تحقيقات وتقارير

المواطنون أداروا ظهورهم للحكومة ولم يعودوا ينتظرون منها شيئا وأغلب وزرائها لا علاقة لهم بالشعب

حسن حمورو عضو المجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» المغربي: المواطنون أداروا ظهورهم للحكومة ولم يعودوا ينتظرون منها شيئا وأغلب وزرائها لا علاقة لهم بالشعب

حاوره: الطاهر الطويل

في هذا الحوار مع «القدس العربي» يتحدث حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب «العدالة والتنمية» المغربي وعضو اللجنة التحضيرية لمؤتمره المقبل الذي سينعقد منتصف 2025 عن وضعية الحزب الراهنة وعلاقته مع باقي مكوّنات المعارضة. كما يبسط وجهة نظره في أداء الحكومة الحالية ومدى تفاعلها مع أسئلة البرلمانيين وانتظارات المواطنين. وفيما يأتي نص الحوار.
○ كيف هي الوضعية التنظيمية الحالية لحزب العدالة والتنمية، وهو يستعد لتنظيم مؤتمره الوطني التاسع؟
• لا بد من التأكيد على أن الحزب مر بوضعية صعبة جدا، بعد انتخابات 8 ايلول/سبتمبر 2021 التي جعلته نتائجها في المرتبة الثامنة، بعد أن كان احتل المرتبة الأولى خلال انتخابات 2011 و2016.
ولو أن حزبا آخر تعرّض لما تعرّض له حزب العدالة والتنمية في انتخابات سنة 2021 لاندثر ربما، أو قام بحلّ نفسه، لكن بفضل الله أولا ثم بصمود عدد من قيادييه وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران، ثم عموم مناضليه، استطاع الحزب أن يبقى واقفا رغم الضربة الانتخابية القوية، واستطاع أن يستجمع قواه وينظم مؤتمرا وطنيا بعد أقل من شهرين من الانتخابات، وكان مؤتمرا ناجحا سواء من حيث الحضور فيه أو من حيث المتابعة.
اليوم، بعد ثلاث سنوات من هذه الانتخابات، الحزب بات في وضعية تنظيمية لا علاقة لها بالوضعية التي كان عليها، فقد تم تجديد كل الكتابات الجهوية والإقليمية، وهيئاته المركزية والمجالية، التنفيذية والتقريرية، تنعقد في وقتها وبالوتيرة المقررة في قوانين الحزب.
طبعًا، لم نصل بعد إلى مستوى الطموح والمستوى المطلوب، ولكن الوضعية مقبولة، جعلت الحزب في أريحية عموما، ومكنته من الشروع في الإعداد للمؤتمر الوطني المقبل الذي سينعقد في منتصف 2025 بحيث تم تشكيل اللجنة التحضيرية، وهي الآن تشتغل وفق البرنامج الذي أعدته، وقد قطعت أشواطا مهمة فيه، وتتم عملية إشراك المناضلين بالكيفية المعتمدة، ونحن نسير بخطى ثابتة لإنجاح المؤتمر الوطني، الذي نعتبر أن نجاحه هو نجاح لبلدنا ولتجربتنا الحزبية والسياسية.
○ وهل استطاع الحزب تجاوز صدمة انتخابات 2021 التي شهد فيها تراجعا كبيرا على مستوى النتائج والموقع داخل البرلمان؟
• يمكنني أن أقول، بكل ثقة، إن الحزب تجاوز الصدمة، واستعاد مكانته السياسية. وهنا لا بد من التفريق بين المكانة السياسية والمكانة الانتخابية، لأن المكانة السياسية عموما وخاصة في نسق مثل الذي نشتغل فيه، لا تحددها بالضرورة نتائج الانتخابات المعلنة. ولذلك نرى اليوم كيف أن مواقف الحزب المُعبّر عنها في بيانات أمانته العامة أو في كلمات الأخ الأمين العام، تكون موضوع تداول ونقاش عمومي، ورد من طرف الفاعلين السياسيين الرئيسيين، بل يكاد المشهد يقول بأنه هو الحزب الرئيسي والأول، رغم أنه لا يتوفر إلاّ على 13 نائبا برلمانيا من أصل 395.
لكنّ تجاوز ما أسميتموه «صدمة» لا يعني أن الحزب استعاد كامل عافيته التنظيمية والسياسية، وأعتقد انه ما يزال في حاجة إلى تأهيل في خطابه وفي كثير من مواقفه، وفي حاجة إلى مراجعات تُرصّد المكتسبات التي راكمها منذ سنوات، وتصحّيح الأخطاء التي راكمها أيضا. ودعني أقل بأن الظرفية الحالية، سواء داخل الحزب أو في المشهد السياسي الوطني، لا تسمح بتوفير الشروط المناسبة للقيام بهذه المراجعات المطلوبة.

من أجل عرض سياسي جديد

○ وبأي رؤية تتطلعون إلى انتخابات 2026؟
• في الحقيقة الانتخابات المقبلة لا أعتقد أن رهاناتها ستكون سياسية بشكل كبير، وغالب الظن أنها ستجرى في بيئة قريبة من البيئة التي جرت فيها انتخابات 2021 لأن الإطار القانوني والمؤسساتي الذي يؤطر الانتخابات، لم يطرأ عليه أي تغيير، ولا أظن أن هذا التغيير سيطرأ. فعلى من الرغم من أن الحكومة عاجزة وفاشلة، وليس لأحزابها ما تقدّمه للمواطنين، سواء كحصيلة أو كوعود انتخابية، إلا أن أهم شيء يؤشر على نوعية الرهانات المطروحة على الانتخابات، وهو العرض السياسي غير متوفر، سواء من طرف السلطة الحكومية أو من طرف أحزابها، أو من طرف باقي الأحزاب ومنها حزب العدالة والتنمية.
هناك أمل خلال هذه الفترة وفي أفق الانتخابات المقبلة، أن يتبلور عرض سياسي جديد، يقوم على أنقاض التجربة السيئة التي تمارس فيها الحكومة الحالية عملها، خاصة أن هناك الكثير من المتغيرات الداخلية والخارجية، وجب استثمارها، لإعادة الحيوية للحياة السياسية الوطنية، وإشراك المجتمع من جديد في معادلة ممارسة السلطة والتدبير.
وحزب العدالة والتنمية، مع أمينه العام الحالي الأستاذ بنكيران، مؤهل لتجسير العلاقات بين المكونات الحزبية والسياسية وغيرها، بما يقود نحو طيّ صفحة استيلاء رأس المال على المؤسسات المنتخبة، وإعادتها إلى حضنها السياسي الطبيعي.
○ وما تقييمك لدور الحزب الرقابي داخل البرلمان بمجلسيه، رغم قلة عدد نوابه ومستشاريه؟
• حسب الأرقام والحضور الإعلامي، رغم التضييق، الحزب يقوم بواجبه جهد المستطاع، وقيامه بهذا الواجب يبدو مؤثرا، وعامل التأثير هنا هو المصداقية، وليس عدد برلمانييه أو عموم منتخبيه.
ومجموعته النيابية (كتلته داخل البرلمان) تقوم بعمل كبير في الجانب الرقابي والتشريعي، ويكفي أن أشير إلى أن تقريرا حديثا حول «الحصيلة الرقابية لعمل مجلس النواب خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشر 2026 ـ 2021 من خلال آلية الأسئلة الكتابية والشفوية» كشف استمرار تصدر المجموعة النيابية للعدالة والتنمية لمكونات المجلس في هذه الآلية الرقابية.
وحسب هذا التقرير الذي أصدرته جمعية «سمسم ـ مشاركة مواطنة» فإن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية تصدّرت مكونات مجلس النواب، في معدل طرح الأسئلة، بتوجيه نوابها 585 سؤالا كتابيا لمختلف القطاعات الحكومية، ما يعني أن معدل طرح الأسئلة بالنسبة للمجموعة، بلغ 45 سؤالا لكل عضو من أعضائها الـ 13.
ويمكن كذلك رصد الأداء الرقابي للحزب داخل البرلمان، من خلال مداخلات برلمانييه، على قلة التوقيت المخصص لهم، بحيث إن الحكومة لا تكاد تتفاعل إلا مع تعقيبات نواب العدالة والتنمية، سواء في الجلسات العامة أو في أعمال اللجان الدائمة.
وعمومًا، فمؤشرات أداء نواب الحزب في البرلمان تؤكد الدور الرقابي المهم الذي يقومون به، من خلال الآليات المسموح بها في البرلمان.
○ هل هناك إمكانية للتنسيق بين أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، رغم اختلاف التوجهات والمرجعيات؟
• التنسيق بين المعارضة قائم، ويظهر في المحطات وعند الأحداث التي تتطلب ذلك. طبعًا، ليس مطلوبا أن يتم التنسيق في إطار موحد، أو بالتوقيع على ميثاق على سبيل المثال، لكن التنسيق لا يتوقف، وتحكمه بالدرجة الأولى مصلحة الوطن، وهناك اتفاق بين أحزاب المعارضة على أن الحكومة ضعيفة وعاجزة وفاشلة، والتعامل مع هذا الضعف والعجز والفشل يكون بحسب منهج كل حزب في المعارضة.
وعموما، أعتقد أن أحزاب المعارضة تتعاون فيما تتفق حوله ويعذر بعضها بعضا في ما تختلف بشأنه، وهو قليل، وهذا لا يعني أننا في العدالة والتنمية، ننتقد ما يبدو لنا غير صائب سواء كان مصدره الحكومة أو حزبا في المعارضة، كما أن موقعنا في المعارضة لا يعني أننا نضع نظارة سوداء، أو أننا نمارس معارضة ميكانيكية، أو نقول نعم متى قالت الحكومة لا أو نقول لها لا متى قالت نعم، هذه ليست المعارضة التي نؤمن بها ونمارسها، وإن بدا أن هذه الحكومة لم تعد في حاجة للمعارضة، لأن أداءها وارتباكها كافيان لكشف عيوبها وعجزها، والخشية الآن أن تقود الأوضاع الاجتماعية أساسا في البلاد إلى مستويات ليس فيها سوى الاحتجاج والاضطراب.

برامج الحماية الاجتماعية

○ طيب، وأي تفاعل للوزراء مع أسئلة البرلمانيين؟ وكيف تقوّمون عموما أداء الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش؟ وما مدى مصداقية شعار «الدولة الاجتماعية» الذي ترفعه؟
• في الحقيقة هناك حاجة إلى نقاش عمومي موسع حول موضوع الدولة الاجتماعية، الذي تحمله الحكومة كشعار، لأن هناك على ما يبدو تفاوتًا كبيرًا بين الحكومة وبين المعارضة والنخب الأكاديمية وعموم المواطنين في فهم الدولة الاجتماعية ومتطلباتها ومظاهرها.
ففي الوقت الذي لا تخلو مداخلة لرئيس الحكومة سواء بصفته رئيسا للحكومة أو بصفته رئيس حزب، من الحديث عن إنجازات حكومته في مجال أرساء الدولة الاجتماعية، هناك انتقادات موضوعية لإجراءات الحكومة في هذا المجال، سواء من قبل الأكاديميين المتخصصين، أو من قبل المعارضة البرلمانية، أو من قبل المواطنين أنفسهم، بحيث يجب تحديد عن ماذا نتكلم بالضبط. وأعتقد أن الأمر يتعلق بسياسة أو سياسات عمومية في المجال الاجتماعي، يختلف تنزيلها بحسب الخلفية السياسية والفكرية لمن يقاربها ويقوم بتقييمها، وطبيعي أن يكون الاختلاف في المقاربة باختلاف هذه المرجعيات السياسية والفكرية.
وعليه، فإنه لا يُتصور أن تنجح حكومة يرأسها حزب ليبرالي في اعتماد سياسات اجتماعية يستفيد منها المواطنون، في إطار الفهم السائد الذي يقول إن الدولة يجب أن توفر الحماية للمواطنين من عدة مخاطر صحية وغيرها، وتقدّم لهم المساعدة إزاء تقلبات السوق التي تفرضها السياسات الليبرالية. وهناك فهم آخر للدولة الاجتماعية يقول إن أهم ركائزها هو التوزيع العادل للثروة وإرساء الديمقراطية، وبالتالي كيف لمن لا يؤمن أصلا بهذا النوع من الحماية للفئات الضعيفة، ولا يؤمن بمنطق العدل في توزيع الثروة، أن ينجح في تنزيل الدولة الاجتماعية؟
هذا من الناحية النظرية والتأطيرية إذا شئت، أما من جانب البرامج المعتمدة في إرساء الدولة الاجتماعية، وخاصة برامج الحماية الاجتماعية، فلحسن الحظ هناك قانون إطار يحدد أجندة التنفيذ بدقة، ويمكن أن يكون مرجعا في تقييم عمل الحكومة.
وفي هذا الصدد، يمكن تسجيل الارتباك الكبير للحكومة في تنزيل برامج الحماية الاجتماعية، سواء ما يتعلق بالتأمين الأساسي الإجباري عن المرض، أو التعويضات العائلية، أو تعميم التقاعد أو التعويض عن فقدان الشغل، وهذه كلها برامج محكومة بأجندة محددة وبأرقام مستفيدين، لم تصل الحكومة إليها بعد ولا مؤشر على أنها ستصل إليها.
يضاف إلى ذلك ارتباكها في تنزيل الدعم الاجتماعي المباشر الذي تم اعتماده بتعليمات ملكية، وهو في الحقيقة برنامج مهم، لكن تنزيله من طرف حكومة لا يؤمن رئيسها به، سيحدّ من نجاحه، ومن بلوغه لأهدافه، والدليل هو سحب الدعم المالي من أسر استفادت منه لأشهر قليل، بحجة تغيّر مؤشرها الاجتماعي بناء على معطيات غريبة، والدليل كذلك هو إلحاق الأرامل اللواتي كن يستفدن من دعم شهري يتجاوز 1000 درهم (حوالي 100 دولار أمريكي) بهذا البرنامج الذي لا يتعدى الدعم الشهري المخصص له مبلغ 500 درهم (50 دولارا).
