تحقيقات وتقارير

غزة والسودان الأخطر على الطفولة

غزة والسودان الأخطر على الطفولة: 450 مليون طفل يواجهون الخطر ونسبة معتبرة منهم خارج أسوار المدارس بسبب الحروب والأزمات

سليمان حاج إبراهيم

الدوحة ـ  ينتقد العديد من المسؤولين الحكوميين والأمميين والمنظمات الدولية تقاعس المجتمع الدولي أمام قضية حماية التعليم من الهجمات في مناطق النزاعات خاصة في ظل التصاعد الملحوظ لأعداد الضحايا. وتسجل المنظمات المعنية بحماية الطفولة تزايد حجم هذه النزاعات في الكثير من مناطق العالم، ما يبرز أهمية تضافر الجهود لوضع حد لهذه الانتهاكات التي يعاني منها ملايين الأطفال حول العالم.

وشددت لولوة الخاطر وزيرة الدولة القطرية للتعاون الدولي في الذكرى الخامسة لليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، أن التعليم هو الأساس لعالم مزدهر، وهو الأمل الذي يُستند عليه في أوقات الأزمات. وأضافت في آخر تصريح لها، أن التعليم يبقى هدفًا للهجمات، حيث تُقصف المدارس، ويُقتل المعلمون، وتُسلب مستقبل الأطفال في غزة، وأكرانيا، والكونغو، وميانمار والسودان.
وينبه العديد من المسؤولين لخطورة الوضع بسبب حرمان عشرات ملايين الأطفال من حقهم الأساسي، وهو التعليم بسبب الهجمات التي تتعرض لها المدارس في العديد من بؤر التوتر والنزاعات والحروب.

أطفال بلا مدارس

انتشرت مع بداية الموسم الدراسي في مختلف أنحاء العالم، مشاهد أطفال مبتهجين فرحين، وهم في طريقهم إلى مدارسهم، رفقة أهالي سعداء بالتحاق أبنائهم بفصولهم الدراسية، حيث موسم جديد يبدأ في ظروف طبيعية.
لكن هذا المشهد الجميل، ليس ذاته في كل مكان، ففي مناطق عدة الوضع هو النقيض تماماً.
لا فرحة ولا ابتسامة على الوجوه، ولا توجد فصول دراسية أو مدارس مفتوحة تستقبل الأطفال، وإن وجد بعضها تصبح وظيفتها إيواء السكان. إنه المشهد الذي نراه ونسمع عنه كثيراً، في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، والسودان واليمن وسوريا وفي أفغانستان وغيرها من الدول
وبالرغم من أن الأمم المتحدة راهنت في 2015 على ضرورة إيفاء الحكومات تعهداتها لتوفير تعليم جيد للجميع بحلول عام 2030. لكن تلك الآمال لم تتحقق في العديد من الأماكن، مع إحصاء عشرات ملايين الأطفال خارج مقاعد الدراسة، يدفعون ثمناً لنزاعات وحروب فرضت عليهم، وتنتهك في نفس الوقت حقوقهم الأساسية. وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» يواجه نحو 450 مليون طفل أزمات ومخاطر، وتتعرض حياتهم للخطر.

غزة أخطر مكان
للأطفال في العالم

تشير المنظمات الأممية إلى أن غزة حالياً واحدة من أخطر المناطق على الأطفال، بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر. وللعام الثاني على التوالي يحرم نحو 600 ألف طفل في غزة وحدها دون باقي الأراضي الفلسطينية من التعليم. وتعرضت مئات المدارس للقصف ودمرت أو هدمت وتحول ما تبقى منها ملاجئ تأوي السكان النازحين والفارين من القصف الإسرائيلي. وتحصي المنظمات الأممية استخدام 320 مبنى مدرسياً في غزة كملاجئ من قبل النازحين. كما تعرض معظم الأطفال في غزة لصدمات نفسية ستلاحقهم طيلة حياتهم. وغير بعيد عن فلسطين المحتلة، يتعرض أطفال السودان لمخاطر شبيهة بسبب النزاع المسلح في البلد الذي ترك نحو عشرين مليون طفل من دون تعليم، مع تحول بعض المدارس ثكنات عسكرية، وفصولها مخازن أسلحة. وهو ما جعل منظمات أممية تعتبرها واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية في العالم. أما في سوريا، فبعد أزيد من عشر سنوات من النزاع، يحتاج حوالي 7.5 مليون طفل في البلاد إلى المساعدة. كما تحصي اليونيسف، وجود أكثر من 6 ملايين طفل باليمن يواجهون خطر الحرمان من التعليم.
يوم دولي لحماية التعليم
من الهجمات

عقد في العاصمة القطرية الدوحة، حدث ضخم، للتنبيه لخطر الهجمات التي تتعرض لها المدارس والمنظومة التعليمية، تحت شعار «التعليم في خطر: التكلفة الإنسانية للحرب». وتقود الجهود الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة التعليم فوق الجميع، بحضور عدد من الشخصيات البارزة وممثلين عن الأمم المتحدة ومناصري قضايا الشباب والمجتمع المدني.
وتأتي أهمية الحدث، مع الصعود العالمي للهجمات على التعليم، والاستخدام العسكري للمنشآت التعليمية بنحو 20 في المئة في 2022 و2023 مقارنة بالأعوام السابقة وفقًا لتقرير التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات 2024. وسجلت التكلفة الإنسانية للحرب زيادة، مع رصد مقتل وإصابة واختطاف واعتقال أكثر من 10.000 طالب ومعلم في الهجمات على التعليم في عامي 2022 و2023. ففي المتوسط، تم تسجيل ثمانية اعتداءات على التعليم أو حالات استخدام عسكري يومياً خلال العامين الماضيين. وحسب تقرير رسمي اطلعت عليه «القدس العربي» شهدت فلسطين، والسودان، وأوكرانيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وميانمار أعلى معدلات الهجمات على التعليم في عامي 2022 و2023. وتم تهديد مئات المدارس، وحرقها، أو استهدافها بعبوات ناسفة، وبقصف، أو غارات جوية. وأوشك السودان أن يصبح موطنًا لأسوأ أزمة تعليمية في العالم، حيث يوجد أكثر من 19 مليون طفل خارج المدرسة بسبب تزايد العنف وانعدام الأمن وفقًا لمنظمة منظمة اليونيسف. ووفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» تم حرمان أكثر من 625.000 طالب في فلسطين من التعليم منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/اكتوبر 2023. وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «OCHA» أن أكثر من 9.839 طالب و411 من العاملين في مجال التعليم قد قتلوا منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023.

أضرار طويلة الأمد

تتسبب الحروب في أضرار نفسية وجسدية شديدة للأطفال والشباب والمعلمين، ما يعطل تعليمهم ويؤثر على مستقبلهم، حيث حرم أكثر من 72 مليون طفل من التعليم بسبب الصراعات والنزاعات، منهم 53 في المئة فتيات، و21 في المئة منهم نازحون قسرياً. ويُعد اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات منصة للمناصرة وجذب الانتباه العالمي إلى العدد المتزايد من الهجمات على المؤسسات التعليمية والتأكيد على ضرورة التضامن والعمل الجماعي لقادة العالم والأمم المتحدة لحماية حق كل طفل وشاب في التعليم الآمن والجيد في حالات الصراع من أجل مستقبل مستدام ومزدهر. كما يدعو هذا اليوم قادة العالم والمؤسسات الدولية إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، ووضع قوانين وسياسات لمحاسبة الجناة وحماية الأطفال والشباب والمعلمين والمؤسسات التعليمية من الهجمات.

تكاتف الجهود لتخفيف الأضرار

يأتي الاحتفاء باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات بناء على مسودة قرار قدمته دولة قطر وبمادرة من الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعضو مجموعة المدافعين عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وأعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميًا هذه المبادرة في 28 أيار/مايو 2020 وحظي هذا القرار بدعم 62 دولة عضو، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتحديد اليوم التاسع من شهر أيلول/سبتمبر كل عام يومًا دولياً لحماية التعليم من الهجمات.
ويدين القرار الهجمات المتزايدة على المؤسسات التعليمية ويُعد هذا اليوم مناسبة سنوية للتأكيد على الحاجة الملحة لحماية التعليم في حالات النزاعات، حيث يدعو هذا اليوم إلى النهوض والتضامن الجماعي العالمي من أجل تطوير خطط عمل وطنية وقوانين وسياسات لضمان المساءلة وحماية الحق في التعليم الجيد في بيئات تعليمية آمنة خلال النزاعات والحروب.

جهود لحماية التعليم
في مناطق النزاع

تقدم مؤسسة التعليم فوق الجميع برامج تعليمية ذات جودة عالية لأكثر من 19 مليون طفل وشاب في أكثر من 60 دولة، خاصة في المجتمعات الأكثر ضعفًا وتهميشًا. وترأست الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة التعليم فوق الجميع ودولة قطر المبادرة لتأسيس اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات. وتُعد مؤسسة التعليم فوق الجميع رائدة في جهود المناصرة والدعوة العالمية لحماية التعليم من الهجمات، باعتباره حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، لاسيما في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات والمهمشة.
كما قادت مؤسسة التعليم فوق الجميع مبادرات عديدة لتعزيز الحوكمة العالمية والقانون الدولي، وتمكين الشباب والمجتمع المدني لحماية حقوقهم التعليمية. وقامت مؤسسة التعليم فوق الجميع بتسجيل أكثر من 12 مليون طفل خارج المدرسة على مستوى العالم، في التعليم الابتدائي الجيد رغم التحديات الكبيرة مثل النزاع، والنزوح الداخلي، والفقر، ونقص الموارد وضعف البنية التحتية، وعدم المساواة بين الجنسين، وتغير المناخ، والممارسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وسجلت مؤسسة التعليم فوق الجميع أكثر من 7.2 مليون طفل خارج المدرسة من الذين تأثروا بالنزاع في التعليم الابتدائي الجيد الآمن، منهم 4 ملايين من اللاجئين والنازحين داخليًا في 25 دولة. واستفاد أكثر من 4.2 مليون متعلم من بنك موارد التعليم المجاني عبر الإنترنت الذي توفره مؤسسة التعليم فوق الجميع، منهم 800.000 من دول المتأثرة بالنزاع مثل أوكرانيا وفلسطين والسودان واليمن. ويوفر بنك موارد التعليم المجاني عبر الإنترنت وحدات تعلم مجانية ومتعددة التخصصات لضمان التعليم المستمر خصوصا وقت الأزمات.
وأطلقت مؤسسة التعليم فوق الجميع بالتعاون مع شركائها، بوابة بيانات لتتبع الهجمات على التعليم لجمع وتحليل بيانات دقيقة عن الهجمات على التعليم حول العالم، ما يشكل أساسًا قويًا للدعوة العالمية، وإنشاء سياسات وقائية والاستجابات الفورية في حالات الطوارئ.
وبالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أطلقت مؤسسة التعليم فوق الجميع مجلسا استشاريا للشباب لتدريب وتمكين الشباب للدفاع عن حماية التعليم في الفعاليات العالمية. كما أطلقت المؤسسة موردا رقميا متعدد الوسائط لمناصرة حقوق الإنسان للشباب، والذي يجمع الشباب من جميع أنحاء العالم للمشاركة في المناقشات، والندوات، وجهود الدعوة، ويوفر منصة لهم للدفاع عن حقوقهم الإنسانية، مع التركيز على حق التعليم في حالات النزاع.
وحشدت مؤسسة التعليم فوق الجميع أكثر من 678.000 شاب من مناطق النزاع في مبادرات الدعوة إلى السلام وورش عمل تعلم حل النزاعات، وتعزيز المواطنة العالمية، وتنمية الاستدامة، ما يعزز ثقافة السلام ويدعم حقوق الإنسان. ومنحت مؤسسة التعليم فوق الجميع أكثر من 10.000 منحة دراسية للشباب المهمشين في مناطق النزاع، واللاجئين، والأشخاص النازحين داخليًا من فلسطين وسوريا وأفغانستان، لمواصلة تعليمهم العالي في جامعات مرموقة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وقطر ولبنان وتركيا. ومؤخراً أطلقت المؤسسة عددا من مبادرات الاستجابة الفورية الشاملة للاحتياجات العاجلة للمتضررين في قطاع غزة والتي استفاد منها أكثر من 233.000 طفل وشاب، والتي تشمل تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والشباب المتأثرين بالأزمات والهجمات المستمرة، وتوفير مستلزمات النظافة الأساسية وعناية الصحة للفتيات والنساء النازحات، وتقديم وجبات للعائلات النازحة، ودعم المبادرات المجتمعية التي يقودها الشباب.

احتياجات متزايدة
لحماية الأطفال

بالرغم من الجهود المبذولة من قبل العديد من الجهات، يظل واقع الأطفال في مناطق النزاعات والحروب مأساوياً ويتطلب المزيد من المبادرات، لتخفيف حدة الأزمة.
وناشدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» الحصول على تمويل طارئ بقيمة 10.3 مليار دولار أمريكي لدعم الأطفال المتضررين من النزاعات والكوارث وأزمات المناخ في جميع أنحاء العالم.
وأطلقت اليونيسف نداء التمويل الطارئ بقيمة 10.3 مليار دولار للوصول إلى أكثر من 173 مليون شخص ـ بمن فيهم 110 مليون طفل في 155 دولة وإقليماً خلال عام 2023.
وصرحت كاثرين راسيل، المديرة التنفيذية لليونيسف سابقاً أن: «هناك عددا أكبر من الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية أكثر من أي وقت آخر في التاريخ الحديث». وأضافت أنه في جميع أنحاء العالم، يواجه هؤلاء الأطفال مزيجا مميتا من الأزمات؛ من الصراع والنزوح إلى تفشي الأمراض وارتفاع معدلات سوء التغذية. في غضون ذلك، يؤدي تغيّر المناخ إلى تفاقم هذه الأزمات ويطلق العنان لأزمات جديدة.
وتابعت تقول: «من الأهمية بمكان أن يكون لدينا الدعم المناسب للوصول إلى الأطفال بعمل إنساني حاسم وفي الوقت المناسب.»

تنامي الاحتياجات

في عام 2023 أحصت اليونيسف حوالي 274 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية. وعلى مدار العام، نمت هذه الاحتياجات بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى الصراعات، وإلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي؛ وتهديدات المجاعة الناجمة عن العوامل المتعلقة بالمناخ وعوامل أخرى؛ والفيضانات المدمرة في باكستان. وفي جميع أنحاء العالم، يشكل ظهور الأمراض المتفشية بما في ذلك الكوليرا والحصبة خطراً إضافيا على الأطفال في حالات الطوارئ. إضافة إلى الآثار المستمرة لجائحة كوفيد-19 والاضطراب الاقتصادي العالمي وعدم الاستقرار، بما في ذلك التضخم وارتفاع تكلفة الغذاء والوقود، كل ذلك كان له تأثير مدمر على حياة ورفاهية الملايين من الأطفال الأكثر ضعفا في العالم.
ويؤدي تغيّر المناخ أيضا إلى تفاقم نطاق وشدة حالات الطوارئ. فقد كانت السنوات العشر الماضية هي الأكثر سخونة على الإطلاق، وتضاعف عدد الكوارث المرتبطة بالمناخ ثلاث مرات في الأعوام الثلاثين الماضية.
ورغم هذه التحديات، وصلت اليونيسف وشركاؤها إلى ملايين الأطفال والنساء والأسر في جميع أنحاء العالم وزوّدتهم بخدمات وإمدادات أساسية، بما في ذلك في بعض الأماكن الأشد صعوبة من حيث إمكانية الوصول إليها.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب