في (كُفْري)
فعرفَ كيف يفرِّقُ بين الإيمانِ والكُفْرِ
٭ ٭ ٭
عصا الشِّعرِ التي يحملُها في يدِهِ،
كسَّرتْ صولجاناتِ الطُّغاةِ
وكلَّما رفعَها عالياً
تحوَّلتْ إلى شجرةٍ
تغرِّدُ بين أغصانِها الوارفةِ البلابلُ
وتزقزقُ العصافيرُ
٭ ٭ ٭
قلتُ للطيف هلمت،
وهو يجلسُ في الحديقةِ العامَّةِ في السُّليمانيَّةِ
محاطاً بالوردِ والعصافيرِ والغاوينَ:
أُبشِّركَ بأنَّ عصيَّ الطُّغاة انكسرتْ،
وأنَّ بيوتاتِ الفاسدينَ لم يبقَ لها أثرٌ،
وأنَّ ظلامَ الظّالمينَ قد انقشعَ،
فضحك وقال على الفور: لا أُصدِّقُ،
فقلتُ لهُ: وأنا أيضاً لا أُصدِّقُ.
٭ ٭ ٭
لطيف هلمت
قصائدُهُ تشعُّ فيها الآهاتُ،
وتنزلُ منها الدُّموعُ،
وترتفعُ بها الأكفُّ والصَّلواتُ،
وتعلو منها أغاني الرعاةِ الجبليّينَ،
وتزهرُ الآمالُ مع كركراتِ الأطفالِ
ومع زهوِ الصَّبايا والشَّبابِ
والعشّاقِ المحفوفينَ بأدعيةِ الأُمَّهاتِ
الصّالحاتِ الصّادقاتِ،
ويحلِّقُ فيها مثلَّثُ الحبِّ العظيمِ
الذي تتشكَّلُ أضلاعُهُ مِنَ
الوطنِ والإنسانِ والحرِّيَّةِ
٭ ٭ ٭
إذا كان رصاصُ الدِّكتاتوريَّةِ
قد تمكَّنَ مِنْ إعدامِ لوركا،
فإنّهُ لم يتمكَّنْ مِنْ إعدامِ شعرِ لوركا،
فرصاصُ الدكتاتوريّاتِ والطُّغاةِ والظّالمينَ
لا يعدمُ الشِّعرَ
هذا ما يؤمنُ به لطيف هلمت
٭ ٭ ٭
يزرعُ لطيف هلمت الدَّهشةَ في الحدائقِ،
ويُغري النُّجومَ والأعشابَ والأشجارَ والتَّماثيلَ
بقراءةِ الشِّعر والاستظلالِ بظلالِهِ،
وبعد ذلك فإنَّ السَّماءَ عند لطيف هلمت عشٌّ للحمائمِ،
وكلُّ شيءٍ ممكنٌ في قصائدِ لطيف هلمت،
فهو يتمكَّنُ مِن أنْ يُعلِّقَ قبَّعةَ المكانِ
على أحدِ مساميرِ مقهى الشُّعراءِ في السُّليمانيَّةِ،
والصَّبيَّةُ تتمكَّنُ مِنْ مسكِ الوقتِ،
والشّابُّ العاشقُ
يتمكَّنُ مِنْ رسمِ وجهِ محبوبتِهِ
بدموعِهِ على نافذةِ القطارِ
٭ ٭ ٭
لطيف هلمت
حداثويٌّ بالفطرةِ المتشبِّعة بروافدِها العالميَّةِ،
متمرِّدٌ،
يكرهُ كلَّ قديمٍ ويُعجَبُ بكلِّ جديدٍ،
ويحبُّ القممَ الشّامخةَ،
ولا عجبَ في ذلك فهو قمَّةٌ شامخةٌ،
وكلَّما هبَّتِ الرِّياحُ مِنَ الجبالِ
كتبَ قصيدةً إنسانيَّةً عالميَّةً جديدةً،
وكلَّما نزلَ الضَّبابُ على الجبالِ
امتشقَ صوراً شعريَّةً باهرةَ الجمالِ،
وكلَّما زمجرتِ الرِّياحُ
بينَ أشجارِ الجوزِ واللوزِ
والتّوتِ والتِّينِ والعنبِ والرُّمّانِ
صدحَ صوتُهُ بحبِّ النّاسِ والأشجارِ
والعشبِ والشَّمسِ والقمرِ،
منذُ البدايةِ كان ضدَّ التَّيّارِ السّائدِ،
فسارَ على هواهُ،
وهو ضدَّ الأصنامِ بأنواعِها المختلفةِ
مِنْ سياسيَّةٍ وحزبيَّةٍ ودينيَّةٍ وثقافيَّةٍ واجتماعيَّةٍ،
ويرى أنَّنا بحاجةٍ إلى إبراهيمَ جديدٍ لكسرِ تلك الأصنامِ،
وهو الشّاعرُ الوحيدُ
الذي كان عندما يُرسلُ قصيدةً لهُ إلى جريدةٍ
يكتبُ في بدايتِها:
(لا أشكرُكُمْ على نشرِها)
٭ ٭ ٭
لطيف هلمت
قصائدُهُ تسكنُ في قممِ الجبالِ:
قنديل، وهندرين، وهه لكورد،
وبيره مكرون، وكارا، ومتين، وغيرها،
فتعانقُ النُّجومَ والقمرَ ليلاً،
وتعانقُ الشَّمسَ والضَّبابَ والغيومَ نهاراً،
وتتلوَّنُ بالبياضِ حين تتساقطُ الثُّلوجُ،
وتنحدرُ إلى السُّفوحِ في الرَّبيعِ
لتعانقَ النَّرجسَ وشقائقَ النُّعمانِ،
ولتتمشّى على العشبِ شديدِ الخضرةِ،
وهو ينتعشُ بنثيثِ المطر المتساقطِ عليهِ
بفرحٍ غامرٍ وشوقٍ أخّاذٍ
* لطيف هلمت: شاعر عراقي كوردي معاصر
شاعر عراقي