طبعًا، هناك تضارب في الأرقام التي تقدّمها الحكومة في عدد المستفيدين من مختلف البرامج الاجتماعية، وهذا التضارب يؤكد ارتباكها واضطرابها، لأنها تنفّذ شيئا لا تؤمن به، أو أنها تنفذ برنامجا صيغ لمجتمع لا يشبه المجتمع المغربي.
وبالمناسبة، هذا التقييم ليس تقييما حزبيا فقط، ولا يحكمه موقعنا في المعارضة، بل هو تقييم موضوعي خلص إليه باحثون أكاديميون كما قلت، ومراكز بحثية، وكذا مرصد للعمل الحكومي مستقل، وآثار هذا التقييم يمكن رصدها باستطلاع المواطنين بشكل مباشر.
○ وكيف تقيسون درجة تجاوب الحكومة مع انتظارات المواطنين، خاصة في المناطق التي شهدت الزلزال العام الماضي، أو تلك التي عاشت فيضانات عارمة، نتيجة الأمطار الطوفانية؟
• من خلال الرصد الميداني، أساسا، هناك مؤشرات كثيرة على أن المواطنين أداروا ظهرهم لهذه الحكومة، ولم يعودوا ينتظرون منها شيئا، بمعنى آخر هناك مؤشرات فقدان الثقة في الحكومة، وفي رئيسها على وجه الخصوص، لأن كل الوعود الوردية التي قدّمها سواء في فترة الانتخابات أو في البرنامج الحكومي، اتضح أنها مجرد سراب، واليوم المواطنون وخاصة الفئات الفقيرة والهشة تواجه موجة الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية بطرقها بدون تدخل ذي قيمة من الحكومة، ويزداد حنق المواطنين كلما تذكروا أن رئيس الحكومة هو نفسه الفاعل الرئيسي في سوق المحروقات، التي يؤدي ارتفاع ثمنها إلى ارتفاع أثمان جميع المواد، من دون أي مبادرة أو إشارة ولو رمزية منه تجاه الانهيار المتواصل للقدرة الشرائية، وتجاه إلغاء مكتسبات اجتماعية سابقة، ومنها الدعم المالي المباشر الموجّه للأرامل، ومبادرة مليون محفظة التي كانت توفر على الأسر عناء مصاريف الدخول المدرسي على الأقل.
وليست مبالغة أن نقول إن الحكومة معزولة عن المواطنين، وطبيعي جدا، لأن أغلب وزرائها خاصة المنتسبين للأحزاب المشكلة لها، لا علاقة لهم بالشعب، وقلة قليلة جدا منهم شارك في انتخابات 8 ايلول/سبتمبر 2021 وقلة من هذه القلة من معروف عنهم المساهمة في النقاش السياسي والعمومي في البلاد، وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه، بل إذا وجده سيأخذه.
وفي هذا الإطار، يمكن تقييم درجة رضى المواطنين المتضررين من زلزال الحوز على أداء الحكومة، ومستوى تنفيذها لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من الزلزال، والدليل هو استمرار احتجاج المتضررين، وكذا الأرقام التي تقدمها الحكومة نفسها، حيث بالرغم من المجهود المبذول، إلا أن الحقيقة على الأرض لا تسعف في الإقناع بأن الحكومة قامت بعمل كبير في هذا الصدد.

الحكومة اعتمدت «منهجية الغلبة»

○ هناك نقاش حول عدد من الأوراش المفتوحة، كإصلاح قانون المسطرة المدنية، وكذا إصلاح مدونة (قانون) الأسرة. هل ترون أن هذا النقاش صحي وسليم؟ وفي أي اتجاه؟
• ثمة قوانين على قدر كبير من الأهمية والحساسية كذلك، اختارت الحكومة هذا التوقيت لكي تخرجها وتحاول تمريرها، لكن مع الأسف المنهجية المعتمدة من طرف الحكومة ليست سليمة، لا أتحدث عن سلامة المسطرة المؤطرة للتشريع، ولكن أقصد سلامة المنهجية السياسية، لأنها اختارت منهجية الغلبة في تمرير العديد من القوانين، معتمدة في ذلك على الأغلبية العددية، دون مراعاة أن بعض القضايا تحتاج إلى نقاش عمومي يشارك فيه الجميع، وتبدي فيه مختلف التيارات المجتمعية رأيها، والحرص على إعمال التوافق البناء.
بخصوص مدونة الأسرة، فبالنسبة لنا توجيهات جلالة الملك أمير المؤمنين الواردة في الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة، تبقى هي الإطار الأوحد للتعديلات والمراجعة المرتقبة، رغم أن هناك بعض الحساسيات التي لا وزن لها في الشارع ولا في المجتمع، والتي تستقوي بشعارات وربما أجندات قادمة من الخارج، تصرّ على إقحام مطالب مناقضة لنصوص دينية قطعية، حسم الملك في عدم الاقتراب منها، وتعتبر أن الفرصة سانحة لتمرير أمانيها في تعديل المجتمع المغربي وراثيا، من خلال مواصلة التضييق على حضور الدين في الحياة الأسرية والحياة العامة، وهؤلاء تجب مواجهتهم بنظير أنشطتهم، الندوة بالندوة والمحاضرة بالمحاضرة، واللقاء الصحافي باللقاء الصحافي، والحجة بالحجة وعدم ترك الساحة فارغة أمامهم.
نفس الأمر بالنسبة للقوانين الأخرى، لابد للحكومة أن تعيد النظر في منهجيتها، وتستمع لكل الآراء، وألاّ تتسرع في اعتماد مقتضيات بخلفية استغلال الفرصة، ومنها مقتضيات مخالفة للدستور أو تحمل شبهة مخالفة الدستور، لأن هذه المنهجية يكون أثرها سلبيا على الثقة في النخبة السياسية وفي المؤسسات، وبالتالي المساس بالمشروعية في لحظة يحتاج في المغرب إلى تحصين ثقة المواطنين في المؤسسات.
○ كيف تنظرون إلى مسألة العفو الملكي الأخير عن عدد من الصحافيين والمدونين المغاربة؟ وهل أنتم مع مطلب أن يشمل هذا العفو المسجونين على خلفية حراك الريف وقضايا حقوقية أخرى؟
• العفو الملكي السامي عن عدد من الصحافيين والنشطاء كان بحق حدثا مهما، يستحق الشكر والتنويه، وبالنسبة إلينا نأمل أن يشكل بداية انفراج سياسي وحقوقي، الذي طالما دعونا له سواء في بلاغات قيادتنا السياسية أو في كلمات وتصريحات الأخ الأمين العام عبد الإله بنكيران، وقد عبّر الحزب عن أمله في أن يشكل العفو الملكي كذلك باقي المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية وغيرها من الملفات المتبقية.

فلسطين قضية مركزية في المغرب

○ تشهد جل المدن المغربية منذ شهور وقفات ومسيرات مؤيدة للفلسطينيين ومنددة بحرب الإبادة الإسرائيلية، فهل من تأثير يرجى من ورائها، بينما تحرص السلطات المغربية على استمرار العلاقات مع إسرائيل؟ وهل هناك مبادرات حزبية وجمعوية من أجل إيقاف مسلسل التطبيع؟
• علاقة المغاربة بالقدس والمسجد الأقصى وكل فلسطين، ليست طارئة ولا وليدة سياقات تاريخية وسياسية محددة، تقف وتنتهي بانتفاء هذه السياقات، وربما لا يسمح المجال بسرد الكثير من التفاصيل في هذه العلاقة الممتدة في التاريخ وفي الوجدان، ونحن نعتبر أننا أصحاب حق في هذه الأرض المبارك حولها، وأجدادنا هبوا لنصرة القدس وساهموا بأرواحهم ودمائهم في عملية الفتح التي قادها صلاح الدين الايوبي، وإلى اليوم ما يزال اسم المغرب محفورا في القدس وفي أسوارها.
ولذلك، ليس غريبا أن يهب المغاربة لنصرة إخوانهم في فلسطين وفي غزة التي تعيش على وقع الإبادة على يد الكيان الصهيوني المؤقت حكمه في فلسطين، وتتعدد مظاهر النصرة ومنها الوقفات والمسيرات بوتيرة شبه يومية في جميع أنحاء البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. وأغتنم هذه الفرصة لأدعو الإعلام العمومي في بلادنا إلى الالتفات إلى هذه الوقفات والمسيرات وتغطيتها كأحداث وطنية، لها أهميتها، لأن المشاركين فيها هم مواطنون مغاربة لهم حق في الإعلام العمومي، إسوة بالتغطيات التي تحظى بها المهرجانات والسهرات الغنائية وأنشطة أخرى تعرفها العديد من المدن المغربية.
ولا شك أن لهذه التظاهرات والفعاليات التضامنية مع غزة أثرا كبيرا، سواء على إخواننا في غزة أو علينا نحن المغاربة، لأنها تجدد الصلة التاريخية والأخوية بيننا وبين فلسطين، وتعبّئ الرأي العام الوطني من أجل القضية الأولى للأمة، وبلا شك فإنها تنسف الادعاءات التي يشتغل عليها بعض المتسلطين تحت عناوين مضللة منها استقلالية المغرب عمّا يقع في شرق الأمة العربية والإسلامية، وهم بذلك يحاولون قطع صلات القرابة في الدم والدين، لإضعاف المغرب والاستفراد به، لا لتقويته، بالنفخ في خصوصياته المحلية.
كما أن استمرار هذه الوقفات وهذه المسيرات من شأنه دفع السلطات إلى مراجعة قراراتها بخصوص القضية الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي لم يعد مقبولا ولا مستساغا بعد كل ما اقترفه من جرائم حرب وإبادة في غزة على مرأى ومسمع العالم، ولا يليق بتاريخ دولتنا ولا بمختلف مبادراتها وتدخلاتها المشهودة نصرة للقدس وفلسطين.
أما عن المبادرات الحزبية والجمعوية، فالوقفات والمسيرات التي لا تكاد تتوقف، هي في الحقيقة نتاج تنسيق وتفاعل وتكامل. والمؤكد أن كل الأحزاب المغربية ذات الامتداد الشعبي والجماهيري تجعل القضية الفلسطينية قضية مركزية وترفض العدوان الإسرائيلي على غزة، وتعبر عن ذلك حسب طريقتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب