منوعات

نوادر أهل الفن عن الكرم والفهلوة وخفة الظل وقراءة الطالع

نوادر أهل الفن عن الكرم والفهلوة وخفة الظل وقراءة الطالع

كمال القاضي

كان واحداً من الشخصيات الثانوية الشهيرة في الوسط الفني. فبرغم أنه عامل بسيط لكنه ظل يتمتع بثقة كبيرة لدى أكبر النجوم والنجمات، عمل لمدة أربعين عاماً في أستوديو الأهرام للتصوير السينمائي وعاصر أجيالاً من الفنانين والفنانات وحفظ أسرارهم وخصوصياتهم فأحبوه واعتبروه فرداً من أفراد الأسرة الفنية الكبيرة.
إنه عم بطرس، رجل حظي بحب واحترام جميع من تعامل معهم طوال سنوات خدمته الوظيفية في أستوديو الأهرام، فقد تلخصت مهمته في المُحافظة على المُقتنيات الشخصية التي يتركها النجوم عند بدء التصوير لعدة أسابيع أو ربما لشهور في بعض الأحيان محفوظة في خزينة خاصة خُصصت لهذا الغرض.
وبحكم المسؤولية الجسيمة التي أوليت للرجل الثلاثيني في فترات مُبكرة نسبياً من عمر السينما المصرية اقترب من غالبية الفنانين الذين حفظ لهم أماناتهم وأسرارهم الشخصية فعرف عنهم الكثير واختبر خصالهم الإنسانية التي لم يكن أحد من الجمهور العادي يعرفها، ولهذا اكتسب أهمية كُبرى بين المُخرجين والمؤلفين والفنيين والمُمثلين وغيرهم.
اتسم عم بطرس خلال الفترة الطويلة التي قضاها بين كبار النجوم بخفة الظل، فكثيراً ما كان يتندر على البعض ممن رفعوا بينهم وبينه التكليف واستلطفوه بأن يذكر بعض مواقفهم المُثيرة للضحك والسخرية بدون ابتذال أو تعد باللفظ أو القول، فقط كان يروي الحكايات باعتبارها طرائف ولطائف.
ولأنه كان الحارس الأمين على كل المُقتنيات الخاصة بالنجوم والنجمات بما فيها المجوهرات الثمينة، بات هو الشخص الأهم على الإطلاق بين العاملين بالأستوديو، وبطبيعة الحال كانت تربطه صداقات قوية وحميمة بمعظم من يأتمنونه على أشيائهم الخاصة.

شريفة فاضل

من بين الشخصيات التي ذكرها عم بطرس ضمن حكاياته المُسلية المطربة شريفة فاضل، فقد كانت الأجود والأكثر سخاءً معه لأنها على حد قوله كانت فنجرية وتُحب الناس الغلابة وتعطف عليهم، فبمجرد انتهائها من التصوير واستعدادها لمُغادرة اللوكيشن تهم بفتح حقيبتها الشخصية وتضع في يده عدة جنيهات لا يقل عددها عن عشرة أو عشرين جنيهاً وهو مبلغ في الخمسينيات من القرن الماضي كانت له قيمة كُبرى يساوي أجر نصف شهر بالنسبة لعُمال اليومية آنذاك.
وتستمر الفنانة في هذا العطاء الجزيل ما دام التصوير مستمراً، إلى أن يأتي اليوم الأخير فتسترد مُقتنياتها وتودع زملائها بكلمات رقيقة وابتسامة تملأ وجهها.

إسماعيل يسن

الشخصية الثانية التي تمتعت بقاعدة شعبية واسعة وبحُب جماهيري فائق الحدود هي شخصية الفنان الكوميدي إسماعيل يسن الذي يروي عنه بطرس حارس الأمانات والعامل المثالي بأستوديو الأهرام الكثير من الأحاديث الطريفة، خاصة ما يتصل منها بالجانب المادي. فمن بين ما ورد على لسانه في سياقات كوميدية أن الفنان الكبير كان معهوداً عنه استخدام الدُعابة في كل شيء وهي طريقة كان يتبعها إسماعيل يسن للخروج من المآزق والمواقف المُحرجة التي تُصادفه أحياناً كطلب التبرع أو المساعدة على سبيل المثال، فحين كان يطلب منه أحد العُمال شيئاً من المال كان لا يتردد في إعطائه، لكن في حدود مُقننة للغاية ولا يزيد عن خمسين قرشاً أو جنيه في أحسن الأحوال.
ومع ذلك كان الجميع يحبونه ويلتفون حوله في أوقات الراحة لأنه كان يعوض المسألة المالية بالفكاهة والضحك ويتبسط إلى أقصى حد في تعامله مع صغار العاملين، فلم يؤخذ عليه الحرص في الإنفاق المادي على الإطلاق كونه لم يرد أبداً صاحب حاجة.

عبد السلام النابلسي

الفنان عبد السلام النابلسي أحد النجوم الذين ذكرهم شاهد العيان عم بطرس واعتبره من أكثر الشخصيات حلماً وصبراً وحباً أيضاً لفئة العُمال، فقد قال عنه أنه كان بسيطاً إلى حد كبير وفي طبيعته الإنسانية كان مُجافياً للأدوار التي جسدها على الشاشة، فقد كان بعيداً كل البُعد عن الغرور والكبرياء، لكنه كان يُماثل صديقه إسماعيل يسن في الحرص، ربما لأن أجره كمُمثل لم يكن في مستوى النجوم أصحاب أدوار البطولة المُطلقة.
غير أنه كان شديد الأناقة في ملبسه وهندامه وهذا أمر مُكلف بالنسبة للفنان، لذا كان الفائض منه قليل ومن ثم لم يكن لديه فرصة كافيه لإعطاء الإكراميات أو البقشيش إلا في بعض الأحيان حين يكون مسروراً من عمل ما يُشارك فيه أو راض عن أجره أو ما شابة ذلك. ويذكر بطرس أنه أعطاه ذات يوم 25 قرشاً وقال له مداعباً أذهب فضعهم في دفتر التوفير ولا تكن مُسرفاً!

عادل إمام

قبل رحيله حكى بطرس عن عادل إمام بانبهار شديد وروى وهو يراجع شريط ذكرياته أن النجم الكبير في بداية حياته كان يقوم بأدوار صغيرة جداً، لكنه كان على يقين بأنه سيُصبح يوماً نجم شباك. كان يردد ذلك باستمرار وهو يجلس بين زملائه من أصحاب الأدوار الهامشية في أوقات الراحة كأنه يقرأ الطالع أو يتنبأ لنفسه بالمُستقبل.
ولم يكن يأبه بسخرية من يعترضه أو يتهكم عليه، إلى أن جاء الوقت الذي تحقق فيه حُلمه وأصبح بالفعل نجم النجوم ولم يتخل عن علاقته بالرجل الطيب حارس الأمانات.

نور الشريف

بعد أن أحيل بطرس لسن التقاعد اختار العمل مع الفنان نور الشريف الذي كان يمتلك شركة إنتاج سينمائي بوسط القاهرة، عين فيها الرجل الطيب عم بطرس ساعياً، تتحدد مسؤوليته في عمل الشاي والقهوة وترتيب المكتب والعناية به.
وعن سر اختياره العمل مع نور الشريف بالذات قال: «بصراحة وجدت فيه شهامة وجدعنة، فهو الوحيد الذي تعاطف مع ظروفي ودعاني للعمل معه، لذلك لم أتردد في قبول الفرصة، فهو ابن بلد ويعرفني جيداً كما أعرفه أنا أيضاً عز المعرفة، ولعله من الفنانين القلائل الجادين في حياتهم، الصادقين في ودهم وحبهم للفقراء» تلك كانت شهادة الرجل عن الفنان الكبير بكل وضوح.
رحل عم بطرس منذ سنوات وترك الحياة في هدوء شديد. عاش فقيراً ومات فقيراً ولم يشعر بموته أحد قط!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب